العدد 1210 - الأربعاء 28 ديسمبر 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1426هـ

بلادنا بحاجة إلى ثقافة «التفاوض»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

لا يوجد بلد من دون مشكلات، لم يحدث هذا في التاريخ، ولن يحدث مستقبلاً. .. ولكن الفرق بين هذا البلد أو ذاك هو في طريقة التعامل مع المشكلات الطارئة أو المزمنة. فالتعامل مع المشكلات يحتاج إلى ثقافة وبحسب نوعية الثقافة التي تنتشر في أوساط المجتمع والدولة يتم اعتماد وسائل وآليات لحلحلة المشكلات. وهناك عدة ثقافات (أو توجهات) للتعامل مع المشكلات. فأحد التوجهات يطرح مفهوم «القوة»، إذ يتم استخدام وسائل السلطة المختلفة لفرض واقع محدد تنتج عنه خسارة أحد الاطراف بصورة واضحة. وفي هذه الحال فإن كثيراً من الدول الشمولية تفضل أسلوب القوة، وربما يصل إلى البطش، لحل الخلافات بصورة قطعية ونهائية من دون لف أو دوران. توجه آخر يفضل «الانسحاب» من الوضع بصورة كاملة، وفي هذه الحال تتفكك العلاقات لأن هناك من يشعر بأن البيئة غير ملائمة للتفاعل، وأن الأفضل ترك الأمور حتى لو كان ذلك يعني أن البلد سيخسر بسبب انسحاب هذا الطرف أو ذاك. وهناك توجه يفضل «التنازل» من أجل المحافظة على العلاقات وعدم المساس بالوضع القائم، حتى لو كان ذلك التنازل يعني خسارات على المستوى البعيد. وهناك من يتوجه إلى حل المشكلات من خلال «المصارحة والمشاركة»، بحيث تشترك الأطراف المعنية بشكل مرض للجميع في تدارس الأمور ومن ثم التوصل إلى نتيجة إيجابية ينتصر فيها الجميع. وهذا التوجه ربما يكون أنموذجياً، وفي حياتنا المعقدة والمملوءة بما يحير العقول أحياناً، فإن مثل هذا التوجه يصبح مستحيل التحقيق. على أن هناك توجه «المفاوضات»، وهو الذي يحاول أن يتوسط المسافة بين استخدام «القوة» من جانب، والنزوع نحو «المصارحة والمشاركة» الايجابية من جانب آخر. ففي هذه الحال تتجه الأطراف نحو تثبيت قوتها، ولكنها في الوقت ذاته تنزع نحو التوصل إلى حل توافقي ايجابي يرضي الجميع، أو يرضي الاكثرية. وفعلاً، فإن مختلف البلدان الناجحة سياسياً تتجه نحو المفاوضات، ولا عيب في أن تتفاوض النقابات مع الحكومة، أو تتفاوض قوات الأمن مع متظاهرين، أو تتفاوض السلطة الرسمية مع إحدى القوى الشعبية... لا عيب في أن تطرح الامور على أساس أنها «تفاوض» بهدف الوصول إلى انتصار للبلد، انتصار للدولة وللمجتمع، انتصار لأصحاب الأعمال وقادة النقابات... إلخ. وفي حال توجهت ثقافة هذا البلد أو ذاك نحو التفاوض فإن المفترض أن توجد فعاليات وقيادات تمتلك صدقية واستقلالية واخلاصاً للمبادئ السامية التي يتم الإعلان عنها. وفي هذه الحال، فإن البلد بحاجة إلى تنمية مهارات قيادية تمتلك القدرة على التعبير عن مصالح من تمثلها باستخدام الأساليب الحضارية. وهذا يتطلب أن تبتعد الدولة عن أساليب «شراء الذمم» لهذه الفئة أو تلك، وتصعيد هذه الشخصية على تلك عبر الوسائل التي تتوافر لأية سلطة... لأنه وفي هذه الحال فإن الدولة ستجد أن من يتحدث اليها ليس طرفاً مستقلاً، وإنما هو تابع ينتظر المزيد من العطايا. الخيار الآخر هو أن الدولة ستجد أطرافاً عنيدة لم تتمكن من تطويعها، وهذه قد تكون أكثر ايذاء. إننا في البحرين نحتاج إلى ثقافة «التفاوض»، تماماً كما هو الحال في كل بلد متطور، وبحاجة إلى قيادات نوعية ومستقلة، وبحاجة إلى أن تتجه الدولة إلى فتح القنوات مع من لهم نفوذ وهم في الوقت ذاته يمتلكون صدقية واستقلالية واخلاصاً لوطنهم ومبادئهم... نحتاج إلى هذه الثقافة التي ستنقلنا من أساليب استخدام القوة، أو التهديد بها، إلى أساليب تبني الوطن المتحضر اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. إننا بحاجة إلى أن ننشر ثقافة اخرى تؤمن بحق الاختلاف، ولكن بوجوب التوحد أيضاً نحو مستقبل يأمن فيه المواطن على نفسه ويضمن كرامته، وتأمن الدولة، وينمو فيه الاقتصاد... وهذا ليس خيالاً، وإنما هو واقع يتحقق أمام أعيننا في بقاع كثيرة في عالم اليوم.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1210 - الأربعاء 28 ديسمبر 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً