في اليوم الثاني من ندوة دبي تواصل النقاش بشأن دور الإعلام وتأثيره على مجتمعات تمر في مرحلة انتقالية. وتميزت السجالات بالتركيز على الجوانب الأمنية وصلتها بالدوائر الإعلامية. كذلك تم بحث دور الإعلام في استقطاب القوى السياسية ودفعها للنزول إلى الشوارع كما حصل في لبنان بعد جريمة اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير / شباط .2005 واشير خلال الندوة التي اشرفت على تنظيمها مؤسسة «انيغما» للدراسات الاستراتيجية ومركز «ستانلي فاونديشن» إلى السياسة الدولية ودورها في تصوير واقع الإعلام العربي والتمييز الحاصل بين «إسرائيل» والدول العربية والإسلامية. أهم ما تطرقت له نقاشات الندوة في يومها الثاني ظاهرة ما اسمته «العجز الأمني» في دول لاتزال تشهد حركة انتقال من حال إلى أخرى. وتركز السجال في هذا الموضوع على مسألة تأثير الإعلام على أمن هذه الدول. ومدى صلة الدعوات إلى الديمقراطية بنزعات القلق وتشجيعها على اللااستقرار. بداية تحدث الحاضرون عن صعوبة تغطية الأخبار المتعلقة بالأمن في منطقة «الشرق الأوسط»، إذ تعتبر من المحرمات والممنوعات وتحتاج إلى إذن مسبق. ورأى المشاركون أن المنطقة شهدت بعض التغيرات من حيث التعامل مع أخبار هذا الحقل منذ نهاية التسعينات. ويعود السبب إلى تلك التأثيرات التي انتجتها حرب الخليج في العام .1991 فالإعلام آنذاك لعب دوره في التغيير حين نقلت المحطات والفضائيات مجرى الحرب مباشرة على شاشات التلفزة. إلى ذلك، لعبت العلاقة بين دول المنطقة والجيش الأميركي دورها في تسهيل مهمة الصحافيين وعدم اعتراض نشاطهم الإعلامي في نشر الأخبار والمشكلات الأمنية وما يحصل من مظاهرات أو حوادث عنف. منذ نهاية التسعينات انفتحت دول المنطقة على الإعلام ولم تعد تتردد في نشر الأخبار المتعلقة بالتسلح والصفقات ولا تمانع في الترويج لبعض الصناعات العسكرية التي كانت تخضع سابقاً للتعتيم. واتجه المشاركون للحديث عن تقدم الإعلام في مجال تحريك السياسة وتأثيره على الشارع وحثه على الانتفاض كما حصل في لبنان حين لعبت بعض المحطات دوراً محورياً في تشكيل قوة ضغط من الرأي العام ضد جهات رسمية وأجهزة أمنية وانشطة مخابرات. فالإعلام كان قوياً على الناس وحرضهم على النزول إلى الشارع ومطالبة الدولة بتفكيك الأجهزة الأمنية واخراج القوات السورية من لبنان. وتحدث المشاركون عن دور خاص لمحطة «الجزيرة» وخصوصاً حين اعتمدت سياسة فتح المجال للناس للكلام مباشرة من الهواتف وتوجيه انتقادات وحتى اتهامات لحكوماتهم من دون رقيب أو حسيب. وهذا ما ظهر في أكثر من برنامج تميز بالحوار الساخن بين التيارات ووجهات النظر المتضاربة. وأشار بعض الصحافيين إلى التهديدات التي يتلقاها الكثير من العاملين في المجال الإعلامي على هواتفهم الخاصة أو من خلال مكاتبهم. كذلك هناك الكثير من الصحافيين تعرضوا للقتل ومنهم من اضطر إلى مغادرة عمله خوفاً من الاتهامات والشتائم أو التهديدات بالاغتيال. وحصلت بين المشاركين في الندوة نقاشات عكست تعارضات في وجهات النظر بين فريق يرفض تدخل الإعلام في السياسة وفريق يرفض أن يكون الإعلام على الحياد حين تتعرض مصالح الوطن للخطر. فمن يطالب بالحياد أكد أهمية موضوعية الإعلام وضرورة عدم تحيزه وانجراره إلى مواقع سياسية تنزع عنه صفة المراقب أو الناقل للأخبار كما هي ومن دون توجيه مباشر من الصحافي. ومن يرفض الحيادية المطلقة أكد حق الإعلام في أن يلعب دوره في التوجيه لأن القضايا الكبيرة تحتاج دائماً إلى محرك يديرها بحكمة نحو هدف واضح ومحدد. وتخوف بعض الصحافيين من هيمنة السلطة المالية على مؤسسات الإعلام. ووجد في هذا الاحتمال خطورة على تطور الوعي واستقلاليته عن المؤثرات السلطوية التي تستخدم المال لشراء الأصوات وتوجيهها، وهذا يتعارض في جوهره مع رسالة الصحافي ومهمة الصحف. فالصحف مراقبة للانباء وعليها ألا تتورط وتنساق وتنفعل بالحوادث وإلا ستفقد صدقيتها وتبدأ وظيفتها بالانهيار. وتحاور المشاركون بشأن دور الإعلام في تشجيع الإصلاح والتحول الديمقراطي المطلوب واتجه النقاش نحو ضرورة المطالبة بإحداث التغييرات من داخل البلدان لا من خارجها. فالمطلوب عملياً من كل هذه التصورات الإصلاحية الجديدة ليس تجاوزها وإنما إعادة النظر في شروطها، وإعطاء فرصة للخيارات العربية في تحديد عناوين التغيير. وفي سياق الحوار بشأن آليات التغيير تطرق الحاضرون إلى دور التيار الإسلامي في المنطقة العربية وموقعه القيادي في إدارة التحولات. وذّكر المشاركون بصعود هذا التيار في الانتخابات المغربية والمصرية والعراقية من دون حاجة منه إلى دعم من الصحف والمنابر الإعلامية. وهذا الأمر يدل على وجود وسائل أخرى غير المحطات والفضائيات يمكن استخدامها كمنابر للدعاية. وتوافق الحاضرون على ضرورة اعطاء فرصة للتيار الإسلامي المعتدل في المعركة الإعلامية ضد الارهاب والعنف. واشاروا في هذا المجال إلى تنظيم «القاعدة» الذي بدأ يخسر معركته الإعلامية بسبب التجاوزات التي ارتكبها باسم الإسلام ونجاح الاطراف الأخرى في كشف الكثير من الجوانب السلبية التي جلبتها تلك الأعمال التي ارتكبت ضد المدنيين في مدريد ولندن والدار البيضاء وعمان وغيرها من دول وساحات عربية وعالمية. ودار نقاش طويل حول السياسة الأميركية في عهد إدارة بوش والسلبيات التي تركتها على الشارع العربي وعموم المسلمين. كذلك تم التطرق إلى تلك المعايير المزدوجة في التعامل مع القضايا نفسها سواء بالنسبة إلى السياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية أو بالنسبة إلى تلك التجاوزات التي ارتكبت في العراق ضد المدنيين. وتساءل المشاركون: لماذا لم تكن تلك السياسات المتعارضة بين المبدأ والواقع عرضة للنقد أو المراجعة من قبل الصحافة الأميركية مثلاً؟ واتفق بعض المشاركين على وجوب توجيه النقد للمنابر الإعلامية الأميركية التي لم تكن بدورها موضوعية أو محايدة حين تتناول القضايا العربية. فهناك كما يبدو بعض المحرمات في الإعلام الأميركي لا يجوز المساس بها وتحديداً تلك الأمور المتعلقة بـ «إسرائيل» والاحتلال الصهيوني لفلسطين. وفي سياق النقد للإعلام الغربي مقارنة بالإعلام العربي تطرق المشاركون إلى وظيفة الإنترنت واستخدام تنظيم «القاعدة» لهذه الوسيلة المعاصرة لتمرير اهدافه أو الاتصال بشبكاته أو تعليم اتباعه صناعة أدوات الحرب. ولفت المشاركون في ندوة دبي إلى أهمية الاتفاق على تعريفات موحدة لمفاهيم الإرهاب واختلاف مضمونها عن مفردات أخرى لها صلة بالحرية والقتال من اجلها والدفاع عنها. وتوافق الحاضرون على ضرورة التمييز بين الأصولية الإسلامية والأعمال الإرهابية وعدم الخلط بين الإسلام والإرهاب لأن الإسلام في النهاية هو الضحية، كما هو الإعلام يقع أحياناً ضحية السياسة والفعل وردة الفعل. وعلق المشاركون كثيراً على اختلاط المفاهيم واختلاف استخدام المفردات. فهناك مصطلحات مختلفة تستخدم للتعبير عن حالات متشابهة مثل «ضحايا» أو «شهداء» أو «انتحارية» أو «استشهادية». فهذه الاستخدامات المتعددة للمفردة الواحدة في الإعلام يشير إلى وجود نوع من الاختلاف المنهجي في تعيين المصطلحات وعدم تحديد تعريف موحد للمفردات. وأشار الحاضرون أيضاً إلى سلبيات تحكم القطاع العام بالمنابر الإعلامية. وأشادوا في هذا السياق بتطور قطاع الصحافة العربية وبروز دورها العالمي وتحديداً بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في فلسطين ووقوع هجمات 11 سبتمبر / أيلول .2001 فالإعلام العربي ظهر بقوة بعد الحادثين وأخذت المنابر الأوروبية والأميركية تعتمد عليه باعتباره مصدراً موثوقاً للمعلومات والصور. وهذا التطور الذي احدثه الإعلام العربي في الاتصالات والبث المباشر من مواقع الحدث أربك الإدارة الأميركية ودفعها لاحقاً إلى مهاجمة الإعلام العربي واتهامه بالانحياز وعدم الدقة والموضوعية. وعلى رغم هذه الحملة الموجهة ضد الفضائيات العربية لم يعد الآن باستطاعة واشنطن والاتحاد الأوروبي والمؤسسات تجاهل الإعلام العربي. فالحملات لم تعد مجدية وفقدت بريقها بسبب تلك النجاحات التي حققتها بعض محطات التلفزة العربية. وانتهى المشاركون في الختام إلى صوغ بعض الخلاصات والأفكار العامة التي تناولت أزمة الإعلام العربي وتنوع مشكلاته ونجاح بعض اطرافه في الخروج من الدوائر المغلقة. وتقرر في النهاية رفع أوراق «حوار دبي» في توصيات تتطرق إلى كل الحقول المتعلقة بشأن الإعلام وتأثيره على الحياة العامة في المنطقة العربية حتى تكون مدار بحث وإعادة تقييم في جلسة عمل ستعقد في واشنطن في مطلع العام .2006
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1207 - الأحد 25 ديسمبر 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1426هـ