العدد 1209 - الثلثاء 27 ديسمبر 2005م الموافق 26 ذي القعدة 1426هـ

من يريد الديمقراطية فليدفع مهرها!

الشجاعة السياسية في قرار الاعتذار

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في آخر أطروحات المغربي الزائر شوقي بنيوب، تحدّث عن تفاصيل التجربة الحقوقية المغربية، بما فيها من معوّقات وصعوبات ونجاحات. أطرف ما جاء في حديثه أمس (الثلثاء) انه قضى ليلة كاملة وهو يبحث عن معنى كلمة «الاعتذار»، في المعاجم اللغوية العربية. والسبب ان القرارات التي صدرت عن لجنة الانصاف والمصالحة تضمنت من بين شروطها اعتذار الحكومة المغربية عن أخطاء وتجاوزات أجهزتها الأمنية التي طالت آلاف المواطنين المغاربة. ولأن الشرط بدا حينها محرجاً للحكومة، حاول صاحبنا أن يبحث عن حلّ في بطون المعاجم، ومن هذه البطون جاء الفرج، فمن بين المعاني التي عثر عليها تلك الليلة، ان الاعتذار يعني «محو الآثار»، وكانت الخطوة التالية أن رفعت اللجنة توصياتها ­وهي مطمئنة­ إلى ملك المغرب، الذي سرعان ما صدّق عليها من دون تحفظ، مطلقاً كلمته المشهورة: «إن لجنتكم هي لجنة الحقيقة والإنصاف والمصالحة». هذه الكلمة أعاد الملك طرحها في مقابلة مع صحيفة «البيس» الاسبانية: «إن هيئة الانصاف والمصالحة تساهم في تطوّر الديمقراطية والملكية وحقوق الإنسان». وأضاف: «إن شعباً لا يتهرّب من ماضيه، ولا يظلّ حبيس سلبيته... فان القرن الحادي والعشرين هو قرن حقوق الإنسان». الهيئة التي امتدحها ملك المغرب، زارت جميع المناطق التي شهدت صراعاً سياسياً، وتنقلت بين الريف والصحراء وجبال الأطلس، وذهبت إلى مدرجات الجامعات لتلتقي بالطلبة والطالبات، وزارت جميع الطبقات والألوان السياسية، وجميع النقابات المهنية، والتقت مختلف الشخصيات، من مؤيدي بن لادن إلى مؤيدي أقصى اليسار. وجمعت الوثائق التي تكشف الوجه الآخر من الحقيقة المغيّبة أيام سطوة الأجهزة الأمنية، لتقدّمها مرفقةً بالتوصيات، مع وضع معايير واضحة للتعويض، من الحرمان من الحرية وسوء المعاملة وضياع الفرص في حياة الانسان ­ الضحية، أو ضياع الدخل على من كان له دخل، إضافة إلى احتساب المدة التي قضاها في السجن. وكان من نتائج هذه الحركة ان أعيد أكثر من 14 ألف مغربي إلى وظائفهم، مع اتخاذ اجراءات لاحتساب الضمان الاجتماعي والصحي، مع الاعتراف أولاً وأخيراً بأنه «لا شيء يمكن أن يعوّض الضحية». وهو مبدأ لا يدركه من يرفعون شعار «عفا الله عمّا سلف»، للفلفة هذه القضايا الإنسانية الحساسة. ويعلّق بنيوب ان «الديمقراطية مكلفة، ومن يريد أن يطبقها فلابد أن يدفع ثمنها، وأن يدفع كلفة إساءات وأخطاء الماضي». أما من ناحية الاعتذار، فهو تحصيل حاصل، لأنه لن يعيد حياة من قتلوا، أو عذّبهم الجلادون المحترفون في أقبية السجون. ويتحدث بنيوب بثقة قائلاً: «لقد ساهمنا في دفع قطار الإصلاح، والإقرار العمومي (الحكومي) بحدوث الانتهاكات، والباقي هو مسئولية الأفراد والطبقات السياسية. وكلّ كيان له شروطه وظروفه وتعقيداته الخاصة، ولكنها تشترك في مبدأ إقرار حدوث الانتهاكات وجبر الضرر وضمان عدم التكرار». الثقة بالنفس تعود بطبيعة الحال إلى النجاح الذي حققته الهيئة في تغطيتها لانتهاكات تعود 43 عاماً إلى الوراء. والنجاح يخلق دوائر أخرى، إذ بدأت بلدان عربية أخرى في مراجعة نفسها: الجزائر والسودان والأردن، ولبنان أيضاً، إذ تدور نقاشاتٌ جادةٌ لمراجعة الذات، والكشف عن الحقائق العربية الكبرى التي طمستها الأنظمة العربية الحاكمة بأمر الله، والمطيعة جداً لله، والعاملة دائماً لرضوان الله، البلد الوحيد الذي قد يشذّ عن القاعدة هو العراق، الذي تأخذه نزاعاته الطائفية وعصبياته القبلية، وتدخلات الدول العربية، إلى التحضير لحرب داخلية لا تبقي ولا تذر. والسؤال: أين نقف نحن اليوم من حركة مراجعة الذات العربية، بعد أربع سنوات من الإصلاح والانفتاح السياسي؟ لا نريد أن ننكأ الجروح أكثر، إنما لنذكّر إن هناك قضايا انسانية آن الوقت لمعالجتها بطريقة حكيمة تنصف المظلوم، وتجبر ضرر سنوات الرصاص، وتعيد الاعتبار للمواطن الذي كان كل ذنبه أنه حمل يوماً همّ الوطن، أو رغب في إصلاح وضعه السياسي، أو تمنّى أن يستيقظ ذات يوم على صباح جميل لوطن غير مكبل بالأغلال والقيود. همسةٌ أخيرة: ليس هناك في هذا الشعب من يرغب بالانتقام، وليس هناك من يفكر بعقلية أخذ الثأر، فهذا شعبٌ شبّ في بيئة حضرية قامت على أطراف الكواكب والعيون. وكل ما يريده شئ من المكاشفة والعدالة والإنصاف. تلك بعض تكلفة الديمقراطية... فهل نحن مستعدون فعلاً لدفع مهر الجميلة الشقراء

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1209 - الثلثاء 27 ديسمبر 2005م الموافق 26 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً