العدد 1208 - الإثنين 26 ديسمبر 2005م الموافق 25 ذي القعدة 1426هـ

شرشار: اليهودي ابن المخيال الشعبي

في كتابه "خاصائص الخطاب الأدبي في رواية الصراع العربي - الصهيوني"

توصل عبدالقادر شرشار في كتاب له الى ان هناك قصورا عند الروائي العربي في بناء شخصيات يهودية مقنعة وان ما يقدمه من شخصيات يأتي من الموروث الشعبي لا من الواقع المتطور. ورأى ان ما قيل عما اسماه «رواية الصراع العربي ­ الصهيوني»، هو الآن بحاجة الى مراجعة وتطوير في ضوء الواقع. كتاب شرشار حمل عنوانا هو «خصائص الخطاب الأدبي في رواية الصراع العربي ­ الصهيوني/ دراسة تحليلية». صدر الكتاب عن «مركز دراسات الوحدة العربية» في بيروت وجاء في 207 صفحات كبيرة القطع توزعت على ثلاثة فصول مع خلاصة تنفيذية ومقدمة ومدخل وخاتمة، وثبت مراجع عربية وأجنبية تألف من 17 صفحة. قال الكاتب انه من خلال دراسة ما أسماه نصوص «المدونة» تبين له ان للرواية العربية «خطابا متميزا في التعامل مع الصراع العربي ­ الصهيوني اجتمع له من العلاقات والقرائن ما يدعو الى ضرورة الفصل بينه وبين خطاب الرواية العربية ككل». وأضاف ان النصوص الروائية التي يتجلى من خلالها «خطاب الصراع العربي ­ الصهيوني لم تلق كاملة ونهائية في لحظة واحدة بل هي نصوص تشكلت خلال فترة زادت على العشرين عاما». وتسعى الدراسة الى «قراءة نقدية إلى خصائص الخطاب في رواية الصراع العربي ­ الصهيوني من خلال مدونة ظهرت نصوصها الروائية» في الفترة الواقعة بين العام 1963 والعام .1990 ورأى ان الجنس الروائي لم يستطع التفاعل مع التغيرات الاجتماعية والصراعات السياسية «في ظل الصراع مع اليهود، فبعد نكبة 1948 تغير الواقع الاجتماعي والسياسي في الوطن العربي واصبحت كلمات الادب عبارة عن زفرات ولواعج ودموع وهروب الى رومانسية جمالية وضياع... النتاج الروائي كان نزرا اذا ما قارناه بغزارة الشعر الذي تناول قضية الصراع مع اليهود». وينقل عن صالح أبوأصبع في كتابه «فلسطين في الرواية العربية» في مجال الحديث عن مسوغات ابداع روايات هذا الصراع اشارته الى وجهين في هذا المجال هما «الوجه السياسي بما فيه من تآمر الصهيونية والاستعمار وما تولد عنه من اوضاع عسكرية كانت سببا في الهزائم العربية. والنضال الفلسطيني والعربي بصوره المشرفة وما فيه من تضحيات وبطولات... والوجه الانساني للقضية اذا ان هناك شعباً لاجئاً له معاناته الانسانية وتجربته في الحياة بما فيها من آلام ونضال وارتباط بالارض وتضحية في سبيلها». أما العناوين الرئيسية فيما اسماه «نصوص المدونة» فكانت كالآتي: لغسان كنفاني «رجال في الشمس»، «عائد الى حيفا»، ولاميل حبيبي «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل» ولتوفيق المبيض «اسطورة الميلاد» وليوسف القعيد «الحرب في بر مصر» ولصالح مرسي «كنت جاسوسا لاسرائيل... رأفت الهجان» ولاديب نحوي «سلام على الغائبين» ولحنا مينا «المرصد». الا انه استشهد بالاضافة الى ذلك باعمال اخرى لهؤلاء ولغيرهم. ورأى شرشار ان روايات هذا الصراع اتخذت اتجاهات عدة في بناء الشخصية اليهودية. وركز على اتجاهين اساسيين منها هما «اتجاه اهتم بصفات اليهودي وسلوكه الاجتماعي والنفسي... واتجاه اهتم بالانتماء الايديولوجي والعقائدي للشخصية اليهودية. ركز الاتجاه الاول على اليهودي «الطماع» المرابي... واهتم الاتجاه الثاني بالصهيوني الذي يتفانى من اجل اقامة الدولة الاسرائيلية بفلسطين واثبات التفوق العرقي اليهودي». وإذا كان الخطاب السياسي والاعلامي الغربي رسما صورة الصهيوني المعصوم عن الخطأ المتفوق على الآخر العربي فإن النص الروائي العربي في مدونة الصراع العربي الصهيوني تصوره في صورة البطل المهزوم المتعاون مع العدو حباً في استكمال شهرته وجمع المال لتسديد الديون المتراكمة عليه «نتيجة مقامرته وافراطه في شرب الخمور أو ارضاء لزوجته الفاتنة». وهذه الصورة تبرز في شكل خاص في رواية التجسس التي حمل لواءها صالح مرسي في رأفت الهجان. وفي سائر نصوص المدونة قدمت هذه الشخصية «بحسب موقفها من الحدث لكنها تبدي استعدادا نفسيا وايديولوجيا للدفاع عن وجود اسرائيل». ونجد عند أديب نحوي مثلا انه قدم نموذجين للشخصية اليهودية هما الصهيوني الصرف والصهيوني الاندماجي. منطق الاول هو القضاء على العرب والثاني لا يرى في هذا حلا للمشكلة اليهودية.


...و«راعية الأيام» تعيد الدفء الشعري

تشيع مجموعة «راعية الايام» للشاعرة اللبنانية الشابة سوريا بدور الطويلة عالما من الدفء الشعري والحالات الوجدانية المرهفة وتعيد القارئ الى تراث شعري كاد يضيع وسط نماذج كثيرة طغت عليها ميكانيكية باردة تتخللها نماذج جيدة قليلة بين حين وآخر. نتاج سوريا بدور الطويلة هو من الشعر الحديث الذي يقوم على تعدد الاوزان والقوافي في غالبه. نجده ­ قافزا فوق تلك الوفرة من قصائد النثر السائدة خصوصا عند أجيال شابة ­ ليرتبط بمناخ شعري سبقها ولا يزال يرافقها. انه يفيض رومانسية حية مؤثرة ويطل احيانا عبر حالات شفافة من الرمز. وهو اجمالا شعر لا يخلو من حرارة التجربة الشعورية فهي حاضرة دائما. فالشاعرة لا تقدم «قشرة» خارجية لحالة نفسية بل حياة نابضة تأتي مرتدية شكلا تعبيريا يشبهها. «نفس» أجواء المجموعة يفيض شعورا حلوا لا يتوافر سوى لاجواء اسماء شعرية بارزة من شعراء وشاعرات وخصوصا صاحبات القضايا ومنهن فدوى طوقان وسعاد الصباح. لكن سوريا الطويلة قد تتشابه مع اخرين احيانا تشابه ذوي النسب الواحد... غير انها لا تسطو ولا تستعير ولا تعيد الانتاج. لها صوتها وهو ذو سمات خصوصا على رغم حداثة مسيرتها. كلمة الاهداء تلفت النظر، فهي اشارة ذات مدلول كبير ونادر في هذه المنطقة من العالم وما يشبهها من عوالم يختنق فيها الانسان ­ والمرأة في شكل خاص ­ تحت قبضة تحكم غير عقلاني. تهدي مجموعتها الى والد متنور متحرر شجاع علمها تحقيق الذات وألا تقبل اغلال التحكم والانغلاق بكل اشكالها الاجتماعية التي تحولت الى جدران سجن. تقول «الى ابي الذي أوقفني تحت شمس الحرية والتمرد». اشتملت المجموعة على نحو 50 قصيدة توزعت على 124 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن «دار بيسان للنشر والتوزيع والاعلام». ننتقل بعد الاهداء الى القصيدة الاولى وعنوانها «لك العمر» فيكاد القارئ يتصور أن فيها بعض ما يوضح كلمات الاهداء. في القصيدة تنسج الشاعرة بحالات في النفس ومشاعر حزينة مجموعة من الصور لا تلبث ان تتضافر لتشكل صورة كبرى مركبة هي صورة عالم مفجع تراه حولها. تقول «لك العمر وجها تشكٌل بين خرائب هذا الخلاء/ تملٌى حنين الحجارة/ بين سديم الزمان العتيق/ وبين حياد السماء/ وبين مجيء الوجوه وبين رحيل الوجوه لما لا تشاء./ لك العمر/ دمعا تعتق بين اتئاد الحنين/ وبين احتباس البكاء/ وبين اشتعال التقادم تحت العروش/ وبين حريق المروج لاجل اغتيال النساء/ لك العمر/ وجها تفرد بين وجوه السبايا/ تراجع نحو الزوابع حين دعته المرايا/ ليرنو الى الضوء عبر سقوط الزوايا/ وحيدا/ وحيدا/ وحيدا/ وكل الشهود نيام/ وكل الوجود بقايا». في «ينابيع» اختصار لاوجاع المرأة منذ القدم. تقول «هي الارض/ مروية من دماء النساء/ وشبعانة من حليب النساء/ ومبتلة من دموع النساء/ ومزهوة بالرجال/ الذين اكتسى عظمهم/ من طراوة لحم النساء». في قصيدة «صلاة الفراشات رقص» ترسم برموز عالما صغيرا لا نلبث ان نقرأ فيه العالم الكبير بمآسيه وفراشاته الانسانية المحترقة. تقول «لماذا قتلت الفراشة/ عند مصب الضياء/ وما زال عند الشتاء ثلوج/ وبرد لقتل الفراش/ لان صلاة الفراشات رقص../ وعرس يوازي الفضيحة تحت الشعاع/ فناء الفراشة فوق اللهيب/ هيام وعشق/ ولكنها قد تظن الحباحب شمسا/ فتهوي الى الطين/ تشرب موتا رخيصا/ وترمي بألوانها للرياح».





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً