العدد 1209 - الثلثاء 27 ديسمبر 2005م الموافق 26 ذي القعدة 1426هـ

العام 2005 السوري: نحو نهاية مرحلة انتقالية

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

لا يمكن القول، ان المؤشرات التي حملها النصف الثاني من العام السوري 2005 هي مجرد مصادفة فيما يتعلق ببنية السلطة الحاكمة وعلاقاتها الداخلية ­ الخارجية، بل هي اعلانات عن نهاية مرحلة وبدء مرحلة في الحياة السورية. اذ هي تؤشر الى نهاية ما يمكن وصفه بانه «مرحلة انتقالية» عاشتها سورية في السنوات الخمس الماضية، وقد آن الاوان لنهايتها، والانتقال الى مرحلة سورية جديدة في بنية النظام الحاكم وعلاقته الداخلية ­ الخارجية. والمرحلة الانتقالية في سورية ابان الخمس سنوات السابقة أمر طبيعي بما هو محصلة تطورات سياسية، احاطت بسورية في خلال عقد التسعينات من جهة، ومقترنة بعملية تغيير السياسة الداخلية بما كانت تحمله من مؤشرات في اتجاه انتقال السلطة من الرئيس حافظ الاسد الى خليفته بشار الاسد، وهي نقطة مفصلية في خيارات النظام الحاكم في سورية، وللسببين فقد كانت المرحلة الانتقالية، تتضمن عملية تجديد النظام وآلياته وعلاقاته الداخلية ­ الخارجية، وهو أمر لم يكن ممكناً من دون الذهاب في اتجاهات متعددة المجالات والمستويات على نحو ما بدت خطوات النظام في دمشق في مسارها العام في فترة ما بعد العام 2000 وخصوصاً بعد تولي الرئيس بشار الاسد زمام السلطة. لقد جرى التمهيد للمرحلة الانتقالية في أمرين أساسيين، كان الاول هو التصعيد السريع لنجم الرئيس المرتقب واعطاؤه المزيد من صلاحيات التدخل في الشأن السياسي السوري على رغم انه لم تكن له صفة رسمية تعطيه هذا الحق من التدخل، وهكذا انيط به ملف السياسة السورية في لبنان والذي كان مرتبطاً بأهم الشخصيات في السياسة السورية وهم الرئيس حافظ الاسد ونائبه وزير الخارجية السابق عبد الحليم خدام ووزير الخارجية فاروق الشرع، ثم اعطي بشار الاسد دوراً مهماً في السياسة الداخلية، عندما أشرف على التشكيل الوزاري الذي سبق وفاة الرئيس حافظ الاسد، إذ اختار محافظ حلب محمد مصطفى ميرو ليرأس الوزارة السورية. والأمر الثاني الذي مهد للمرحلة الانتقالية، كان التوجه الرسمي لتصفية بعض ملامح المرحلة السابقة ورموزها، وكان التصدي لـ «الفساد» و«رموزه» هو العنوان الاول، وربما الاسهل أيضاً، وقد تضمنت رسالة الرئيس حافظ الاسد الى مجلس الشعب السوري الخامس، اشارات واضحة وجلية بشأن ضرورة محاربة الفساد في سورية ولاسيما في مستوى المسئولين من أصحاب المناصب السياسية والادارية، ثم تبع ذلك بعد وقت قليل الكشف عن ارتكابات رئيس الوزراء محمود الزعبي الذي كان استمر في منصبه في رئاسة الوزارة ثمانية عشر عاماً، وتضمنت العملية، عدداً من اركان الزعبي بينهم نائبه للشئون الاقتصادية سليم ياسين ووزير النقل مفيد عبدالكريم، إذ «انتحر» الزعبي، وسجن كل من ياسين وعبدالكريم باحكام قضائية، فيما كانت الاشاعات تتناول غيرهم في اشارات الى رموز «الفساد» التي ينبغي الاطاحة بها، وبينهم نائب الرئيس عبدالحليم خدام ورئيس الاركان العماد حكمت الشهابي. وقد توبعت تلك السياسة بصورة ما بعد وفاة الاسد الاب، وتولي خليفته بشار الاسد مهمات الرئاسة في يوليو/ تموز العام ،2000 وتضمن خطاب القسم الذي القاه الرئيس الجديد أمام مجلس الشعب إشارات تجديدية ذات طابع إصلاحي، وهي الاشارات التي حملها الحراك الثقافي والاجتماعي، وسار بها في اتجاه مشروع للاصلاح تحت سمع وبصر السلطة الحاكمة ومن دون ممانعة جدية من جانبها طوال نحو ستة أشهر يمكن القول، انها كانت جزءاً من برنامج تجديد النظام في اعطائه وجهاً ليبرالياً منفتحاً من جهة، وامتصاص غضب النخبة السورية «المعارضة» من ارتكابات السلطة واجهزتها في العهد السابق، واستغلال ذلك الغضب في تصفية بعض مراكز القوى داخل السلطة، اضافة الى كشف امكانات وقدرات «المعارضة» من الناحيتين السياسية والتنظيمية، وهو ما يمكن القول، ان كان يمثل بعض اهداف النظام من السكوت على الحراك الثقافي ­ الاجتماعي الذي اكتسب مضموناً وبعداً سياسياً في تلك الفترة من خلال انتاجه مجموعة بيانات ونقاشات في المنتديات، قبل ان يختتم باعتقالات ربيع دمشق 2001 بالتزامن مع هجوم سياسي واسع ضد نشاطات المجتمع المدني. لقد تزامنت هذه التطورات الداخلية في محتواها التجديدي بمسار تجديدي آخر على صعيد حركة النظام في سياساته وعلاقاته الخارجية، ولاسيما في انفتاحه الاوروبي ­ العربي متجاوزاً، بمستوى ما، الاثار التي أفرزتها حوادث سبتمبر/ أيلول الاميركية وما خلفته في موضوع الحرب على الارهاب، ومحاولاً بناء نمط جديد من العلاقات الاقليمية والدولية تتجاوز فرضيات وظروف علاقاته السابقة قبل نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي بداية التسعينات، ولم يكن ذلك ليتم من دون ان يربط النظام في سورية علاقاته الخارجية الجديدة بتغييرات تشمل السياسات الداخلية في بناها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما حاولت السلطات التعبير عنه في طرح موضوع الاصلاح والتجديد الذي حاولت السلطات السورية الحديث عنه وفيه سنوات أمام الرأي العام في الداخل والخارج من دون ان تذهب الى عمقه من الناحيتين السياسية والعملية، والاقتصار على طرح بعض جوانبه كالحديث عن اصلاح اقتصادي أو اداري أو قانوني مع القيام بخطوات جزئية أو شكلية في هذا الجانب أو ذاك، وهو النهج ذاته الذي سار فيه النظام في تعاطيه مع المطالب الشعبية، فيما كان يوزع الاتهامات على حركة «المعارضة» واطروحاتها، اذاً هي «معارضة وطنية» حيناً و«مرتبطة» و«عميلة» في أحيان أخرى. ووسط هذا النهج المراهن على كسب الوقت من أجل تجديد النظام وانهاء المرحلة الانتقالية نحو استعادة قوة النظام في صيغة جديدة، حدث تطوران اقليميان شديدا الاهمية والتأثير على سورية، كان اولهما الحرب على العراق من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا ربيع العام ،2003 والثاني مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في فيراير / شباط 2005 بعد أشهر من خلافات الحريري مع سورية بشأن التمديد السوري للرئيس لحود في خريف العام .2004 وكانت معارضة سورية للحرب على العراق احد عوامل التصعيد في الخلافات السورية ­ الاميركية، وخصوصاً أن الحرب على العراق، جعلت الولايات المتحدة على حدود سورية الشرقية، ما جعل للتماس السوري الاميركي حساسية عالية، ليس فقط بما يتعلق بالعلاقات السورية ­ الاميركية، بل بما يتصل أيضاً بموضوع الحرب الاميركية على الارهاب في وقت تتهم واشنطن سورية بدعم الارهاب، اضافة لاتصال الامر بتعزيز السيطرة الاميركية على الشرق الاوسط بما يعنيه ذلك من تحجيم للدور السوري الاقليمي ولاسيما في علاقته بالموضوعين اللبناني والفلسطيني وبالعلاقة السورية مع ايران، وهكذا صار بين سورية والولايات المتحدة تماسات يومية، واجهتها التدخل السوري بالشأن العراقي وجوهرها الضغط على سورية لاجراء تغييرات في سياساتها الاقليمية، وقد تصاعدت الضغوط الاميركية بعد اغتيال الحريري في لبنان على نحو واضح، وصارت الاوضاع الداخلية في جملة العناصر الضاغطة. وما اعطى الضغوط الخارجية على سورية أهمية اكبر دخول الاوروبيين وخصوصاً الفرنسيين عليها، وهم الذين حاولوا التقرب من سورية بعد تولي بشار الاسد منصب الرئاسة الاولى، ومساعدته في تطبيق خططه التنموية والاصلاحية قبل ان ينقلبوا ضده في أعقاب التمديد للرئيس لحود في العام ،2004 واغتيال الرئيس الحريري لاحقاً، الامر الذي شكل اساساً تشاركت فيه فرنسا مع الولايات المتحدة من أجل بناء منظومة دولية واقليمية تحاصر النظام السوري، وتدفعه الى الانكفاء الى داخل يعاني من مشكلات متعددة ومعقدة. الآن ومع نهاية العام ،2005 يمكن القول ان المرحلة الانتقالية في سورية قاربت على الانتهاء، او انها انتهت فعلاً في إعادة رسم استراتيجية مواجهة سورية أساسها المحافظة على النظام بعد أن فشلت كل الجهود في حصول النظام على تسوية مع الولايات المتحدة وفرنسا، وهو ما يعني ان الخيارات السورية الخارجية ­ الداخلية باتت محسومة على هذا الأساس، الأمر الذي يعني نهاية المرحلة الانتقالية

العدد 1209 - الثلثاء 27 ديسمبر 2005م الموافق 26 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً