بعيدا عن التنميط وثنائيات جدلنا البحريني، حملت الانتخابات التشريعية والبلدية الاخيرة مؤشرات ايجابية اعتقد انها تفصح عن تطور في مسار الديموقراطية في البحرين على المدى البعيد.
فللمرة الاولى، يجترح الناخبون ما كان يعد معجزة حتى قبل سنوات عبر التصويت لسيدة بحرينية وان بقليل من الصخب السياسي.
فوصول فاطمة سلمان الى عضوية المجلس البلدي لمحافظة المحرق اختراق ايجابي بكل المعاني. يكسر تلك المقولات التي راجت حول التصويت للنساء واعتبرت اقرب للمسلمات. فالناخبون الذين اختاروا فاطمة سلمان من الرجال والنساء، يوصلون لنا رسالة بسيطة: ما من مسلمات عندما يتعلق الامر بمن يمثلنا. ولعل في الخلفية غير الصاخبة لهذه السيدة ما يغري اكثر على فهم الرسالة في سياقها دون تهويل او تهوين.
موظفة بسيطة وسيدة لا تسبقها الهالات من اي نوع. ويتعين علي ان اشير هنا الى انه ومنذ ان غدت التظاهرات والاعتصامات جزءاً من حياتنا اليومية منذ العام 2002، كنت اشاهدها في كل تظاهرة تجري في المحرق طيلة السنوات الماضية. وسواء أكانت القضية قومية (فلسطين او العراق) او مطلبية او بيئية، كنت اشاهد هذه السيدة تسير مع المحتجين بحماس لا يخفى.
عدا ان هذا لم يكن الوحيد ما في بطاقتها، وقراءة السيرة الذاتية ستزيد على هذا التفصيل، تفاصيل اخرى مثل عضوية جمعيات ودورات التأهيل وما شابه مما تشترك به مع ابناء وبنات جيلها، لكن الاكثر دلالة من كل هذا يكمن في مكان آخر.
عضوية مجلس الآباء في مدرسة طارق بن زياد، من هناك فحسب، يتعين علينا الامساك بخيط مهم، خيط العلاقة اليومية مع الناس. فالعضوية في مجلس الاباء قد تكون متاحة للكثير منا، لكن كثيرين ممن عرفوها في ذلك المجلس يشيرون الى انها تملك من الحماس وقوة الدافع الذاتي ما يجعلها موضع ثناء من يتعامل معها. تسعى لتوفير متطلبات بسيطة للمدرسة، جهاز لتبريد ماء الشرب، مساعدات من اي نوع لا تدفعها من جيبها بل تسعى بلا كلل لتوفيره من متبرع سخي. والمتبرعون يحتاجون لمن يطرق ابوابهم ومن يخاطبهم والاهم من يقنعهم. بامكاني الافاضة من تفاصيل عديدة، لكن العبرة واضحة: الالتصاق بالناس في حياتهم اليومية ايا كانت بساطة الحضور والنشاط نفسه.
يزيد في هذا، ان المرأة خاضت الانتخابات من قبل ولم تنجح، وعادت للترشح من جديد لتنجح هذه المرة. العبرة واضحة:«المثابرة». هذه وصفة لا تخيب خصوصا في مدينة اعتادت ان تكون في المقدمة عندما يتعلق الامر بالتغيير.
لكن هذا ليس الجديد الوحيد الذي اجترحته المحرق، فثمة مؤشر آخر للتغيير تقودنا اليه تلك المنافسة الشديدة التي شهدتها العديد من دوائرها. وسواء تعلق الامر بالمنافسة بين «وعد» و»المنبر» او بين الاخيرة والمستقلين وايضا سلفيي «الأصالة»، فان ناخبي المحرق يقدمون دلائل على وعي انتخابي وسياسي متنام عماده حساسية عالية تجاه ممثليهم. على المدى البعيد، سينعكس هذا لدى كل من يفكر في خوض غمار الانتخابات مستقبلا في حرص شديد على اقناع ناخبين صعبي المراس مثل ناخبي المحرق.
وفي اجماع نادر او اتفاق غير محسوب، اختفت الطروحات السياسية من الحملة الانتخابية الى ادنى الحدود بل الى حد الغياب لصالح القضايا المعيشية. وقد يكون هذا مبهجا لأولئك الذين يشكون دوما من تسييس كل القضايا، لكن هذا في معناه الاهم هو رسالة اخرى من الناخبين الذين تطحنهم الهموم المعيشية. والمعنى الكامن هنا قد لا يقتضي الحكم ما اذا كان هذا التراجع ايجابيا او سلبيا، بل ان الناخبين انما يؤكدون نفورا من القضايا السياسية لانها ارتبطت في اذهانهم طيلة السنوات الماضية بالصراع والانقسام، بل بالاستقطاب الطائفي. وهذا الاخير في اذهان الناخبين هو المسئول عن تأخر اي انجاز في الميدان الذي يمسهم بشكل مباشر: المعيشة. رغم ما في هذا الحكم من ظلم للنواب ولمجلس 2006 على الاقل، فان البرهان يأتي من هناك بالضبط، اي من مجلس النواب.
فالوحدة التي اظهرها نواب مجلس 2006، في القضايا المعيشية مؤشر بالغ الدلالة يتعين على الجميع ان يقرأه جيدا. فلقد رأينا ان النواب كانوا كتلة واحدة في القضايا المعيشية فحسب، بل ان الاصرار الذي ابدوه حيال الحكومة وهم ينتزعون موازنات دعم الاسر الفقيرة ومعونة الغلاء ورفض رفع دعم السلع، يؤكد ان قضايا المعيشة تتقدم اي قضية اخرى لدى الناخبين.
مؤشر آخر يدلل على وعي انتخابي يربط الخيار دوما بالقدرة على الانجاز. وسواء اكان صحيحا او خاطئا بهذه الدرجة او تلك، فانه يؤشر لناخب بات ارضاؤه يتطلب جهدا استثنائيا وصوته يحمل المرشح او النائب مسئولية واضحة.
يدلل على هذا الاستنتاج، مؤشر آخر في احدى دوائر العاصمة، اعتقد انه كسر اعتقاداً زائفا آخر لصالح وعي انتخابي متقدم يربط أهلية المرشح بجدارة يثبتها. فقد صوت عدد من الناخبين السنة (لا ادري متى نكف عن استخدام هذه المفردات) لصالح مرشح جمعية الوفاق عبدالمجيد السبع (على سبيل التذكير فحسب: شاب شيعي، حليق الشارب يرتدي البنطال وربطة العنق)، حيث اعتبروه جديرا باصواتهم لانه اثبت جدارة في عمله طيلة السنوات الماضية في المجلس البلدي.
لم يتوقف الناخبون هنا عند مذهب او اصل او فصل، وهذا مؤشر اكثر من جيد، لانه يؤشر على وعي انتخابي من نوع جديد يعطي لصناديق الاقتراع قيمتها الحقيقية. فهو يفصح عن ناخبين باتوا يفرضون خياراتهم بعيدا عن المقاييس التي ظن الجميع انها لا تتغير.
مؤشرات بسيطة يتعين قراءتها بعناية وترفق، وفي الاجمال فان المعنى الاكثر بلاغة هنا هو ان الديموقراطية عندما تترسخ ويمارس الناس حريتهم في اختيار ممثليهم فانها طريقهم للتطور والعقلانية وليس العكس. فالفارق جلي وواضح بين 2002 و2010... ففي ذلك الوقت وحتى سنوات قريبة، كنا غارقين في ذلك الجدل المدرسي حول الديموقراطية ومفاهيمها، ونصارع نوازع فاشية استيقظت فجأة لترى في الديموقراطية شراً مستطيراً. لكن ها هم الناخبون، اي الناس والبسطاء منهم يقدمون لنا الدليل الذي لا يدحض على ان الديموقراطية تنمو وتترسخ بالممارسة... والممارسة وحدها. وما كان عيبا بالامس، يتلاشى لتحل محله قيم جديدة تتسم اكثر ما تتسم بالعقلانية. فهل هناك معنى آخر للتطور غير هذا؟
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 2986 - الإثنين 08 نوفمبر 2010م الموافق 02 ذي الحجة 1431هـ
لازال الوقت مبكرا
في لحظة حولوك إلى شخصية طائفية رغم حسن النية
تمعن في التعليقات.
زرياب
اذا كان عضو مجلس الآباء
اذا كان عضو مجلس الآباء يسعى لتوفير براد ماء لطلبة مدرسة غهذا يثير التساؤل :-
* أين الوزارة عن هذا القصور ؟
* هل وظيفة عضو مجلس الآباء جمع التبرعات للمدرسة؟
* هل عجزت ميزانية الوزارة عن توفير براد ماء لمدرسة .
* يبدو ان هناك فهم خاطئ لوظيفة مجلس الآباء وعلى الوزارة تصحيحة .
* وحسننا فعل أحد الوزراء عندما منع مجالس الآباء لهذا التوجه وهو طلب المساعدات وتشويه دور مجالس الآباء .
بهلول
فقد صوت عدد من الناخبين السنة (لا ادري متى نكف عن استخدام هذه المفردات) لصالح مرشح جمعية الوفاق عبدالمجيد السبع (على سبيل التذكير فحسب: شاب شيعي، حليق الشارب يرتدي البنطال وربطة العنق)،
---------------------------------
كما صوت الشيعة لـ إبراهيم شريف و مريم فخرو (رغم وجود منافس شيعي لها) و غيرهم ... حيث اعتبروهم جديرين باصواتهم لانهم اثبت جدارة في عملهم ومواقفهم طيلة السنوات الماضية