العدد 1207 - الأحد 25 ديسمبر 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1426هـ

أمين عام مجلس التعاون ومبادرة أسلحة الدمار الشامل

لحدان الكبيسي comments [at] alwasatnews.com

-

رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة تواكبها الفكرة الصائبة مصحوبة ببعد النظر ومقرونة بالجرأة والشجاعة للتفكير وقول ما يخدم المصلحة العامة. بهذا الأسلوب، تطورت غالبية المشروعات الرائدة التي جلبت لشعوبها الازدهار والأمن والسلام. أستحضر ذلك وأنا أستمع إلى تصريح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن بن حمد العطية، عشية انعقاد القمة السادسة والعشرين للمجلس التي احتضنتها أبوظبي، المدينة التي شهدت ولادة فكرة تأسيس المجلس قبل ربع قرن لتنطلق الرحلة الموفقة من مجرد فكرة حكيمة إلى تحقيق أفضل التجارب التكاملية في تاريخ الأمة العربية المعاصر. جاء تصريح الأمين العام الذي أعلن من خلاله الدعوة إلى «إعلان منطقة الخليج، بدولها التسع، منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل»، بعد صمت طويل من قبل الجهات الرسمية بالمجلس، فيما اعتبره البعض تجاهلاً للواقع الخطير الذي أصبح يحدق بدول المنطقة جراء خطر انتشار أسلحة الدمار الشامل. فجميع دول العالم تتكلم بصوت عال عن احتمال مستقبلي لانتشار هذه الأسلحة في منطقتنا الخليجية. ونحن كنا ولانـزال، آخر من يتحدث عن هذا الاحتمال. جاء الأمين العام ليقول إن منشآت إيران النووية هي أقرب مما نتصور من أرضنا الخليجية، وإن مفاعل بوشهر النووي أقرب لنا مما هو لطهران، وليقول ضمناً إن أي تسرب للمواد النووية سنكون نحن أول ضحاياه، وإن أخطار أسلحة الدمار الشامل لا تعترف بالحدود الجغرافية ولا تُعنى بخطوط وحواجز السيادة. هناك من يتفاوض بجدية، وهناك من يهدّد بحزم، وهناك من يراقب بانتباه، بدءاً بدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة و«إسرائيل» وروسيا ومجلس الأمن الدولي، ومروراً بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وغير هؤلاء من الأطراف الدولية، وكنا ننظر إلى ما يجري حولنا على بعد أربعين ميلاً بحرياً فقط وكأنه يجري على كوكب آخر، وكأن جهود ومحاولات إيقاف البرنامج النووي الإيراني ذي الطموحات العسكرية المفترضة أو إخضاعه للمراقبة تجري في مجاهل الأمازون. جاء تصريح الأمين العام ليذكـِّـر الجميع بأنه من مجموع تسع دول خليجية إقليمية يشملها المشروع الجديد وتتضمن دول المجلس الست بالإضافة إلى العراق وإيران واليمن، هناك ثماني دول منها لا تمتلك أسلحة الدمار الشامل أو لم تعد تمتلك أي برامج لتطويرها، وليست لديها حتى النية لاستخدامها، ولو للأغراض السلمية والمدنية التي تسمح بها الشرعة الدولية. وبما أننا لا نمتلك مثل هذه الطاقة النووية فنحن نريد ثمناً منطقياً لهذا الالتزام الأخلاقي والقانوني الذي فرضناه على أنفسنا. هذا الثمن لا يتجاوز، في نهاية المطاف، حقوقنا الأساسية في ضمان أمننا كأمة وسلامة مواطنينا وحماية بيئتنا. ولنا الحق كل الحق في أن نعيش في بيئة خالية من أسلحة الدمار الشامل. أما إيران ­ الدولة الخليجية الوحيدة التي تمتلك برنامجاً نووياً ­ فكانت وقعت وصدّقت على جميع المعاهدات الدولية التي تحظر عليها تطوير أسلحة الدمار الشامل. ولم يتوانَ قادتها عن إصدار فتاوى دينية تعلن أن تطوير أو امتلاك أسلحة الدمار الشامل هو عمل «محرّم شرعاً» مع التأكيدات المتكررة من قادتها السياسيين والعسكريين بعدم وجود نية لتطوير هذا النوع من الأسلحة، مع تعهدها بحصر استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. وهذا أمر يستحق الإشادة، وبودنا أن تتم ترجمته إلى واقع قانوني وعملي. لذلك، فإنه ليس هناك من مبرر منطقي لمعارضة إعلان الخليج الجيوسياسي بدوله التسع منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ما يمنح الثقة ويبعث الاطمئنان في نفوس مواطني المنطقة ويعزز الاستقرار والأمن الإقليميين. لقد أكد تصريح الأمين العام أنه بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على طرح مشروع إعلان منطقة الشرق الأوسط برمتها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، فإن هذا المشروع ومنذ العام 1974 وحتى يومنا هذا لم يحرز أي تقدم يُذكر. إن حقيقة امتلاك «إسرائيل» للأسلحة النووية هي أمر مقلق حقاً، لكن يجب ألاّ يُعـَـد سابقة تمنح لدول المنطقة الأخرى الحق التلقائي في تطوير الأسلحة النووية بحجة امتلاك الآخرين لها. ثم إن الجهود يجب أن تتجه ليس إلى الدفع نحو مزيد من التسلح والدخول الحتمي في سباق تسلح خطير لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، بل إلى محاولة منع دول جديدة في المنطقة من تطوير تلك الأسلحة. في الوقت نفسه، علينا تبني هذا الموقف السياسي واستخدامه كورقة للضغط على «إسرائيل» والمجتمع الدولي من أجل تحقيق التعامل الجدي مع الترسانة النووية الإسرائيلية. إن دخولنا في سباق تسلح بأسلحة نووية سيضفي الشرعية على امتلاك «إسرائيل» لأسلحة الدمار الشامل. نحن لا نمتلك القدرة العسكرية لإجبار «إسرائيل» على نزع هذه الأسلحة، ولكن الحقيقة تبقى أن ما نملكه اليوم كعرب هو نفسه ما كانت تملكه دول أميركا اللاتينية لدى إجبارها كلاً من البرازيل والأرجنتين للتخلي عن برامجهما النووية العسكرية المتقدمة، وهو نفسه ما كانت تملكه دول القارة الإفريقية عندما أجبرت دولة جنوب إفريقيا على نزع سلاحها النووي. أليس حرياً بنا أن نمتلك الجرأة والشجاعة الكافية للإعلان رسمياً وبشكل جماعي حظر أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج وانتهاج الآلية التي أثبتت فاعليتها في هذا المجال من خلال إعلان مناطق جغرافية محدّدة صغيرة، لكنها قابلة للتوسع، مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل من أجل حشد مزيد من الضغوط الدبلوماسية والأخلاقية على الدول التي تشذ عن الإجماع. لا نقول إن هذه المبادرة ستجبر «إسرائيل» على نزع سلاحها النووي فوراً، ولكن الواقع أثبت أن الضغوط الدولية ستتضاعف على الدولة التي تحاول الاحتفاظ بقدراتها النووية عندما تلتزم جاراتها بالشرعة الدولية وتعلن رسمياً تخليها الكامل عن الخيار النووي، الأمر الذي يفقد الدول الأخرى الحجج والمبررات التي تتذرع بها لامتلاك أسلحة الدمار الشامل. إن مشروع إعلان منطقة الخليج، بدولها التسع، منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل لا يهدف بأي شكل من الأشكال أو بأية صيغة من الصيغ إلى استثناء «إسرائيل». إن المشروع يقوم على فكرة التدرج المرحلي أسوة بالمشروعات المشابهة في العالم، ليبدأ بداية ناجحة من منطقة الخليج الفرعية ويتوسع ليشمل منطقة الشرق الأوسط برمتها. دعونا نتخلى رسمياً عما لا نملكه اليوم وعما لا نعمل لامتلاكه غداً. فليست هناك دولة عربية واحدة اليوم تمتلك أي برنامج، مهما كان حجمه لتطوير الأسلحة النووية، ولا حتى برنامجاً للاستخدام السلمي للطاقة النووية، فلماذا نوغل بغش الذات. ولماذا نتشبث بسياسة أثبتت فشلها على امتداد سنوات طويلة. اسمحوا لنا ولو لمرة واحدة في حياتنا أن نتعامل مع مجريات الأمور بواقعية. دعونا نعطِ قرارنا الخاص بعدم امتلاكنا أسلحة الدمار الشامل وعدم نيتنا امتلاك هذا السلاح بعداً عالمياً وشرعية دولية، لأنه سيحفز الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى تبني ودعم خيارنا السلمي ومنحنا الضمانات القانونية الدولية اللازمة لمنع أي طرف من استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدنا والتعهد بحماية جميع دول المنطقة ضد محاولات الاعتداء التي قد تتعرض لها. لماذا لا نحاول أن نحول عدم امتلاكنا أو رغبتنا بعدم امتلاك هذا السلاح لخدمة مصالحنا وأمننا القومي. لماذا لا نسترشد بالتجارب الناجحة التي مرّت بها 113 دولة في العالم، والتي انخرطت في خمس مناطق منـزوعة السلاح النووي تشكل اليوم نصف الكرة الأرضية. دعونا نقطف ثمار قرارنا التاريخي الجريء بالتخلي الطوعي والصادق عن خيار أسلحة الدمار الشامل لنظهر للعالم نوايانا السلمية ورغبتنا الصادقة في الوئام والاستقرار. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن بذور مشروع إعلان الخليج منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل انبثقت قبل عام مضى، وذلك عندما بادر مركز الخليج للأبحاث في ديسمبر/كانون الاول ،2004 إلى عقد أول حلقة دراسية شارك فيها عدد كبير من المندوبين الخليجيين والخبراء الدوليين طـُـرحت خلالها ولأول مرة فكرة المشروع الجديد. وتطورت الأمور تباعاً، إذ تم عقد الاجتماع الثاني في مايو/أ يار 2005 في العاصمة السويدية ستوكهولم، ويتم الآن التحضير لعقد اللقاء الثالث في وقت قريب. وقد قام باحثو المركز، خلال العام الماضي، بإعداد الدراسات الضرورية المفصلة لدعم المشروع. ويسعد المركز أن يضع جميع إمكاناته وخبراته في هذا المجال لدعم أي جهد رسمي لتحقيق هذا الهدف النبيل.

العدد 1207 - الأحد 25 ديسمبر 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً