العدد 1212 - الجمعة 30 ديسمبر 2005م الموافق 29 ذي القعدة 1426هـ

حذار.. أن تحترق الغابة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

لطالما تصوّرنا هروب الحمائم من قبضة الصقور، وكيف أن الصقور تتصيد الحمائم فتسقطها رهينة الحلول التي لا تعرف فن المفاوضة، الحمائم تستقوي بأناقتها السياسية أمام طيور الغابة وكواسرها، وقد تخاف الصقور أن تهاجم ثلة ضخمة من الحمائم. الكثير من المشاهد لها مساحة من التخيل، إلاّ أن كلاً من الصقور والحمائم على حد سواء، تتفق على حقيقة واحدة لا تختلف عليها البتة، إذ إن شتى أنواع الطيور لا تريد للغابة أن تحترق، أن تحترق الغابة، معناه أن تبقى شتى الطيور بلا مأوى، وهذا ما يجعل الأجواء ساحة من التصادم الفارغ بلا معنى. أن تحترق الغابة، معناه ألا يقف أي من الطيور على شجرة هادئة تسترجع عليها ترتيب فرصها في القدرة على البقاء. الفضاء في هذه الأجواء المحترقة يكون عبارة عن متخيل من الموت والضياع والإهدار للقوى والوقت. أن تحترق الغابة، معناه أن تبقى شتى الأفكار والتطلعات رهينة الريح، رهينة رأفة الطقس، أو الأمل في انتظار الأشجار الجديدة حين تنمو، وغالباً ما يكون هذا النمو البطيء كافياً ليهلك من يهلك من الصقور، وينقرض من ينقرض من الحمائم... وتلك سيرة الغابة، إن ثقافة الحرق السياسي هي أكثر السياسات رواجاً في المشهد السياسي البحريني، فشتى الأطراف على اختلاف تصنيفاتها السياسية متفائلة بلعبة الثقاب والأشجار اليابسة، فالثقة اليابسة بين الحكومة والمعارضة هي في أفضل مواسمها السياسية للاحتراق، على أن الداخل السياسي في جسم المعارضة البحرينية كان قد بدأ في الاشتعال منذ أقدمت الحكومة على توزيع أعواد الثقاب إبان إصدار قانون الجمعيات السياسية الناري. أعواد الثقاب هي كل ما تنتجه طيور الغابة بعيداً عن لغة الحوار والتفاعل السياسي، فأية فعالية سياسية، حكومية كانت أم معارضة، تتخذ أو تصنع بعيداً عن المحاورة، هي بالضرورة تقع في إطار ما يفهمه الطرف الآخر بأنه تعد وتآمر وتخريب. وقِس على هذا ذلك الخطاب السياسي النشط بين فترة وأخرى في شتى المؤسسات السياسية الحكومة والمعارضة على حد سواء. على رغم جميع مآخذنا على مؤسسات المعارضة، فإن الحكومة وحدها ­ وبحجة واهية هي اتصال الجمعيات المقاطعة بالسفارات الأجنبية ­ هي من بدأت في إضرام النار في الغابة السياسية البحرينية، وليست مجمل المبررات التي ساقتها الحكومة آنذاك سوى «كلام فضفاض»، لا يصلح لتبرير تعليق الحوار الوطني، فضلاً عن إحراقه، الحكومة تتصف على المجمل بأنها غير فاعلة في الحوارات الوطنية، فالقطيعة الحوارية مع المعارضة، بالإضافة إلى مجمل الردود السلبية حيال الكثير من القضايا التي تثيرها صحافتنا المحلية، هي دلالات خطيرة على أن الحكومة في مجمل حراكنا الوطني لا تتصف بالمرونة السياسية، أو هي تحديداً ليست جسماً سياسياً. الاحتراق السياسي هو في حقيقته ليس احتراقاً للحمائم أو الصقور، بقدر ما هو احتراق للناس، وبما أن الناس ­ كل الناس ­ هم حجة ومبرر وجودنا جميعاً كسلطات سياسية تشريعية وتنفيذية قضائية وصحافة، فإننا في الغالب نتصادم ونتخالف ونحرق بعضنا بعضاً على حساب مصالح الناس، وقضاياهم اليومية. وهذا تحديداً، ما نجيده جميعاً، دون استثناء،

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1212 - الجمعة 30 ديسمبر 2005م الموافق 29 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً