العدد 1207 - الأحد 25 ديسمبر 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1426هـ

رسالة حب من المغرب العربي الشقيق

«كلنا في الشرقِ همٌّ» و«ضحايا»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

افتتحت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان مساء السبت «الدورة التدريبية حول العدالة الانتقالية ودور التوثيق والمعلومات»، في جمعية المهندسين البحرينية بالجفير. كان الحضور نخبوياً، والعدد محدوداً، مع غياب كامل للصحافة ورجال الإعلام (ودع عنك الإعلام الرسمي من إذاعة وتلفزيون،)، فضلاً عن غياب شبه تام لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية و«أصحاب الشأن»، من ضحايا التعذيب والمتضرّرين من قانون أمن الدولة، وهم بالألوف. الافتتاح لم يزد على ساعة واحدة : كلمةٌ للمعهد العربي لحقوق الانسان، وكلمةٌ أخرى للجمعية البحرينية، تحدّثت فيها سبيكة النجار عن تجميد هذا الملف الحيوي الذي يهمّ آلاف المواطنين والعوائل. وأشارت إيجازاً إلى معاناة السجناء والمعتقلين جرّاء التجاوزات خلال العقود الثلاثة السابقة، وطالبت بطيّ صفحة الماضي والانتقال إلى مرحلة جديدة، من خلال «وضع الأسس السليمة للتحوّل الديمقراطي الحقيقي» على حد تعبيرها، وخصوصاً أن الذاكرة الشعبية العامة لم تزل تعاني من جروح تجاوزات حقوق الإنسان البحريني، بلغ ذروته بالسجن والقتل تحت التعذيب، وسياسة العقاب الجماعي التي تعرّضت لها المناطق التي شهدت احتجاجات سياسية خلال التسعينات. الملف ظل جرحاً مفتوحاً على كل أنواع الألم والذكريات المريرة، فلا يمكن أن تقول للناس انسوا ما حصل و«عفا الله عما سلف»، مجاناً، فالنسيان لا يتم بمرسوم ولا بعشرة مراسيم، وإنما بإجراءات إنصاف وإقامة عدالة غيّبت ثلاثين عاماً، و«جبر خاطر» لألوف المتضرّرين. هؤلاء بعضهم مازال يعاني نفسياً وجسدياً من سنوات الاضطهاد والقهر والإذلال داخل المعتقلات، ومنهم من عانى تجارب انتهاكات قوات الأمن لحرمات المنازل أثناء المداهمات، ومنهم من أصيب في الشوارع. مطالبة الناس بالنسيان أمر لا يتفق مع المنطق و العقل والشرع الحنيف. في الافتتاح، سمعنا حديثاً خجولاً عن تقديم مرتكبي جرائم ضد الانسانية، وإلغاء قانون ،56 كخطوة على طريق المصالحة الوطنية الحقيقية وإزالة الاحتقان. وهو المطلب الذي رفعه أصحاب المظالم طويلاً في مطالباتهم في السنوات الثلاث الأخيرة. هذا عن الصوت المحلّي الذي يفترض أنه وصل إلى مسامع المسئولين، أما عن الصوت العربي، فألقى الضيف المغربي شوقي بنيوب كلمةً جميلةً مرتجلةً عن الروابط النضالية بين البحرين والمغرب قائلاً: «كنا في المغرب لعدة عقود، في حركة اليسار، نضع على جدول أعمالنا ما يجري في البحرين من نضالات». وأشار إلى أنه زار البحرين للمرة الأولى قبل أربعة أعوام، فيما قدّم صورةً مقاربةً لواقعها اليوم حين قال: «في البحرين تتوافر إرادة سياسية عليا، وحركات سياسية شعبية ناضجة، ومجتمع مدني موازن، وحركة مثقفين وإعلام. بلدٌ لا يخاف من ماضيه... وما حصل من تطوّرات إيجابية لم يقدّم على طبق من ذهب، وإنما قام على الإقناع المتبادل، وعلى خيار التشارك لا الإلزام». وذهب في تشخيص علّة العلل في العالم العربي بقوله: «مشكلتنا اننا نعيش في منطقة عانت كل أنواع الظلم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وخيارنا كعرب اما أن نحلّ مشكلاتنا بأنفسنا، أو أن الحلّ سيفرض علينا من الخارج». مع افتتاح الورشة صباح أمس حرصت على حضور الجلسة الأولى، التي تناولت «المرجعية الدولية لحماية حقوق الإنسان من الانتهاكات الجسيمة»، وناقشت الجلسة المسائية «الانتهاكات الجسيمة وآليات العدالة الانتقالية»، فيما تستمر الجلسات حتى الخميس المقبل، لتغطي موضوعات أخرى، مثل إنشاء نظم معلومات لتوثيق الانتهاكات، واستعراض «التجربة المغربية في إنشاء آليات العادلة الانتقالية». «التجربة المغربية» تكرّرت على ألسنة الكثير من الحضور وأعضاء الجمعية البحرينية أنفسهم، بل وتتكرّر كثيراً على ألسنة آلاف المواطنين من ضحايا «أمن الدولة»، خصوصاً وهم يشاهدون فصولاً متنوّعة على شاشة التلفزة المغربية، وبالذات جلسات المصارحة والمكاشفة التي أثّرت كثيراً على البحرينيين وهم يرصدون التحوّل الايجابي في المغرب، ذلك البلد الفقير، إذ تم رصد ملايين الدولارات لتعويض المتضررين، إنصافاً لضحايا المرحلة السوداء في المغرب الشقيق. الرسالة الحضارية الهادئة نأمل أن تصل إلى الحكومة البحرينية، عبر المندوبين رسمياً من وزارتي الخارجية والداخلية ومجلس النواب، فهناك تقارير رسمية عمّا دار في الجلسات من نقاشات سترفع، لابد أنها ستعبّر عن الجرح البحريني الغائر. البحرين تحتاج إلى أن تكون جريئةً مع نفسها، لا تخاف من الإعتراف بأخطاء ماضيها، وأن تطوي سوءاتها، وتبني مستقبلها على أساس سليم من العدل والإنصاف والمصارحة والمكاشفة، بعيداً عن المراسيم والقوانين التي توفّر حمايةً لفئة قليلة جداً من المتوّرطين على حساب مصلحة الوطن وآلاف المواطنين. التجربة المغربية أمامكم، والعالم المحتضّر يرقب تصرفاتكم، فهل ننحاز إلى الحق والعدل والإنصاف، أم نصرّ على كلمة حق يراد بها باطل، تحت ذلك الشعار المراوغ: «عفا الله عما سلف»... ثمّ من قال لكم أصلاً إن الله عفا؟ «أم على الله تفترون»؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1207 - الأحد 25 ديسمبر 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً