من يقرأ كتاب مسيرة العمل السياسي البحريني في أعقاب المشروع الإصلاحي، وما صاحبه من انفتاح على القوى السياسية المعارضة، يكتشف، ودون أي عناء، استمرار الوجوه التقليدية، تاريخياً، في قيادة العمل السياسي سواء كان ذلك في دوائر السلطة التنفيذية، أو في صفوف المعارضة، دون أي استثناء، وغياب العناصر الشابة من المواقع القيادية التي هي - أي المواقع - في أمسّ الحاجة إليها. الحديث هنا يتناول الظاهرة بشكل عام التي ربما تنفيها بعض الاستثناءات المتفرقة هنا أو هناك، وخصوصاً في الصفوف القيادية الثانية. لكن الحقيقة الساطعة أن أي تغيير جوهري نوعي لم يمس بعد، من هم في قمة هرم العمل السياسي. ليس القصد هنا التشكيك في دور تلك القيادات، التي لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية الاستفادة من تجربتها السياسية، وهي غنية وتمتزج فيها تلك الدروس المستقاة من تجربة عمل سياسي متنوع امتد لما يزيد على نصف قرن من الزمان. لكن الحاجة إلى وجوه شابة جديدة تلج العمل السياسي الحالي، وفي الضفتين: المعارضة والسلطة التنفيذية، باتت مسألة ملحة، وتنبع تلك الحاجة من مصادر عدة من بين أهمها:
1. عزوف الشباب ذاته عن العمل السياسي، بالمعنى المتعارف عليه، حيث لا يزال الإطار العام للعمل السياسي تقليدياً ومنحصراً في الأنشطة المباشرة، تنظيمية كانت أم فكرية، في حين يحتاج الشباب إلى ما هو أبعد من ذلك وأكثر شمولية، كي يتمكنوا من تفجير طاقاتهم الكامنة، في مجالات متعددة، تكون ممارسة العمل السياسي أحد أنويتها، وعاملها المساعد في عملية التحول الشامل نحو مجتمع المملكة الدستورية.
2. استمرا ر احتفاظ القيادات التقليدية بالأمراض التي تفشت في جسدها من خلال العلاقات القديمة بينها. فلم يستطع ذلك الجيل أن يخلع عباءاته التاريخية، وينضي عن جسده كل الطفيليات التي ترعرعت تحت تلك العباءة. على هذا الأساس، نجد الحركة السياسية، لا تزال، وحتى يومنا هذا، مشدودة، في مجملها إلى الخلف، بدلاً من التقدم نحو الأمام. هذه الحالة التراجعية ليست محصورة في الإطار التنظيمي البحت، ولكنها، وللأسف الشديد، سحبت نفسها على ذهنية تلك القيادات، وأنماط تفكيرها، ومن ثم طرق معالجتها للشأن السياسي.
3. الحاجة إلى التمرد على حالة الإحباط السياسي العامة التي سادت المنطقة العربية، ومن بينها البحرين خلال الستين سنة الماضية، حيث توالت الإخفاقات التي أصابت النظام السياسي العربي، ونالت المعارضة نصيب الأسد منها. والحديث هنا يتطرق إلى القضايا الكلية، مثل هزيمة حزيران (يونيو) 1967، وانتكاسة حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، والاجتياح الإسرائيلي لبيروت 1982. وعندما تربط تلك الانتكاسات العسكرية وانعكاساتها السياسية على النطاق العربي العام، مع نظيراتها على الصعيد القطري، مثل حل المجلس الوطني في البحرين 1975، يمكن فهم وتفسير الإرهاصات السلبية لتلك النتائج على المستويين القومي العام، والوطني الخاص.
4. قصور المشروع الإصلاحي الطلائعي في البحرين عن إفراد الحيز المطلوب للمشاركة الشبابية، حيث تركز خطابه، هو الآخر على القيادات التقليدية. هذا التوجه له ما يبرره حينها، فقد كانت أولويات المشروع عند انطلاقته انتشال البحرين من نفق «قانون أمن الدولة»، ووضع خطواتها الأولى على طريق مختلفة. لم يكن بالإمكان حينها خلط الأوراق، وبشكل صحيح، كي تشمل الشباب أيضاً. لكن الأمر أصبح الآن مختلفاً، وأكثر ملاءمة لانخراط الشباب في العملية السياسية.
5. سيادة قوانين العولمة، وخاصة في قطاع الاتصالات والمعلومات، وقلصت المساحة المترامية التي احتضنت فيها تلك القوانين الشباب في كل بقاع العالم، الكثير من هوامش القضايا المحلية؛ ما وسع من دائرة العلاقات العالمية على حساب المسائل الوطنية. شدت الأحداث العالمية انتباه الشباب، وسلبت نسبة عالية لا يستهان بها من طاقاتهم لصالح الأممي، وعلى حساب الوطني. أهم ما في الأمر هنا، هو أن ذلك الجذب ركز كثيراً، وبشكل مقصود، على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وأبرزها في الأمام، وأرغم المسائل السياسية، وبشكل مدروس أيضاً، على التراجع إلى الخلف، في اهتمامات الشباب. ولم تكن تلك الصيغة بعيدة عن التمظهر في صفوف الشباب البحريني.
أدى كل ذلك إلى وجود مساحة سياسية «مخلخلة» بحاجة إلى من يسد ذلك الفراغ الذي يسودها. وليس هناك من فئة اجتماعية، مأخوذة في عين الاعتبار الظروف القائمة حالياً، قادرة على شغلها وانتشالها من خانة الفراغ إلى ركن العمل، أفضل من الشباب أنفسهم. على أن الوصول إلى هذه المشاركة الشبابية الإيجابية والراقية، ليست مهمة الشباب وحدهم، بل ربما احتاج الأمر إلى تضافر أكثر من قوة سياسية من أجل ملء هذه الثغرة الشبابية السياسية الشاغرة، من خلال:
1. تأهيل القوة الشبابية، سياسياً، أسوة بما تعمله مؤسسات أخرى ناشطة في البحرين من أجل تمكين القوة الشبابية البحرينية اقتصادياً ومهنياً، وتعزيز قدراتها في هذه المجالات كي تصبح قادرة على المنافسة وفقاً لمعايير دولية وليست محلية. ولعل مثل هذه المسئولية تقع في صلب المهام المناط بها «معهد البحرين للتنمية السياسية»، الذي آن الأوان كي يضع خطة طويلة المدى لخلق جيل شبابي مسيس، على أسس علمية، بدلاً من وصول الشباب البحريني إلى ذلك عن طريق التجربة والخطأ، كما هو حاصل الآن.
2. تحفيز منظمات المجتمع المدني، كي تخرج من قوقعتها التقليدية، ووضع البرامج الخاصة بالشباب والقادرة أيضاً على استقطابهم، وتشجيعهم على الانخراط في صفوفها أولاً، ثم إعدادهم، ومن خلال برامج علمية مدروسة، لدخول سوق العمل السياسي، مسلحين بخلفية علمية متينة ثانياً. هنا يتم التزاوج بين تلك الخلفية العلمية المطلوبة، وتلك الخبرات الغنية التي لا يمكن الاستغناء عنها، والتي ستلهمهم بها قيادات تلك البرامج، بشكل مباشر، أو من خلال احتكاكهم، غير المباشر، بقيادات تلك المنظمات المجتمعية التي ينتمون إليها.
3. تفعيل البرلمان الشبابي، بوضع برامج مكثفة له، تنير لأعضائه طرق العمل السياسي العلمي، وكيفية سلوكها، ومن مداخلها الصحيحة، وأساليب السير عليها بشكل سليم يحول دون استنزاف الطاقات في حوادث جانبية، مصدرها عدم معرفة الطريق، أو السير فيها على نحو خاطئ. وهنا تأتي أهمية مزج العلم مع الخبرة، فتحاشي المخاطر، وتقليص الخسائر، لا يمكن أن تأتي من العلم وحده، ما لم يكن مطعماً بالخبرة التي يحتاجها.
محصلة القول أن هناك مساحة شبابية سياسية شاغرة، لابد من ملئها، لكن، لابد أن يتم ذلك، وبحذر شديد، بالمناهج الصحيحة، ووفقاً للمقاييس المستقبلية البناءة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2988 - الأربعاء 10 نوفمبر 2010م الموافق 04 ذي الحجة 1431هـ
مجرد خاطرة
في المعترك السياسي و هل وصل تأهيل الكوادر الشبابية لمستوى يمكنه من تحمل اعباء القيادة و متى سيسمح المخضرمون لجيل فتي ياستلام دفة القياد ة..هل الكبار مستعدون للتنحي و هل الصغار قادرون على شغل الحيز...ان كانت النظرة السائدة ان لمن ضحى او عانى في سبيل الفكر الذي يؤمن به سببا لتمسكه او تمسكنا به على رأس المنظومة فاننا بحاجة للعمل جديا على اعداد من يخلف الصف الاول دون الحاجة لسرد ذلك و استثمار العقول الشابة لتحريك المياه الساكنة حتى كادت ان تكون اسنة.
مجرد خاطرة (تتمة)
لكل من تلك القيادات رسالة و اعتقد بان كل صاحب رسالة لا يقر له قرار حتى تصل رسالته و بما ان لكل منا عمر محدود و ما دمنا مسلمين بان رسالتنا حق يجب تبليغه افلا يعتبر قصورا عدم اعداد من يؤدي او يتم الرسالة اذا جرى علينا ما يجري على الناس من موت و فناء ... ما اجمل ان تنطلق الاجيال الشابة بارشاد و افكار تستلهمها من قيادات رائدة و مخضرمة .... ان الشباب المتواجد اليوم على الساحة هو نتاج تربية الجيل الذي سبقه نعم قد تكون هنا اخفاقات و احباطات و لكن لم هذا الابتعاد و الاحجام عن الاقبال عن الدخول في
مجرد خاطرة
السلام عليكم
في كل ما ذكرته استاذ عبيدلي ما يستوقف المرء و يفتح بابا للحوار
الكثير مما نعيشه اليوم هو نتاج عملنا بالامس و ال(نا) هنا ليست بالضرورة تعود علينا بل و على الاجيال التي سبقتنا و من المفارقات اننا نطالب بتجديد الدماء عندما يتعلق الامر بالسلطة و نعتبره نضالا و مقاومة و رفض للظلم و الاسبداد و عندما يأتي الامر لصفوف المعارضة نرى جموعا تستميت من اجل تعزيز مواقع "الرفاق" و اخوة الدرب مبررة ذلك بمختلف المبررات انا هنا لا اطعن في كفاءة او وطنية او اخلاص احد لقضيته
مقالاتك روعة
دائماً مقالاتك روعة وقلمك مبدع
بس احنا الشباب شنسوي ،اذا ما مسكنا المناصب القيادية في السياسة وأصلاً ماعندنا الخبرة الكافية إلى هالمجال
نعم عندنا خلفية حلوة ، بس من دون خبرة وشخصية قيادية بكل معنى الكلمة
بلغ السيل الزبى
وقال (من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا) وقال (سيأتي على الناس سنوات خداعات . يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق . ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين . وينطق فيها الرويبضة) وقال (اذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ..إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) وقال (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا)