«هوامل تخرجك بنفورها وتحديها من الواحد الشامل: جواب واحد تقدمه ثقافة واحدة أو دين واحد أو مذهب واحد أو شيخ واحد أو معتقد واحد أو منطق واحد، وتصلك بهوامل المتعددين والمتنوعين والمتكوثرين». (الكاتب علي الديري). هذا القول أعلاه جاء من نص معد للنشر في صحيفة عربية لأهم تحقيق قرأه الديري في العام 2005 في الصحيفة ذاتها عن كتاب «الهوامل والشوامل» لابن مسكويه وأبوحيان التوحيدي، الذي «أخفي قديما خوفا عليه من سخط العامة»، وعنونه بـ «ذهبت لهوامل التوحيدي أشق شارعاً جديداً لمدينة عربية جديدة». ويبدو أن الديري لم يذهب إلى التوحيدي ليحدث فجوة في شارع، بل إلى أسئلته الفلسفية» فالهوامل كما يشرحها «هي النياق الشاردة بلا راع»، وبها سمى أبوحيان أسئلته وهي 175 سؤالاً والتي بعث بها إلى مسكويه. فأجابه مسكويه بأجوبة سماها «الشوامل». القصد من المقدمة القصيرة التي من فرط ما فرضت نفسها كما في حالنا، هو طرح أسئلة لمطاردة التناقضات في فضاء لابد من تحرير سقفه الديمقراطي المنخفض، المقياد للحريات العامة، وفي القلب منها حرية المعتقد والحريات الشخصية، المدرجة ليس في تنويعات التطبيق والممارسة الديمقراطية الحقيقية، بل لكي نعيش وننشط من دون أن «نتناهش» أو نكشر عن أنياب واحدة تفترس زيداً، وأخرى تلمع ليخشى منها عبيد، العاشقة أو الكارهة «جيناته» لسحر التغيير من تحت «قبة البرلمان أو خارجها»، مع أن، لا الأرض ملئت عدلاً بعدما ملئت جورا، ولا هم يحزنون: فالحال كما يبدو هو الحال بالنسبة» إلى «زيد وعبيد» من المشاركين أو الممتنعين عن المشاركة في العملية السياسية الجارية في البلاد، فلا هؤلاء غيروا الخريطة السياسية ولا أولئك، وما كان موجودا، هو هو بالمقاييس نفسها، لأن اللاعب الأساسي «لا يوجد عنده إلا هذا الموجود»، ولا تسألوا كيف، ولا لماذا، وما السبب، وهل من الممكن وغير الممكن؟ فمن قبل بهذا السقف (كما تشير سبابتهم على القوى الفاعلة في المجتمع)، فأهلا وسهلا به، ومن تمرد عليه (الموجود) بقول «لا» سلمية معتقة في فلسفة المهاتما غاندي «اللا عنف»، فـ «لا أهلاً به ولا سهلاً»» ويبقى الجميع هكذا في حلم دائم، فالقابضون على ترسيخ السائد سيشددون قبضتهم عليه، إذا لم يهددوا بـمقولة «الرجوع بالأوضاع إلى المربع الأول» التي تعرفونها من كثرة ترديدها، والمتمسكون بالمكتسبات وتطويرها، سيطالبون ويطالبون من دون ممارسة للديمقراطية التي يناضلون من أجلها، والحالمون من الناس سيظلون محكومين بطرفي الكماشة: للمقاطعة أو للمشاركة، وهكذا. ألم تلاحظوا أن الأسئلة هي هي، كما كانت عليه سنة ،2002 ولا أحد يسأل لماذا أسئلة 2002 يعاد اجترارها في نهاية ،2005 وربما ستستمر حتى مطلع انتخابات ،2006 أو ما بعدها. تعرفون لماذا؟ لأن مبررات الممتنعين عن المشاركة، وبعض المشاركين هي نفسها لما كانت عليه آنذاك» فالذين قاطعوا الانتخابات الماضية، ربما تعززت قناعتهم بجدوى تسجيل موقف من دستور 2002 ومن التراجعات التي تلت وحزمة القوانين التراجعية التي فاضت، وقد يذهبون بعيدا في سقف مطالباتهم. لأنهم يشعرون بأن «الشراكة» بين الشعب والحكم منقوصة في مجلسي الشورى والنواب، بالنسبة إلى التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية، وهي المهمتان الرئيسيتان لأي برلمان في العالم لأي بلد ديمقراطي كان، أو يخطو صوب الديمقراطية. أما الذين سيشاركون ربما يجدون مبررات تنفع الناس أو تنفعهم، ومن أهمها: الحد من الفساد وفضح المفسدين ما أمكن، ومحاولات لفصل السلطات للوصول ببرلمان كامل الصلاحيات عن طريق «التدرج»، ومن ثم تخفيف الاحتقان السياسي ما أمكن تخفيفه، وتعزيز الثقة بين الشعب والحكم. إذاً، الذين سيشاركون في الانتخابات المقبلة، وإن كانوا من المقاطعين سابقا، لهم مبرراتهم، والذين سيقاطعون لهم قناعاتهم، تماماً كما كان في انتخابات ،2002 لأنه لحد الآن لم تقدم تنازلات حكومية محسوسة للولوج بسلطة تشريعية ورقابية كاملة الصلاحيات» فالأسئلة ستبقى كما كانت، والمبررات، والمبررات المضادة لم تتغير، وكأن الساعة توقفت عند الفصل التشريعي الأول في ،2002 وهنا يحتاج الناس إلى أسئلة جديدة ومتحركة، ومنطق وعقل جديدين، ونفس شغوف بالبحث للتنوير والاستضاءة، ولذلك، وكما يقول الديري في نصه: «إن الجواب يحتاج إلى حركة السؤل. إن الشامل معوز ومحتاج وفقير إلى الهامل، إلى حركته وروحه واحتجاجه ونهمه. لذلك كان ابن مسكويه محتاجاً إلى التوحيدي، محتاجاً إلى سؤاله، أكثر مما كان التوحيدي محتاجاً إلى جواب ابن مسكويه». هذا، وإلا سنظل نشرب حليب الناقة من خف الجمل،
العدد 1206 - السبت 24 ديسمبر 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1426هـ