العدد 1210 - الأربعاء 28 ديسمبر 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1426هـ

الهاشمي: التفكير الحضاري في البحرين يتأرجح بين ثنائية الواقع والمثال

خلال محاضرة له بالملتقى الثقافي الأهلي

أكد نائب رئيس التخطيط وخدمة المجتمع في جامعة البحرين الناقد البحريني علوي الهاشمي أن صور التفكير الحضاري قاطبة في البحرين تتأرجح بين طرفي ثنائية الواقع والمثال. اذ يغذيها كل طرف منها بخصائصه وخلاصاته التي لا تخلو من انعكاس خصائص وخلاصات الطرف الآخر عليه. وأضاف: «أن هذين القطبين يتشكلان في أشكال كثيرة. ولو أجريناهما وطبقناهما على مختلف أنواع الابداع والسلوك بالنسبة إلى الإنسان في البحرين لوجد ناهم ينطبقان في كل شيء». جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها الهاشمي مساء الثلثاء الماضي في الملتقى الثقافي الأهلي احتفاء بصدور كتابه «التفكير الحضاري في البحرين في ضوء اشكال العلاقة بين الواقع والمثال». ومهد الهاشمي لمحاضرته بقوله «ان المنهج الذي شغلت به في هذا الكتاب. كنت مشغولا به منذ أكثر من ثلاثين عاماً. ومنذ أن فكرت في مطلع السبعينات في دراسة تجربة الشعر المعاصر في البحرين. وعندما فكرت في هذا الموضوع سألت نفسي ما المحركات التي تحرك الشاعر لكي يطلق رموزه في شعره فيأتي برموز ويقوم بربط علاقات بينها على نحو فيه كثير من الخصوصية تميز هذه التجربة وتدفع الى دراستها ومن ثم تأملها. وكان الأساس الذي توصلت أو وضعت يدي عليه في هذا البعد المنهجي مما علمتني اياه تجربة الشعر المعاصر في البحرين. هو أن الشاعر كان دائما يتحرك بين قطبين. ويقيم بين القطبين هذين علاقة متطورة في كل مرة يقيم علاقة من نوع آخر. لكن يظل القطبان ثابتين في التجربة الشعرية عند كل الشعراء. وحين نظرت أو تفكرت في هذين القطبين وجدت أن الأول يتميز بالثبات الظاهر والثاني يتميز بالحركة الظاهرة أيضا».

النخلة والبحر

وأضاف: «ان الرمز الأساسي لهذين القطبين اللذين استخدمهما الشعراء في البحرين هما النخلة للثابت والبحر للمتحول أو المتغير. وحين ازددت تأملا في القطبين وجدت من خلال تطور التجربة الشعرية نفسها قدرة كل قطب على أن يتحرر من شكله الخارجي، ليظهر ما في داخله حتى ولو على مستوى رمزي في التجربة الشعرية لكي يظهر ما في داخله من نقيضه الذي يستره فوجدت أن النخلة دائما كقطب ثبات ظاهر دائما تتوق أو تختزن حركة دؤوب لا تتوقف. وتستشرف القطب الآخر بشغف شديد وكأنما القطب الآخر المتمثل في البحر يشكل هاجسها الذي لا تكتمل حقيقتها أي صورتها وكينونتها الا بالتواصل بالبحر. وقد أثبت ذلك في كتابي «ما قالته النخلة للبحر» اذ تواصل معي هذا الهاجس المنهجي الى أن حققته أو تحققت منه أكثر فيما يتصل بالشكل الفني نفسه على جميع المستويات المتصلة بعناصر الشكل. فوجدت بشكل متصل أنه السكون المتحرك على مستوى الايقاع واللغة والمضامين الفكرية والنفسية وسواها».

طاقة الحلم

ثم انتقل للحديث عن كتابه الجديد حين أوضح: «لقد كان تاريخ البحرين منذ فجر الخليقة مشبعاً بطاقة الحلم والرغبة بالسلام والتسامح وحب الآخرين وافساح المجال طواعية لهم في العيش والتفكير وممارسة الطقوس والمعتقدات ما جعل البحرين بلد الثقافات واللغات والعقائد والديانات. فكما يقول «ريتشرد سون» أن التحدي الرئيسي الذي يواجه تأسيس أي مجتمع هو الاعتراف بالاختلاف داخله والسماح لعناصره المختلفة بالتفاعل. والاتصال بطريقة تحفظ التلاحم الداخلي وتسمح الاحترام والاعتراف. وهذا ما هيأ تربة صالحة لاستزراع أو تخلّق بذرة الحرية في البحرين. كما جعل الانسان في البحرين ديمقراطياً بطبعه. لا يحب القمع أو الاستبداد بل نراه على طول خط التاريخ وخصوصاً الحديث منه والمعاصر. فنراه مهيأ لاستقبال رياح التغيير والمطالبة عبر مختلف الحركات الوطنية بالحرية والديمقراطية منذ فجر القرن الماضي بل قبل ذلك بزمن طويل. اذ يشير (روبرت لاندن) في مقاله عن البحرين إلى ذلك النظام السياسي المعقد والدقيق الذي كان سكّان القرى يديرون به أوضاعهم قبل العام 1780».

حكم ذاتي

وأضاف: «ويفهم من ذلك أن سكان القرى في البحرين كانوا يتمتعون بقسط وافر من الحكم الذاتي والديمقراطية المباشرة حين ينتخبون شيوخ قراهم البالغ عددها 330 ليدير كل شيخ قريته أو مدينته. وكانوا يدفعون الضرائب الى الحاكم آل مذكور. طالما أن هؤلاء الحكام يتركون سكّان هذه القرى يحكمون أنفسهم. فهو وضع قديم مضى عليه أكثر من 200 و240 عاماً. فيعكس طبع الانسان البحريني وهو أنه بسبب تقاطعاته التي يعيشها في وسط البحر ومرور الناس عليه من الشمال والجنوب والشرق والغرب تعلم خاصية حب الحرية لأنك لا تستطيع أن تتعامل مع كل الكتل البشرية المتقاطعة عليك الا بوعي واسع ورغبة في التحرر من أشياء كثيرة. تقوم أنت بسجن نفسك فيها».

تراث عظيم

ومعللا ذلك الاحساس بالحرية قال الهاشمي: «ولا نشك لحظة في أن الانسان في البحرين قد ورث كل ذلك من تراثه العظيم المختزن في ذاكرته التاريخية القريبة والبعيدة وخصوصاً قصة الطوفان الأعظم وملحمة جلجامش ملك أورك، الذي ظل يبحث عن زهرة الخلود ولم يجدها الا في البحرين أو دلمون القديمة أرض الخلود. وقد كان ذلك مثار بحث طويل بالنسبة إلي اذ اقتنعت أخيرا بأننا طالما أغرينا ملكا من الملوك لم يكن يحلم بغزو ولا بفتح ولا باستعمار ولا بسيطرة وانما يحلم بالحياة التي يخلد بها. وحين يفكر باقتناص هذه العشبة أو اقتطافها لا يجدها الا في البحرين. فلا يمكن أن ننسى ما يمكن أن تنطوي عليه زهرة الخلود من رحيق الحرية الفوّاح في الرغبة في الانعتاق من قوانين الزمان والمكان والتاريخ والجغرافيا. لكي تصير الحياة ديمومة متصلة في جنة لا حدود لها. ولأن كان دخول جنة الخلود لا يتم الا عبر بوابة الموت ­ بالنسبة لأسطورة الخلود ­ وهذا شيء طبيعي ومفهوم، فان هناك مرحلة تسبق حياة الموت يقوم فيها الانسان بالاعداد والتدرب على حريته المطلقة بوجوه كثيرة من الحريات النسبية والرغبة في معرفة الخلود وتذوق رحيق الجنة في الحياة قبل الموت».

عكس المثال

وأضاف: «فطبيعة النفس البشرية أن تتخيل أو تعكس المثال في واقعها لكي تتدرب عليه. فنحن هنا نتدرب على جنة الخلود وعلى الجنة التي حلم بها جلجامش. ونحاول أن نجعل واقعنا صورة من هذه الجنة في دعوتنا على لسان الشاعر الديلموني القديم (فلتصبح دلمون ميناء للعالم كله). وهذا ما يفسر التزاحم السكاني المستمر في مختلف مراحل تاريخ البحرين منذ فجر التاريخ. للعيش في بحبوحة وسلام وتسامح وحرية. كما يفسّر الطبقات الأثرية المتراكبة لحضارات دلمون المتعاقبة ومئات الألوف من القبور التي ازدحمت بها مقابر الخلود. بعد أن ظلّ أهلوها وساكنوها يحلمون بالخلود طوال هذه الآلاف من السنين من دون أن يقلق سكينتهم أحد من الأحياء. اذ لم تكن جغرافية البحرين الجميلة وموقعها المتميز وطبيعتها الاخاذة على النحو الذي وصفه أمين الريحاني في وقت مبكر من القرن الماضي عندما سحرت عينيه لأول وهلة لم تكن بريئة مما أصاب تاريخ البحرين وأهلها من شغف بالخلود والحلم المتواصل في الحياة وما بعدها بل كانت الجغرافيا مهاد الحضارة الذي ترعرعت فيه ونمت أغصانها وأثمرت»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً