نتفهم أن أحمدي نجاد يدير مرحلة معقدة في التاريخ السياسي الإيراني، وانه يكون من قبيل التكتيك السياسي أن يصرح بين فترة وأخرى بأحد تصريحاته النارية، هذا على مستوى التكتيك، فإن تعدى ذلك إلى الاستراتيجية، فلنا جميعاً أن نخاف، وأن نخاف مرة أخرى، الخوف الأول، لأننا نخشى عواقب التهور في معارضة المجتمع الدولي بأكمله، من بلد تربطنا به علاقات سياسية وتاريخية واجتماعية وثقافية. أما الخوف الثاني، فهو لأننا معرضون للأذى والضرر في أي سيناريو محتمل للرد على هذا التهور، طبعاً، الخوف ينشأ لعدة اعتبارات، أولها، أننا في الخليج معنيون بالشأن الإيراني وتجاذباته مع الأميركيين، فدول الخليج وإيران يمثلون منطقة استراتيجية واحدة، وهماً سياسياً واحداً، ومصالح مشتركة لا تنفك، وإرهاباً متعدداً يرعب الجميع، وما سيعبث باستقرار أي عنصر من عناصر هذه المنظومة، سيكون مؤثراً بالتأكيد على بقية العناصر. أحمدي نجاد، «ذلك الغريب الأطوار» كما وصفه الرئيس الأميركي بوش، يحمل في يديه «لعبة نووية دولية»، فالحلم النووي «اللعبة» يكون أداة تكتيكية نحو حلحلة الخلاف التاريخي الأميركي الإيراني، ويكون الإيرانيون جادين في الحصول على سلاح نووي من دون مراعاة المعارضة الدولية، وهذا ما لا يريده الأميركيون والعرب و«إسرائيل» على حد سواء. وإذا كان الخوف الأميركي الإسرائيلي مبرراً، فالعرب والعجم وإن كان الإسلام متحداً جامعاً بينهم، إلا أنهم لم يستطيعوا التخلص من الثنائية التاريخية في المراوحة بين العداء والمحبة على مدى التاريخ القديم، أو حتى المعاصر. بحسب «مراكز الأبحاث الأميركية والإسرائيلية العسكرية» فإن إيران اليوم تحديداً هي بلد «نووي»، وإن لم تكن نتائج هذه المراكز مجرد دعايات بغرض التحشيد الدولي ضد طهران، فإنه من المتأخر أن نعرف أن إيران «نووية»، وأنها تستعد لإعلان هذا التحول الاستراتيجي في موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط في الفرصة المناسبة، وان المسألة لا تزيد في حقيقتها عن «سياسة إعلان حدث دولي خطير». «اللعبة النووية» خطرة، ولكنها لن تصل حد الحرب الفعلية، فلن تتجرأ الولايات المتحدة على تدمير البنى التحتية الإيرانية، لا لضعف منها، ولكن خوف توسع رقعة الرد، فيختلط الحابل بالنابل، وبالطبع لن تكون إيران قادرة على تحقيق أمنية خطابها السياسي «محو إسرائيل من الوجود»، إلاّ أن هذه اللعبة تمثل حالاً من التوتر السياسي الذي يقمع تلك الآمال في انتعاش إقتصادي تحتاجه إيران بالفعل، وطهران لابد أن تعي أن طفرة النفط الحالية إذا ما قمعت باللعبة النووية، فهي بنفسها الخاسر الأول. يلعب «العراق الجديد» دوراً إصلاحياً بين شتى الأطراف المتنازعة في هذه اللعبة، ولعله بذلك يصلح خطأه التاريخي في معاداة جاره في الثمانينات والعدوان عليه، ولعله بذلك يعطي بارقة الأمل نحو تصالح تاريخي بين العراق وإيران طال انتظاره. وبأمل أن يسعى الإيرانيون إلى إنهاء الملفات العالقة بينهم وبين دول الخليج العربي، وعلى رأسها «ملف الجزر المتنازع عليها مع دولة الإمارات العربية المتحدة»، وملف «الإرهاب». تبقى العلاقات الاستراتيجية بين دول الخليج وإيران حساسة ومحورية، وخصوصاً على الصعيد التنموي والاقتصادي، إذ يستطيع هذا التحالف «الجيو اقتصادي» المأمول أن يكسر احتكار«النمور الأسيوية» لمردودات التجارة الدولية في منطقة آسيا، وهو ما سيخلق الكثير من الحلول المباشرة والمؤثرة لأكثر الملفات الداخلية تعقيداً داخل شتى دول هذه المنظومة السياسية، ولتحقيق ذلك، على أحمدي نجاد أن لا يحرق أصابعه «بلعبته»
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1207 - الأحد 25 ديسمبر 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1426هـ