العدد 1211 - الخميس 29 ديسمبر 2005م الموافق 28 ذي القعدة 1426هـ

ما هو موقف الباحثين التجديديين من طروحات نجاد بشأن المحرقة؟

آراء متقابلة يجمعها الانتماء إلى الطبقة الوسطى في الغرب

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الوقت الذي أثارت فيه تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بشأن «إسرائيل» زوبعة إعلامية كبيرة خلال احتفال «العالم من دون صهيونية»، في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، ظهرت آراء لغربيين تلتقي مع هذه الطروحات، على خلاف ما كان يتوقع المراقبون. الغريب أنه لم يعد يُنظر إلى هذه التصريحات على أنها لغة عسيرة أربكت معادلة الصراع القائمة في منطقة الشرق الأوسط، بل إنها ولّدت حراكاً مُزدوجاً في واحدة من أهم القضايا الشائكة في علاقات العرب والمسلمين بدول العالم الأنغلوساكسوني. وفي مؤشر مُلفت صَدَرَت ردود فعل مختلفة من شخصيات غربية بارزة محسوبة على الطبقة الوسطى، أبدت تأييدها لما قاله أحمدي نجاد، بشأن الهولوكوست وموضوع الصراع العربي الصهيوني، بل إن ذلك التأييد بدأ في التبلور على هيئة اصطفاف فكري متصاعد يسعى مُشَكِّلُوه إلى المساهمة بحبة رمل في الفوضى المُشَنَّة على الكيان الصهيوني في المنطقة. توريطات أحمدي نجاد الذي كان يعض على دفوعها بالنواجذ وسط تهكّم الداخل والخارج مازجت في كُنهها بين استقطاب القواعد الدينية في المنطقة وبالذات في الأمكنة الملتهبة والتي تطرب أذنها للغة الدوغمائية وبين استمالة بعض التيارات الفكرية في الغرب كحركة الباحثين التجديديين التي بدأت تُعاني من قوانين معاداة السامية المُجرّمة لكل من يُشكّك في المحرقة اليهودية. لذلك فإنني سأسرد بعض ردود الفعل تعضيداً للحديث. رئيس مؤسسة حرية التعبير بول فرام قال تعليقاً على ما قاله أحمدي نجاد إن «الهولوكوست تحوّلت حالياً إلى دين، وكل من يشكك فيه يتعامل معه بمثابة مرتد، وهذا من الناحية العقلانية والمنطقية خطأ وخداع. فجميع الأسئلة المطروحة بشأن التاريخ يجب أن تكون موضع بحث ونقاش حر». أما الصحافي وكاتب القصص الشعبية إسرائيل شامير فقد أعلن احترامه لأحمدي نجاد، واصفاً زعماء الكيان الصهيوني بأنهم قتلة وسفاكو دماء، وقد حوّلوا الهولوكست إلى أسطورة. هل هي أكذوبة كبرى؟ تعليق آخر صدر عن الأستاذ السابق بجامعة ليون الفرنسية وأحد أشد منتقدي الهولوكوست روبر فوريسون، أعرب فيه عن تأييده لتصريحات الرئيس الإيراني بهذا الشأن، طالباً من زملائه في أنحاء العالم دعم موقف احمدي نجاد. كما أعلن أستاذ الهندسة الكهربائية والكمبيوتر في جامعة نورتوسترن في اونستون ايلينويز بولاية شيكاغو الأميركية آرتور باتز أنه يدعم ويساند تصريحات أحمدي نجاد ويقدم له تبريكاته، باعتباره أول رئيس دولة يبدي وجهة نظره في هذا المجال بشكل شفاف، مُعرباً عن أسفه لأنه (أي نجاد) ليس رئيس دولة غربية. مدير مؤسسة آديلايد في استراليا والباحث المحقق فردريك توبن أعلن مُعَقّباً أن «الهولوكوست ليست إلاّ أكذوبة سعى المبلغون لها إلى إخضاع الآخرين لسلطتهم». أما المحامي الألماني هورست ماهلر الذي اعتبر الهولوكست خدعة تستهدف الشعب الألماني، فقال «إن المحرقة المزعومة لم تقع مطلقاً وإنها أكبر كذبة في التاريخ، وإن الكثير من المؤرخين أُجبروا على السكوت وبعضهم يقبع الآن في السجن بسبب قوله الحقيقة». في حين أعلن الباحث الاجتماعي الفرنسي سرج تيون الذي أقيل من عمله بسبب عقيدته المعادية للصهيونية دعمه لتصريحات الرئيس احمدي نجاد، ووصفها بأنها صحيحة تماما ومنطقية وعادلة وجريئة. كما بعثت مجموعة من الباحثين رسالة جماعية وصفوا فيها التصريحات الأخيرة للرئيس أحمدي نجاد بأنها رسالة «عيد الميلاد من مسلم شجاع» لا يخشى من الصهيونية، وقّعها كل من: ­ الألماني فردريك توبن، حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر لتشكيكه بالهولوكوست. ­ ارنست زاندل ناشر كندي من أصل ألماني، أخرج من كندا بعد إقامته فيها لمدة أربعين عاماً وهو معتقل حالياً في ألمانيا ينتظر المحاكمة بسبب تشكيكه في مقتل ستة ملايين يهودي في محرقة الهولوكوست بألمانيا. ­ الكيميائي غرمار رودولف، ألّف كتاباً عن الهولوكوست في العام 5991 فرّ على إثره من ألمانيا، وأقام لفترة في بريطانيا ثم انتقل إلى الولايات المتحدة، إلى أن تمت إعادته إلى ألمانيا بعد محاولات بذلتها مجموعة «آي. سي. ايه» الصهيونية وهو الآن قيد الاعتقال. ­ زيفريد وربك، باحث بلجيكي استدعي إلى المحكمة مراراً بسبب تحقيقاته في الهولوكوست. ­ غونتر كاغل، أحد الباحثين التجديديين الألمان بشأن الهولوكست وصف جوانبها بأنها مزيفة. ­ ولفغانغ فروليتش، طلب منه سابقاً الإدلاء بشهادته ضد الباحثين التجديديين، وقد لجأ إلى السفارة الإيرانية في فيينا. ­ مانفرد رودر، محامي الدفاع عن الباحثين التجديديين، حكم عليه بالسجن عشرة أشهـر في ألمانيا. ­ المؤرخ البريطاني ديفيد ايرفينغ معتقل حالياً في النمسا بانتظار المحاكمة بسبب تشكيكه بالهولوكوست، كما مُنع من دخول دول الكومنولث. بالإضافة إلى رسالة مماثلة أخرى ضمّت كلاً من فرد لوتشر، تيودور اوكيف، مايكل هوفمن جون بال، اينغريد ريملند (الولايات المتحدة الأميركية)، غيرد هونسيك، جول هيوارد (نيوزيلندا)، ارنست ريمر، ارنست نولت، كيرك ريون (سويسرا)، كارلو ماتوغنو (إيطاليا)، والتر لافتل، ليون بولياكف (روسيا)، ويلهلم اشتاغليتش، جوزيف بيرغ، برادلي سميث (المكسيك)، فينسنت رينوا (فرنسا)، كاستاس زاوردينوس، كلاوس نوردبوخ (جنوب إفريقيا)، جون بنت جون (استراليا). الغبار الاستعماري طبعاً ما قاله أحمدي نجاد هو نفضٌ للغبار عن ملف سياسي مهم يُمثل صدى للقيم الاستعمارية السحيقة، فالحركة الصهيونية في أوروبا ولدت نتيجة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عصفت بالقارة الأوروبية مع بداية منتصف القرن التاسع عشر، وهي بالمناسبة حركة علمانية لا دينية، تأثرت إلى حد بعيد بالنزعات القومية والاستعمارية الأوروبية وتزاوجت مصالحها معها ثم مع المصالح الأميركية مع بداية الحرب العالمية الأولى، لكن الترابط الاستراتيجي بين تلك الحركة والولايات المتحدة بدأ في مؤتمر بلتيمور العام 2491، ومما ساعد إلى حد بعيد على المساندة الأوروبية في البداية والأميركية تالياً، ولادة حركة الإصلاح الديني البروتستانتية في أوروبا التي أُغرِقَت تأويلات خيالية للتنبؤات التوراتية وبشطحات لاهوتية تعسفية بشأن أساطير الوعد والشعب المختار مُشَكِّلة بتلك التأويلات والشطحات ولادة الصهيونية المسيحية قبل ثلاثة قرون ونيف من ولادة الحركة الصهيونية اليهودية، في وقت كان فيه اليهود يُصرون خلال تلك القرون على رفض بدعة الصهيونية المسيحية، ويُصرون على الاستقرار في أماكن بفلسطين. واقتصر تعلق المتدينين منهم على الجانب الروحي فقط وقد اعتبر هؤلاء الحركة الصهيونية اليهودية عند نشأتها، حركة متعارضة مع جوهر اليهودية لأن العودة إلى أرض الميعاد تتحقق عند مجيء المُسَيَّا (أي المسيح، المُخلّص)، وهذا يعني أن قيام دولة «إسرائيل» الحالية خروج عن اليهودية نفسها التي يُؤمن أتباعها بمسيح المسيحيين، ولم يعتبروه المسيح، وقاوموا رسالته وتنكروا لها ولايزالون. لقد انتقل التصهين المسيحي البروتستانتي إلى شمالي القارة الأميركية وعلى الأخص إلى الولايات المتحدة، مع هجرة واسعة من الطائفة البيوريتانية البروتستانتية من أوروبا إلى هذه الديار، وتفرعت من هذه الطائفة عدة فرق تَبَارَت فيما بينها لصهينة المسيحية في أخذها بالتأويلات التوراتية للنبوءات ومن هذه الفرق تشكّلت الطبقات التي حَكَمَت الولايات المتحدة الأميركية منذ استقلالها وإلى اليوم. لذلك فإن غالبية الطوائف المسيحية البروتستانتية الأميركية ترى في ولادة دويلة «إسرائيل» المعاصرة تحقيقاً لتنبؤات توارتية على رغم علمانيتها. وإن بعض التيارات الدينية المسيحية تسيّست، وحاول بعض الحاخامات من أمثال إبراهم كوك إقامة توافق بين التيارات العلمانية والدينية، على اعتبار أن قيام دويلة «إسرائيل» المعاصرة من دون مجيء المسيح لا يتعارض مع المفهوم الديني التوراتي، في حين أصرت تيارات أخرى من أمثال حركة «ناتوري كارتا» على أن قيام الدولة مناقض لصلب اليهودية، وخصوصاً أن الصهيونية المسيحية والعلمانية الصهيونية التقتا على هدف مشترك هو قيام دويلة «إسرائيل». باختصار، الصهيونية المسيحية انطلقت من تأويل لاهوتي تعسفي، والعلمانية الصهيونية سخّرت الدين من أجل السياسة، ويمكن لمن أراد الاستزادة مراجعة كتاب يوسف أيوب حداد: «هل لليهود حق ديني أو تاريخي في فلسطين؟».

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1211 - الخميس 29 ديسمبر 2005م الموافق 28 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً