«يعود الإيمان بقرار جمهوري» على حد تعبير الشاعر محمود درويش، وأحيانا يعود «لزوم العيش»، والانسجام مع مشروعات تفرض سطوة المال والنفوذ، قبل أن تفرض سطوة ونفوذ الدولة، أو سطوة ونفوذ الدين. ذلك أمر يعبّر عن حال انفصام في الشخصية مكشوف للعامة والخاصة، ومن فرط فقاعته، ليس من الصعب أن يكون مكشوفا لصاحبه الذي يستمرئ الذهاب فيما يشبه المغامرة، مغامرة الإقامة في حال غير متجانسة، ومترصدة للدين، فيما الظاهر من تلك الإقامة يشي بخلاف ذلك. يشي باستشهادات من «الأثر»، وإن اعتورها الخلل والإرباك والتحريف وعدم تحري الدقة. لننظر الى المسألة من زاوية أخرى. لدينا سلطة الدولة بأجهزتها الأمنية، وتبريراتها القانونية، ولدينا بعض السلطات الدينية، بموهبة توظيف النصوص أحيانا في وجهة لا علاقة لها بموضوعات الإدانة، وأخذ الناس بشبهة التلبّس بالخطيئة. الأولى تُغيّب النصوص التي سهرت عليها، وتعطي لنفسها حق إدانة المواطن قبل أن يرتكب جرمه، من باب الحرص على الأمن العام للمواطنين، والثانية تستعرض وتستدعي النصوص التي تخلق وتوفر جوّا من الإدانة، وأمام سلطتين بهذه المواصفات، كيف يتسنى لنا أن نتعامى عن واقع الانفصام الذي يكاد تتعدد صوره وشواهده وشخوصه في أكثر من موقع؟ لهذا فقط، كثير من المأخوذين «قسرا» الى الإيمان، لا يعبّرون التعبير الحقيقي عن ذلك الإيمان، بقدر ما يعبّرون عن حقيقة ما اختطفوا اليه، عن طريق المواربة، والجلافة. وبقدر ما يعبّرون عن نتائج لمقدمات شابها تراكم الأخطاء، والأدهى من كل ذلك، الإصرار والإمعان في تلك الأخطاء، من دون أن ننسى، أن المواطن في ظل سلطة دولة بالمواصفات التي أشرنا اليها آنفا، لا يعبّر عن حقيقته بقدر ما يعبّر عن مدى الأثر الذي تركته أجهزتها على سلوكه وذهنيته ونفسيته.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1211 - الخميس 29 ديسمبر 2005م الموافق 28 ذي القعدة 1426هـ