البر بهضباته وقفاره سور وحددت مساحاته الشاسعة وأصبح «ملكا خاصا» وضاقت الأرض بما رحبت، والبحر الذي لا ينفد ماؤه نفد واستملكت أمواجه ومراعي أسماكه ودفن حتى انقطعت أنفاسه و أصبح هو الآخر «ملكا خاصا»، والآن جاء الدور على المقابر التي يأوي إليها الإنسان ليستريح عن ضوضاء هذه الدنيا التي ينتظر فيها بيته الإسكاني خمسة عشر عاما. البلدوزرات التي جرفت البساتين الخضراء واستأصلت نخيلها الباسقات من الجذور واستبدلتها بيافطات مكتوب عليها أرض للبيع، والبلدوزرات التي طمرت البحر وحولته برا تحت تصرف المتنفذين هي نفسها البلدوزرات التي سوت جزءا من مقبرة كرانة بالأرض وحولته إلى قسائم سكنية للبيع. الأموات الذين سكنوا تلك القبور بعد أن يئسوا من وحدة سكنية في دار الدنيا اعتقدوا أنهم سيظفرون بمنزل عرضه متر وطوله متر ينزلونه لينتظرون فيه دار الآخرة بعيدا عن سطوة القوم الذين يأكلون ولا يشبعون وكلما أكلوا جاعوا، كالظمآن الذي يشرب من ماء البحر فيزداد عطشا، إلا أن أولئك الأموات لم يظفروا حتى بحفرة الموت تلك، فهل سنحتاج بعد ذلك إلى وزارة إسكان للموتى؟ ولكن من يضمن أن الطلب في الوزارة الجديدة سيكون سريعا لا يستحق سنوات الانتظار المعمول بها في وزارة إسكان الأحياء، ومن يضمن عدم الفساد في بنك الإسكان الذي سيخصص لخدمة طلبات وزارة إسكان الأموات؟ لا أعرف أي مستقبل ينتظر الوضع الإسكاني في بلد لم تنعم حتى أمواته بمضجعهم الأخير، ولا أعرف أي نوع من النفوذ الذي يتمتع به متنفذونا الراسخون في الظلم حتى يبيعون ويشترون في المقابر وماذا بعد ؟ فهل سيأتي يوم يعمدون إلى القبور ويستخرجون منها العظام النخرة ويطحنونها ويستخدمونها بدلا من الرمال التي نافست في أسعارها الذهب
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1210 - الأربعاء 28 ديسمبر 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1426هـ