يعكس الاتفاق الهش بين قادة العراق لإنهاء أزمة أصابت المؤسسات السياسية بالشلل طوال ثمانية أشهر توازن القوى في المنطقة، بحسب اعتقاد عدد من المحللين والخبراء. وقال إبراهيم الصميدعي لوكالة «فرانس برس» إن «التنازلات المتبادلة للتوصل إلى اتفاق تعكس موازين القوى الخارجية فقد حصلت بشكل سريع نظراً للتحديات الخارجية التي تضغط على الجميع في الداخل العراقي والخارج».
وتوصل القادة خلال اجتماعات مطولة بدأت الاثنين الماضي في أربيل بدعوة من الزعيم الكردي، مسعود بارزاني قبل أن تنقل إلى بغداد إلى اتفاق بشأن تقاسم الصلاحيات والرئاسات الثلاث.
وعقد البرلمان مساء الخميس جلسة انتخب خلالها أسامة النجيفي عن القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق، إياد علاوي رئيساً له، كما انتخب رئيس الجمهورية جلال طالباني لولاية ثانية.
وسرعان ما أعلن طالباني أنه سيكلف رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي تشكيل الحكومة الجديدة.
واعتبر الصميدعي أن «تشكيل حكومة لا تتمتع بقاعدة عريضة سيؤدي إلى فشلها حتماً فالمحور الأميركي التركي في المرصاد للمحور الإيراني وحلفائه في الشرق الأوسط».
وعزا «التأخير في تشكيل الحكومة إلى التنازع الإقليمي والدولي، ويبدو أن لعبة عض الأصابع طالت كثيراً (...) فالجميع تعب في لحظة واحدة من إيران إلى تركيا إلى واشنطن وغيرها».
وأوضح أن «الخيار الكردي دفع بعلاوي إلى التفكير ملياً ليقبل بعدها بالتخلي عن المطالبة برئاسة الوزراء».
يذكر أن توافق الأضداد بين واشنطن وطهران كانت نتيجته اختيار المالكي، كما أسفر حالياً عن اتفاق على تقاسم مقبول للسلطات وتوازن جيد فيما بينها في حال الالتزام بنقاط الاتفاق الذي توصل إليه القادة.
وأبرز بنود الاتفاق انتخاب النجيفي رئيساً للبرلمان واستحداث المجلس الوطني للسياسات العليا وتشريعه بقانون ومنحه صلاحيات تنفيذية، وإلغاء اجتثاث عدد من قادة القائمة العراقية والنظر في أوضاع المعتقلين والمحتجزين.
وختم الصميدعي مؤكداً «أهمية التوازنات الإقليمية في توزيع السلطات (...) فالشيعة والأكراد لم يتمكنوا من إزاحة النجيفي عن رئاسة البرلمان، بينما كان المالكي معارضاً بشدة لإنشاء مجلس السياسات لكنه ما لبث أن غير رأيه ووافق عليه».
من جهته، قال الخبير في الشئون العراقية، إحسان الشمري إنه «لا يمكن الفصل بين الوضعين الداخلي والخارجي ففي الداخل بلغ الاستياء الشعبي مداه كما أن النخب السياسية شعرت بأنها مهددة باحتمال إعادة الانتخابات، فضلاً عن الخشية من انهيار العملية السياسية برمتها».
وأضاف لوكالة «فرانس برس»، «أما خارجياً، فقد لعبت واشنطن دوراً مهماً في تقاسم السلطات أو توزيعها لكنها عجزت عن الدفع في هذا الاتجاه».
يشار إلى ان الإدارة الأميركية أطلقت فكرة تقاسم السلطات الربيع الماضي عبر استحداث المجلس الوطني للسياسات الخارجية مزوداً بصلاحيات.
وتابع الشمري أن «الاتفاق يأتي نتيجة تزامن العاملين الدولي والإقليمي فإيران التي تصدت لواشنطن وعرقلت جهودها في تشكيل حكومة طوال هذه المدة، تظهر حالياً مرونة بدرجة كبيرة لأنها بحاجة إلى إنهاء المسألة تمهيداً لمعالجة ملفها النووي عبر مفاوضات قريبة».
واقترح المسئول عن الملف النووي الإيراني، سعيد جليلي على الدول الست عقد لقاء في اسطنبول في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني أو الخامس من ديسمبر/ كانون الأول، لكن المجموعة اقترحت من جهتها عقد اللقاء في فيينا بين 15 و18 الشهر الجاري.
وختم الشمري قائلاً إن «الولايات المتحدة هي أيضاً بحاجة لأن تؤكد عدم فشل تجربتها الوليدة في العراق (...) ويجب عدم نسيان أن استقرار هذا البلد يعكس استقرار المنطقة والعكس صحيح».
بدوره، اعتبر سياسي عراقي أن «الاتفاق يؤكد المحاصصة الطائفية لكن الجميع يريد الخروج من المازق الذي وضعوا أنفسهم فيه».
وعن التأثير الخارجي، قال «هناك بشكل أساسي دولتان تتجاذبان العراق، هما الولايات المتحدة وإيران، وما حدث يعكس رغبتهما كونهما تريدان الحفاظ على نفوذهما بأقل كلفة ممكنة تمهيداً لأمور أخرى»
العدد 2991 - السبت 13 نوفمبر 2010م الموافق 07 ذي الحجة 1431هـ