قال السفير السوداني في مملكة البحرين محمد محمود أبوسن في حوار أجرته معه «الوسط» بمناسبة قرب انعقاد منتدى حوار المنامة 2010 باعتباره فرصة لطرح تطورات الوضع في السودان، إنه بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي لم ينته التدافع الغربي على إفريقيا بل تحول الصراع إلى محاولات لفرض النفوذ وكان البترول محور الصراع الفرنسي والأميركي. وأشار السفير إلى مفارقة أنه على رغم الحروب والتوترات التي حدثت وتحدث في إفريقيا لم تتأثر صادرات المواد الخام إلى الغرب. وما يحدث في إقليم دارفور في غرب السودان ليس ببعيد عن تلك الأوضاع لأن الصراع اندلع بالتزامن مع بدء إنتاج البترول في السودان العام 1997. وأوضح أبوسن أن الصين موجودة في إفريقيا عبر الاستثمارات الضخمة وهي تبتعد كثيراً عن الأجندة السياسية، وفي المقابل لم تقدم الولايات المتحدة للقارة الأم شيئاً سوى مصطلحات حقوق الإنسان والحكم الرشيد وغيرها من الشعارات الرنانة. وحذر السفير من المناورات الجارية لفصل جنوب السودان عن شماله وقال إن ذلك سيؤثر على مجمل الأوضاع الأمنية في منطقة البحيرات وأوغندا التي تعتبر الصوت الإفريقي النشاز المؤيد لانفصال الجنوب في حين تعاني هي نفسها من مشاكل أمنية. والى نص الحوار:
هناك حديث عن تورط غربي ودولي في إشعال الحروب في القارة الإفريقية سعياً وراء ثرواتها الطبيعية... هل تشرحون لنا ذلك؟
- هذا أمر ليس بالجديد فقد تقاسم الغرب الإمبريالي ... القارة الإفريقية بعد مؤتمر برلين في 1886م وحتى تاريخه أصبحت القارة الإفريقية مقسمة ما بين النفوذ الفرانكفوني والإنجليزي وبعد الحرب العالمية الثانية دخلت أميركا وأخذت تملأ الفراغ الذي حدث بعد زوال شمس الإمبراطورية البريطانية... وخروج فرنسا من دائرة المنافسة بعد احتلالها علي يد هتلر... بعد مرحلة التحرر الوطني في إفريقيا في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات والانعتاق من نير الاستعمار عاد الغرب من جديد عبر بوابة الصراع مع المعسكر الشرقي - فترة الحرب الباردة - إلى إشعال الحروب في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء... والنماذج متعددة ... حروب التحرير في أنغولا وموزمبيق وجنوب إفريقيا ورودسيا... حروب الكنغو... والشاهد في هذه الحروب جميعها أنها حدثت بسبب التدافع لاستغلال ثروات وموارد القارة السمراء.
بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي، لم ينتهِ التدافع الغربي على إفريقيا بل تحول الصراع إلى محاولات فرض النفوذ وكان البترول محور الصراع الفرنسي والأميركي.
نموذج منطقة الغرب الإفريقي والجنوب الغربي من القارة يبرز بوضوح حالة من الفوضى ... نتيجة للصراع الداخلي في الدولة وابتداءً من الحدود الغربية للسودان وحتى المحيط الأطلنطي نلاحظ هذا الصراع في أوجه... وأينما تذهب تجد الوجود الغربي ... وحدات عسكرية – قواعد – تدخل عسكري أو سياسي سافر... وللمفارقة لم تتأثر صادرات المواد الخام من تلك الدول لدول الغرب التي تحتكر إنتاج وتصدير تسويق المواد الخام لصالح الشركات الكبرى... الأمر لا يحتاج لذكاء كبير لقراءته.
ما هي الأجندة الخفية وراء اندلاع أزمة دارفور وتصعيد مجلس الأمن والولايات المتحدة للعقوبات ضد السودان ورموزه؟
- اندلاع الصراع في دارفور ليس ببعيد عما ذكرناه رداً على السؤال السابق... بدايات الصراع بدأت بعد إنتاج البترول في السودان في 1997 وظهور مواد خام كثيرة تبشر بها أرض دارفور البكر... ومع وجود سلطة مركزية أثبتت قدرة على الاستفادة من إمكانات السودان وحسن إدارتها خارج هيمنه الغرب... كان الأمر غير مقبول لدى تلك الجهات ومن هنا بدأ التصعيد الغربي والأميركي تجاه السودان مستغلين مراكز نفوذهم في مجلس الأمن... وغيره من المنابر الأممية... وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى مسألة خروج شركة «شيفرون» الأميركية من صناعة البترول في السودان في النصف الأول من الثمانينيات... وتم ترويج الحديث عن أن بترول السودان لا يمكن استخراجه إلا بواسطة التقنية الأميركية... ولما استعان السودان بدول كالصين وماليزيا وثم استخراج النفط وتسويقه لم يكن ذلك محل رضا من قبل الولايات المتحدة والغرب عموماً... والمسألة في نهاية الأمر هي صراع حول موارد الدول الإفريقية وهو جوهر الاستعمار القديم والجديد.
لماذا تحول الموقف الأميركي من الحفاظ على وحدة السودان إلى الميل لتأييد انفصال الجنوب على رغم المخاوف من خلق حالة من عدم الاستقرار تؤثر على مجمل الدول الإفريقية المحيطة؟
- نعم لقد تحول الموقف الأميركي تجاه وحدة السودان... لكن هذه طبيعة التركيبة السياسية في أميركا التي تتحكم فيها مصالح مجموعات الضغط واللوبيات. والمشكلة الكبيرة أن مجموعات الضغط هذه بعيدة عن واقع المشكلات في إفريقيا وغيرها ولهذا تدفع بالإدارة الأميركية للمجهول... إن خطورة انفصال الجنوب كبيرة الأثر على إفريقيا لأنه يتاخم منطقة البحيرات غير المستقرة. وحتى أوغندا تعيش حالة من حروب داخلية وغيرها من دول الجوار الإفريقي مع الجنوب.
هذا وضع لا يطمئن كثيراً ودعنا نقول وعلى أفضل الفروض إنه غير محسوب النتائج وخاصة أن جميع الدول الإفريقية الموقعة على ميثاق الاتحاد الإفريقي ورثت حدوداً من المستعمر الغربي... وأمنت على الوضع القائم تجنباً للتشرذم والقتال والإضراب الداخلي... فهل هذا في مصلحة الأمن والسلم الدوليين... وهي الصيغة المستقلة لفرض العقوبات والتدخل في شئون الدول الأخرى.
هل يتعلق الأمر بالصراع والتنافس الخفي بين أميركا والصين ومخاوف واشنطن من التغلغل الصيني والروسي في إفريقيا انطلاقاً من السودان؟
- الصين موجودة في إفريقيا بوجودها الاقتصادي الفاعل... وهي دولة تتعامل وفق مصالحها وبعيداً عن الأجندة السياسية... لقد قدمت الصين لإفريقيا منحة في حدود عشرة مليار دولار بعد القمة الإفريقية الصينية في شرم الشيخ 2009، فماذا قدمت الولايات المتحدة في المقابل غير مصطلحات حقوق الإنسان... والحكم الرشيد وغيرها من الشعارات... الصين موجودة في إفريقيا عبر الاستثمارات الضخمة في إفريقيا في البني التحتية وغيرها من المشروعات التي تساعد في التنمية وهذا ما تحتاجه إفريقيا... ووجود الصين في السودان ليس جديداً بل إنها أصبحت الشريك الاستثماري والتجاري الأول للسودان... ولكن الأمر تغير بعد اقتحامها مجال صناعة البترول... وهو مجال كانت أميركا تريد احتكاره... ونحن نعرف ونقدر حيوية البترول لأميركا... وقد تندفع الولايات المتحدة لأبعد الحدود في مسألة البترول هذه.
هل تعتقدون أن الموقف العربي من مخاطر انفصال الجنوب كان بقدر التدخل الإفريقي المساند للجنوب نفسه؟ وما هو الدور المتوقع من الدول العربية إذا صوت الجنوب لصالح الوحدة؟
- من قال إن الدول الإفريقية تساند انفصال الجنوب؟ في مؤتمر نيويورك (الجمعية العامة للأمم المتحدة) الأخير كانت أصوات جميع الدول الإفريقية الموجودة في ذلك الاجتماع تساند بقوة وحدة السودان... الصوت النشاز الوحيد كان هو أوغندا... كما أن البيان الختامي للقمة الإفريقية العربية التي عقدت مؤخراً في مدينة سرت الليبية أكد مساندته لوحدة واستقرار السودان، أما الموقف العربي فهو واضح من خلال الموقف الجماعي عبر الجامعة العربية المساند لوحدة السودان، بل كانت مبادرة الجامعة العربية من خلال مؤتمر (جوبا1) و (جوبا2) لدعم وحدة السودان من خلال التنمية المستدامة، كما هنالك مواقف ثنائية واضحة من جميع الدول العربية وبما فيها مملكة البحرين التي ما فتأت تعبر عن دعم وحدة السودان من خلال الجامعة العربية... والأمم المتحدة حيث تضمنت كلمة وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة دعماً واضحاً لوحدة السودان بل إن البحرين كان يفترض أن تستضيف مؤتمراً للاستثمار في الجنوب دعماً لوحدة السودان عبر مؤتمر (جوبا2) ولكن المؤتمر تأجل لأسباب خارج عن إرادة المملكة... وفي هذا الصدد أوجه التحية الخاصة لمملكة البحرين لمواقفها المساندة للسودان ودعم وحدته...
أما مسألة موقف الدول العربية إذا ما حدث الانفصال... فلابد من الإشارة إلى أن السودان هو دولة مؤسسة في الجامعة العربية... وهو أي السودان يؤكد وسيؤكد وجوده العربي والإسلامي والإفريقي في كل الظروف وتحت كل الخيارات التي يراها أبناء الجنوب ولا أتوقع أن يتغير أي ترتيب بشأن مسألة انتماء السودان العربي ولا أرى موقفاً جديداً للجامعة العربية تجاه السودان بعد التاسع من يناير/ كانون المقبل.
هل ستكون هناك مشاركة رسمية سودانية في منتدى حوار المنامة هذا العام لأهمية محاوره وللظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد؟
- حتى تاريخه لم نحدد صفه المشاركة ولكن مشاركتي أنا كسفير السودان هي بمثابة المشاركة الرسمية.
العدد 2990 - الجمعة 12 نوفمبر 2010م الموافق 06 ذي الحجة 1431هـ