العدد 2988 - الأربعاء 10 نوفمبر 2010م الموافق 04 ذي الحجة 1431هـ

رسالة «بوشقر» الأخيرة وتـجار البحرين في باريس

رجال من زمن اللؤلؤ - (11)

المحرق - محمد حميد السلمان 

10 نوفمبر 2010

توقفنا في الحلقة السابقة عند محطة تحليل بعض جوانب الرسالة الأخيرة التي كتبها تاجر اللؤلؤ أحمد بن يوسف بوشقر من مومبي في 24 رمضان 1341هـ الموافق 10 مايو/ أيار 1923م. وأرسلها إلى صديقه الحميم تاجر اللؤلؤ في البحرين شاهين بن صقر الجلاهمة، وهو بالمناسبة أحد أقطاب حركة نواخذة وتجار اللؤلؤ بالمحرق ضد إصلاحات نظام الغوص في البحرين التي أدخلت زمن المعتمد الإنجليزي (الميجور ديلي) مطلع العشرينيات من القرن الماضي.

وهنا نحاول في ختام حلقات أحمد بوشقر أن نستنطق سطور الرسالة وبعض حقائقها في تاريخ البحرين وتجارة اللؤلؤ بين الهند والبحرين، وإثبات أسماء أوائل من سافر من تجار اللؤلؤ في البحرين إلى باريس كما توضح الرسالة وتاريخها.


بحرينيون أوائل من تجار اللؤلؤ في باريس

تعرض رسالة بوشقر بشكل توثيقي ومهم لبدء فترة الكساد العالمي في الأسواق بعد الحرب العالمية الأولى، ومنها أسواق اللؤلؤ بالتحديد وهو السلعة الرئيسية في أسواق المال آنذاك كما هو النفط والذهب اليوم، أضف إلى ذلك بدء ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني في أسواق الهند وضعف البيع والشراء لهذه السلعة التي كانت تدر ذهباً على الخليجيين مما دفع بعض التجار- كما توضح الرسالة- للسفر مباشرة إلى باريس عاصمة سوق اللؤلؤ في أوروبا القرن العشرين. ومن المعروف أن أول من سافر من الكويت مثلاً إلى ايطاليا وباريس هو التاجر صالح بن عثمان الراشد الحميدي العام 1923. بينما رسالة بوشقر توضح بأن تجار البحرين قد سبقوا تاجر الكويت بعام على الأقل إلى العاصمة الفرنسية كما تذكر عبارة (أراد محمد على زينل- من الرجل في باريس- البيع مثال العام السابق) .

وللعلم فإن التاجر البحريني المرحوم محمد على زينل كان من كبار تجار اللؤلؤ ومن الشخصيات البارزة في مومبي وأصله من الحجاز. كان له الفضل في تحسين تجارة اللؤلؤ وحفظ حقوق التجار العرب من استغلال الأجانب لهم في أسواق اللؤلؤ وهو أول من فتح باب بيع اللؤلؤ في باريس ولندن وكانت له محلات لبيع اللؤلؤ في باريس والبحرين ودبي ومومبي.

أما بقية تجار البحرين الذين سافروا إلى باريس عن طريق الهند بالإضافة لمحمد علي زينل، فهم كل من يوسف بن بهزاد، وفاروق وعباس وعبدالغفار. ولأن الرسالة تذكر هؤلاء بأسمائهم الأولى فقط باعتبار أنهم من الأصدقاء المقربين جداً لبوشقر وغيره من التجار ومنهم شاهين بن صقر أيضاً، فكان لابد من البحث والتقصي عنهم في حوليات تجار اللؤلؤ بين البحرين والهند، فتبين أن أصحاب تلك الأسماء المفردة، في الأغلب، هم كل من:

• عباس بن عبدالله عباس وله شقيق يدعى محمد أيضاً، كانا من تجار اللؤلؤ في مدينة مومبي قديماً وهما من مدينة بستك في إيران. سافر عباس إلى باريس بعد الحرب العالمية الأولى لبيع اللؤلؤ مباشرة على تجار باريس بسبب تردي حركة البيع في سوق اللؤلؤ بالهند.

• محمد فاروق بن محمد عقيل، اسمه مركب كما يبدو كما هي أسماء عائلته البستكية، حيث إن له شقيقاً أيضاً يدعى محمد صديق. كانا من تجار اللؤلؤ في مدينة مومبي قديماً ولهم باسمهم متجر في باريس عمل فيه محمد فاروق فترة طويلة مما أدى لاستقراره هناك وزواجه من فرنسية. افتتحا متاجر لبيع اللؤلؤ وصياغته في دبي ومومبي.

ومن المعلومات المتوافرة خليجياً حول سوق اللؤلؤ في باريس في تلك الفترة، يبدو أن أولئك التجار كانوا طيلة إقامتهم في باريس يتواصلون مع مكتب تاجر المجوهرات الهندي المعروف للخليجيين هناك ويدعى (جندو لال شاه) فقد كان لديه محل كبير في مومبي وآخر في باريس، وكان هو المسئول عن بيع لآلئ الخليجيين في فرنسا. كما تذكر رسالة بوشقر بأن هناك تاجاً هندياً آخر- ربما هو دلال لؤلؤ- يدعى «مروالي» معروف لدى تجار اللؤلؤ البحرينيين جداً ويتم التعامل معه باستمرار لذا ذكر بوشقر اسمه الأول فقط في الرسالة. ويتضح كذلك من طريقة المعاملة معه بمبالغ كبيرة جداً أنه كان موضع ثقة عند تجار اللؤلؤ البحرينيين في الهند وباريس، حيث تم رهن عقد من اللؤلؤ عنده بثمن كبير في تلك الفترة وهو 800 ألف روبية هندية، وهو مبلغ يعادل ميزانية عدة إمارات خليجية في عام كامل في تلك الفترة.

وكان توجه التجار البحرينيين وغيرهم من تجار اللؤلؤ في الخليج في تلك الفترة إلى باريس، توقعاً منهم أن يتم لهم التوفيق في البيع في باريس لوجود سوق خاص لبيع اللؤلؤ يعمل به العرب والهنود وجنسيات أخرى، وتعقد صفقات مربحة في ذلك السوق لبيع وشراء اللؤلؤ، إلا أن سوق اللؤلؤ كان كاسداً في باريس وجميع دول العالم في ذلك الوقت أيضاً. وكان عادة أولئك التجار بيع ما يستطيعون من لآلئ وإذا طالت بهم المدة وبقي لديهم شيء منها تركوه عند أصدقائهم الهنود مثل «مروالي» ليبيعه لهم، ويتم تبادل الرسائل بين الطرفين للاطمئنان على سوق اللؤلؤ في باريس.

إلا أنه في فترة كتابة الرسالة، كما هو واضح من معلوماتها، حتى السوق في باريس لم يكن كالعام الذي سبقه في عملية الشراء، لذا فقد عاد التجار بلا ربح وفير إلى الهند في يونيو/ حزيران 1923.

يتضح من الرسالة كذلك ومن قراءة ما بين السطور، أن بعض تجار اللؤلؤ أو (الشريطية الهنود) قد بدؤوا يلعبون بمقدرات سوق اللؤلؤ بما توافر من النوع الصناعي الياباني ويغرون تجار البحرين بألاعيب جديدة لإغراق السوق بكميات كبيرة من اللؤلؤ - ربما هو من النوع الصناعي- لا يوفي ثمن شرائه عند البيع وإذا ارتفع السعر يصعب بيعه لعدم أهليته للسعر الجديد غير الحقيقي بلغة السوق آنذاك.

* وحلت فاجعة أسواق اللؤلؤ على الرؤوس

ومع أواخر العشرينيات من القرن الماضي أخذت تجارة اللؤلؤ في التدهور، وبعد سنوات قليلة حدثت نكبة الغوص على اللؤلؤ في البحرين وفي إمارات الخليج، حتى ضاقت السبل أمام الغواصين والتجار. وتعود نكبة الغوص على اللؤلؤ وكساد تجارته إلى عدة أسباب منها:

- ظهور اللؤلؤ الصناعي الياباني، ومنافسته اللؤلؤ الطبيعي نظرا لرخص ثمنه وتناسق شكله، فبدلا من أن يشتري الرجل عقدا من اللؤلؤ الطبيعي يكلفه مبلغا طائلا من المال بإمكانه أن يشتري عقودا بمبلغ زهيد.

- ضعاف النفوس من تجار اللؤلؤ - سواء كانوا خليجيين أم هنوداً - الذين كانوا يغشون ويخلطون اللؤلؤ الصناعي باللؤلؤ الطبيعي وقد تم كشف العديد منهم.

- كثرة ما كان يستخرجه الغواصون في البحرين وإمارات الخليج من اللؤلؤ كل عام، فإذا كثر الإنتاج قل الطلب وكسدت البضاعة.

- عدم اتفاق تجار اللؤلؤ على أسعار معينة لأنواع اللؤلؤ بالإضافة إلى التلاعب في عمليات البيع والشراء.

هكذا مرت تلك الأيام على أحمد بن يوسف بن هلال بوشقر بعد أن عاد من رحلة الهند الأخيرة في حياته وكان قد وضع جُل ماله في شراء اللؤلؤ من سوق البحرين وسافر به إلى الهند بنصيحة بعض زملاء المهنة للأسف ومعه معظم اللؤلؤ الذي كان في حوزتهم ولربما كانوا يعلمون بأن السوق في الهند بدأ يصيبه الكساد والتدهور بعد ظهور اللؤلؤ الصناعي فتخلصوا مما كان بيدهم خوفاً من الخسارة وزينوا لأحمد بوشقر بأن الطلب في الهند على اللؤلؤ مرغوب وبشدة.

نعم لقد تم خداع بوشقر في صفقة اللؤلؤ الأخيرة من حياته وبعدها رجع للبحرين وهو مصاب بإحباط شديد إثر ما تعرض له من زملائه وبسبب سوء حظه في سوق الهند وخسارته الكبيرة لحر ماله. وبقي في مجلسه دون الاتصال بالناس إلى أن اختاره الله في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين.

في الحلقة المقبلة:

يوم نادت مسيرة المهزع: بن خميس... يا طلابته!!

العدد 2988 - الأربعاء 10 نوفمبر 2010م الموافق 04 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً