أصدر الكاتب السعودي طاهر الزراعي مجموعته القصصية بعنوان «زبد وثمة أقفال معلقة» عن دار فراديس للنشر والتوزيع في طبعتها الأولى هذا العام 2010، وهي مجموعة ضمت بين دفتيها ثماني قصص متقاربة في الطول ومختلفة في السبك والبناء والفنية والجمالية، وقد كان الموضوع المشترك في كل هذه القصص تلك الفئة المهمشة في المجتمع وكيف يمكن احتضانها ومعرفة متطلباتها والوقوف معها لبناء حاضرها ومستقبلها الذي يعكس بالضرورة ما يهم المجتمع وأفراده، وجاءت فئة المهمشين وتناولهم من خلال مجموعة من الحرف اليدوية التي كانت تمارس ولاتزال بين بعض كبار السن وشباب اليوم في مجتمع المنطقة الخليجية والعربية أيضاً، مثل: الرقص الشعبي، تربية الحمام، الجزار وبائع اللحم، الخراز وإصلاح النعل والذي يطلق عليه (الإسكافي)، بالإضافة إلى من يقوم بجمع علب المشروبات الغازية، أو العمل في نقل الحاجيات والأشياء من خضار وخلافه من السوق.
وهذا ما جعل الكاتب يبني قصته احتفاء على تخوم الحشرجة عبر تربية الحمام ليدخل وعلاقة الإنسان بها تربية وبيعاً لينتقل إلى طبيعة أوضاع القرية التي يعيش فيها وكيفية تعامل رجال الأمن حينما دخلوها وقد رأوا الأفراح والزينة والبهجة منتشرة على كل من في القرية وهي أفراح عادة ما تقوم بها الطائفة الشيعية في معظم المناطق التي تتواجد فيها، أفراح بإحياء مواليد أهل البيت (ع)، وقرية البطل في القصة تشير إلى هذا الاحتفال بمناسبة النصف من شهر شعبان، ذلك النصف الذي يتناسب وذكرى ميلاد الإمام المهدي (ع). أما قصة الجمام تتطاير ليلاً فيتناول حالة المرء حينما يكون مرفوضاً من قبل مجتمعه وأفراد حيه بسبب ما يقوم به من أعمال وإن كانت مقبولة شرعاً وديناً وأخلاقياً، فهذا الشاب يقوم بتغسيل الموتى وفي الوقت نفسه يمارس مهنة الجزارة وتقطيع اللحم، ولكن المجتمع لم يعد يتقبله حتى زوجته التي كرهت كل شيء في المنزل، ولكن يتغير كل شيء عند هذا الشاب بعد دعوته لغسل عمدة القرية ليتفاجأ بأن موته لم يكن طبيعياً، وإنما هناك علامات على جسده تؤكد الغرابة في هذا الموت، لكنه فضل الصمت والسكوت، وتدريجياً يترك عمل الخير وتغسيل الموتى بمنع من الجهات المسئولة، ثم ينقطع عن بيع اللحم، مفكراً في طريقة موت العمدة الذي يتبارى الآخرون على أخذ مكانه، غير أن هذا الصمت خرج من مكانه من خلال تلك العبارة التي تتردد دائماً «ما ضاع حق وراءه مطالب»، أما قصة خطوات تشرد بين الزوبعة فهي حكاية شاب يطمح أن يحصل على بيت من الإسكان، وكلما حاول مقابلة المسئولين تبوء محاولاته بالفشل، فيبقى في عشته نائماً فيها، ومتسكعاً يبحث عن علب المشروبات الغازية نهاراً، ومتطفلاً على ديوانيات ومجالس الأغنياء متناولاً العشاء ليلاً، ومقدماً نفسه أضحوكة بينهم من دون أن يترك سماع الموسيقى والغناء.
وتأتي قصة زبد وثمة أقفال معلقة لتشير إلى الرجل المريض بالصرع وما أشارت عليه أسرته المؤمنة بدور أهل بيت الرسول (ع) بمعالجة الإنسان، فيذهب هذا الرجل إلى سورية متجهاً للسيدة زينب عليها (ع)، واضعاً القفل عند المقام منتظراً فرج العلاج، ولكن يظل في هذه الفترة متنقلاً بين ما تتصف به سورية من جمال الطبيعة وانتشار المقاهي وتنوع الثقافة التي هي غذاء الإنسان فيها، بالإضافة إلى ما يبحث عنه المرء من ملذات حسية وجسدية في ظل هذا الازدحام البشري والمعدني، وفي قصة شرقاً حينما ترتطم بذاكرتها تكشف القصة عن الصعاب والتحديات الاجتماعية التي تواجه سائق الأجرة، حيث تطلب منه فتاة أن يأخذها إلى إحدى المزارع ليكتشف خلسة ما تقوم به هذه الفتاة وهي ترقص لمجموعة من الرجال نظير مال يعطى لها، ثم تعود إلى المجمع منتظرة زوجها القادم لأخذها من دون أن يعلم بشيء عن تصرفات زوجته، وهي من المشكلات التي تواجه المنطقة، وخاصة لدى الفئات المتحفظة التي ترفض خروج البنت إلا مع زوجها أو مع بعض أفراد عائلتها، أو أن هذا المجمع أو ذاك يؤكد على حضور المرأة دون الرجل ما يسهم في خلخلة بعض الأعراف ودخول عادات وأعراف لا ترتبط بالمجتمع وبخاصة إذا كان سوياً في علاقاته مع فئات المجتمع اجتماعياً، لذلك نجد قصة (عبثاً تصيح الديكة) تحكي عن ترك شاب مهنة الخرازة بعد ما ملّ منها متجهاً إلى خداع الناس وتحديداً النساء بدور الأعشاب والطب الشعبي، ليتحول منزله إلى عيادة للنساء اللائي يطلبن علاج الاستقرار في الحياة الزوجية، أو اللائي يطلبن طرائق الحمل وما يتعلق بهذا الأمر، وجاءت قصة (قيامة) تعتقل الشهقة متناولة شاباً مريضاً عقلياً، فهو غير سوي ولكي يتزوج عليه أن يعمل حمّالاً في سوق الخضار، أما القصة الأخيرة فهي بعنوان (لا حدود خلف التيه) لتتكلم عن طفل عمره تسع سنوات يخرج من البيت غاضباً من أمه متجهاً إلى العمال الآسيويين ليعرف ما يقومون به في تلك الخيام، ولكن بالنظرة خلسة يكتشف تلك الأعمال التي تمارس من دون رقيب أو حسيب، ففي هذه الخيام تقام عمليات التدليك بين الذكور بعضهم بعضاً وبطريقة فجّة، وكؤوس المشروبات الروحية تتناوب بين الحضور مع مشاهدة الأفلام الجنسية، وتناول اللحوم التي ليس لها حظ في المنطقة.
والكاتب حين يطرح هذه المشكلات والقضايا فهو يطرحها ليس من باب فضح المجتمع وكشف عيوبه بقدر ما يضع القارئ على مداخل بعض القضايا التي ينبغي علينا نحن في منطقة الخليج العربي الوقوف أمامها ومناقشتها بدقة وموضوعية، فلا ينبغي احتقار أية مهنة كانت، فالله سبحانه وتعالى أوجد هذا الاختلاف والتباين في التخصصات والمهن والوظائف من أجل استمرار الحياة ومسيرة البشر في البناء والتعمير والتنمية، وإذا أشار إلى بعض حالات من المجتمع فهو يعني بحسب ما نظن أن أية حالة فرح أو حزن لا تستمر على منوال واحد، ولكن لابد من تقبل ظروف الحياة وحالات المجتمع وتقلبات البشر، أن نجعل من أنفسنا ملاذاً يلوذ إليه طالب الحاجة سواء أكنا مسئولين في القطاعين الحكومي أو الأهلي أم كنا أفرادًا، وتبقى عملية بناء هذه المجموعة التي تحتاج بعض نصوصها إلى بناء فني أكثر مما هي عليه، فالكاتب يملك من القدرة الكتابية والتخيلية والتقاط بعض الزوايا في المجتمع كأن قلمه ومتخيله عدسة كاميرا يحاول إبراز الصورة التي تسهم في كشف بعض الأبعاد الموجودة في المجتمع.
العدد 2988 - الأربعاء 10 نوفمبر 2010م الموافق 04 ذي الحجة 1431هـ