هل تخطط الولايات المتحدة و«إسرائيل» لهجوم بالصواريخ على أهداف حيوية في إيران؟ في الوقت الذي هبطت فيه شعبية الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إلى أسوأ معدل، ويستعد ارييل شارون لخوض انتخابات حاسمة، كل منهما بحاجة ماسة إلى حركة تعيدهما إلى المسرح السياسي العالمي. خلال إجازة عيد الميلاد، سرت شائعات في برلين عكرت مزاج كبار المسئولين الألمان. مثل هذا الهجوم سيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها. هل نفذ صبر بوش على إيران بعد أن استجاب لنداءات الحلفاء الأوروبيين أن يعطي المفاوضات الجارية بين الاتحاد الأوروبي وإيران فرصة؟ أم أنه بدأ يميل لموقف شارون الذي صرح قبل وقت قصير أن «إسرائيل» لن تسمح لإيران أن تمتلك أسلحة نووية. ثم صعد منافسه السياسي والزعيم الجديد لكتلة الليكود بنجامين نتنياهو الموقف حين دعا علنا إلى ضرب منشآت البرنامج النووي الإيراني بحيث باتت النوايا واضحة للجميع. قبل كل شيء فإن الشائعات انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية في دول منضمة لحلف شمال الأطلسي وخصوصاً في تركيا وألمانيا. فور أن أوردت وكالات الأنباء مساء الخميس الماضي معلومات منسوبة إلى الصحافي أودو أولفكوته المثير للجدل والمتخصص في نشر ما يحصل عليه من معلومات تزوده بها مختلف أجهزة المخابرات وخصوصاً الموساد، بدأ الحديث عمّا إذا الولايات المتحدة تستعد فعلا لشن هجوم مباغت على إيران. ويأتي نشر هذه المعلومات التي يشك بعض المراقبين بها، بعد وقت قصير على نكران الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الهولوكوست ووصفه بالأسطورة، كما عرض على الأوروبيين أن يجري نقل «إسرائيل» إلى النمسا وألمانيا. فجأة أصبحت إيران على القائمة السوداء من جديد لكن الكثير من المراقبين يرون أن شن هجوم على إيران سيسهم في وقوف الإيرانيين حتى معارضي النظام لجانب القيادة الإيرانية الحالية. علاوة على ذلك فإن إيران التي أصبح لها بعد الإطاحة بصدام حسين نفوذاً واسعاً على الشيعة في العراق، ستستغل هذا النفوذ لتشعل انتفاضة ضد القوات الأميركية المتمركزة في العراق. وستنتقم إيران من «إسرائيل» بضربها بصواريخ شهاب 3 التي طورتها بمساعدة من كوريا الشمالية وروسيا. أشار الصحافي أودو أولفكوته إلى مصادر أمنية غربية كمصدر للمعلومات التي حصل عليها. وفقا لأقواله قام مدير وكالة الاستخبارات الأميركية السي آي إيه، بورتر غوس بزيارة إلى أنقرة يوم الاثنين الماضي سبقت زيارة قام بها مسئول عسكري إسرائيلي كبير للعاصمة التركية، وطلب غوس من رئيس الوزراء التركي رجب أردرغان دعم خطة هجوم جوي على منشآت نووية وعسكرية إيرانية وخصوصاً تزويد الولايات المتحدة بما تملكه المخابرات التركية من معلومات عن هذه الأهداف. وذكر الصحافي أودو أولفكوته أن الولايات المتحدة تدبر لتنفيذ الهجوم قبل حلول العام .2006 وجاء في المعلومات التي وردت إلى برلين أن حكومات السعودية والأردن وسلطنة عمان وباكستان اطلعت على سير الخطة العسكرية الموضوعة للهجوم على إيران وتم تجاهل الحكومة العراقية خشية أن يبوح أحد أعضائها بسر الخطة للإيرانيين. وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية ذ أن الحكومات المذكورة تبلغت بأن خطة الهجوم واردة باعتباره خياراً محتملاً لكنها لم تتبلغ بموعد للبدء بها. وجاء أيضا أن مدير السي آي إيه سلم سلطات الأمن التركية ثلاثة ملفات تتضمن معلومات تشير إلى وجود تعاون مزعوم بين إيران وتنظيم «القاعدة». إضافة إلى ملف رابع عن نشاطات التسلح النووي التي تعمل بها إيران منذ وقت. وفقاً لبيانات مصادر أمنية ألمانية أكد غوس للحكومة التركية أن الإدارة الأميركية ستطلعها قبل ساعات قليلة على شن الهجوم المحتمل وأن تركيا منحت الأميركيين الضوء الأخضر منذ الآن لهذا الهجوم وحصلت بدورها على موافقة واشنطن كي تقوم في اليوم نفسه بالانقضاض على مواقع مقاتلي حزب العمال الكردي داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما يصفه المحللون الألمان بالاتفاق الغريب لعدم وجود قواعد عسكرية للحزب الكردي المذكور في إيران وإنما في شمال العراق حيث تنطلق هجماته على أهداف عسكرية داخل الأراضي التركية. وربطت المعلومات التي انتشرت في برلين التصعيد المحتمل قبل كل شيء مع تصريحات الرئيس الإيراني الأخيرة المعادية لـ «إسرائيل» ونقل عن مسئول عسكري ألماني عالي المستوى قوله إن التصريحات الشديدة اللهجة ضد «إسرائيل» عززت الاعتقاد عند الإدارة الأميركية بأن إيران ليست مستعدة للتراجع عن طموحها في الحصول على أسلحة نووية وأنها قبل كل شيء تستفيد من عامل الزمن. وأضاف المسئول العسكري الألماني قوله: ستكون مفاجأة كبيرة إذا لم يستغل الأميركيون الفرصة التي وفرها الرئيس الإيراني لهم لشن هجوم على منشآت البرنامج النووي. ويعتقد المحللون في برلين أن الولايات المتحدة و«إسرائيل» ستقومان على الأرجح بشن هجوم على أهداف في إيران قبل تمكنها من إكمال برنامجها النووي، بعد ذلك سيصبح الوقت متأخراً. ليست هناك معلومات محددة عن هجوم أميركي/إسرائيلي محتمل على إيران، ولا سيناريو للهجوم. في يناير/ كانون الثاني الماضي قام الصحافي الأميركي المشهور بنشر الفضائح، سيمور هيرش، بنشر مقال في مجلة(نيويوركر) ذكر فيه أن فرق كوماندو عسكرية أميركية تنشط داخل الأراضي الإيرانية لهدف رصد أهداف عسكرية. كما تعاونت السي آي إيه مع جماعات كردية عراقية للحصول على معلومات عن هذه الأهداف. غير أن إدارة الرئيس بوش نفت جملة وتفصيلا ما ورد في مقال هيرش صاحب فضيحة(ووترغيت) وأول من نشر أسرار التعذيب في سجن أبوغريب وقللت من قيمتها وقالت إنها قامت على أسس غير واقعية. لكن هيرش نبه هنا لأول مرة بوجود خطة لضرب إيران. هل تقع حرب جديدة في منطقة الخليج؟ إنه السؤال الذي لا أحد في برلين يستطيع الإجابة عليه. وقد نفى متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية أن يكون هذا الموضوع أثير في اللقاء الذي تم في واشنطن حديثاً بين وزير الخارجية الألماني الجديد فرانز جوزف يونغ ونظيره الأميركي دونالد رامسفيلد. غير أن التكهنات بشأن الهجوم المحتمل حصلت خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية على دعائم قوية. فقد توالى على زيارة أنقرة لفيف من كبار المسئولين الأمنيين والعسكريين من الولايات المتحدة و«إسرائيل» وحلف شمال الأطلسي. خلال فترة زمنية قصيرة وصل إلى أنقرة رئيس الشرطة الفيدرالية الأميركي أف بي آي تبعه مدير السي آي إيه ثم أمين عام حلف(الناتو) وكانت قد سبقتهم وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس التي زارت تركيا مباشرة بعد زيارة قامت بها إلى برلين. هذا العدد البارز للزائرين الأمنيين والعسكريين من الخارج دفع الصحف التركية إلى السؤال فيما إذا كان لذلك علاقة بالهجوم المحتمل. إلا أن الأسئلة الإعلامية التركية لا تستند على أساس متين لكن ذلك لم يمنع صحيفة «جمهوريات» أن تعلن في صدر صفحتها الأولى بعد اجتماع أردوغان مع غوس وكتبت تقول: الآن جاء دور إيران. غير أن الصحيفة تنبهت إلى أن اللقاء بين رئيس الوزراء التركي ومدير السي آي إيه لم يكن لقاء عاديا فقد زاد عن ساعة كاملة على رغم أن غوس اجتمع قبل ذلك مع رئيس المخابرات التركية. واتفق المعلقون الأتراك على أن أردوغان وغوس تباحثا مبادرة مشتركة ضد حزب العمال الكردي في شمال العراق. وذكر أن غوس طلب كمقابل الحصول على معلومات حول أهداف في إيران. على رغم أنه من المستبعد بدء الهجوم من قاعدة أنجرليك الجوية القريبة من الحدود مع إيران فإن غوس قد يكون جس نبض المسئولين الأتراك. توصف العلاقات التركية الإيرانية بأنها باردة منذ وقت بعيد. وتنتقد طهران العلاقات المتينة بين تركيا و«إسرائيل». كما اتصل اردوغان حديثاً بشارون متمنيا له المعافاة بعد انتشار أنباء عن إصابته بوعكة صحية. ويقول المحللون إن تركيا ستكون العامل المهم في هجوم عسكري مباغت على إيران. غير أن أردوغان ملزم بتدارس نتائج مثل هذا الهجوم وأبعاده على كامل منطقة الشرق الأوسط. كما يرى خبراء غربيون عدم ضمان نجاح الهجوم ولا يخفون خشيتهم من ردود الفعل الخطيرة ويقول هؤلاء: إذا فشل الهجوم ستواصل إيران العمل في بناء برنامجها النووي ويفشل بذلك هدف الولايات المتحدة و«إسرائيل» بتعطيله، وسيكون الرابح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي سيحصل على تأييد واسع وسيدعو إلى محاربة الولايات المتحدة على أرض العراق كما سيطالب بمحو «إسرائيل» من خريطة العالم
العدد 1210 - الأربعاء 28 ديسمبر 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1426هـ