على مدى يومين من النقاش والبحث اختتمت يوم الأربعاء الماضي في دبي ندوة تناولت مسألة الإعلام في الشرق الأوسط ودوره في التأثير على أمن مجتمعات تمر في مرحلة انتقالية. أشرفت على تنظيم طاولة النقاش مؤسسة «انيغما» للدراسات والبحوث الاستراتيجية ومركز «ستانلي فاونديشن»، الذي يهتم بتطوير النقاش بشأن القضايا المتعلقة بالحريات والإصلاح. وشارك في أعمال الندوة 42 صحافياً ينتمون إلى هيئات وصحف ومحطات من بلدان عربية وأوروبية وأميركية. تناولت المداخلات الكثير من النقاط المتصلة بدائرة الإعلام ودوره في إعادة صوغ المفاهيم المتعلقة بقضايا الإنسان والحرية وحق التعبير ومدى تأثيرها على التوازنات ومشروعات الإصلاح وأمن المنطقة. وبسبب اتساع رقعة الزوايا المتداولة اضطر المشاركون إلى التطرق إلى مجموعة عناصر تتفرع عن الموضوع أو تتأثر به. ودار نقاش طويل بين الحاضرين تناول أوجه ارتباط الثقافة بالإعلام ومدى اتصاله بالايديولوجيات السائدة في المنطقة. كذلك تطرق المشاركون إلى صلة الإعلام بالسياسة ومواقف الحكومات والتوجهات المختلفة للشرائح الاجتماعية ودور الدول الكبيرة في المنطقة والسياسات المتبعة حيال الموضوعات المدرجة حديثاً أو تلك المتجمدة أو المتوارثة من صراعات إقليمية موجودة في أجندة دول المنطقة وعواصم القرار. وفي هذا الصدد تركز النقاش في اليوم الأول على مساحات إعلامية تهتم بها المحطات والاذاعات والصحف وترى فيها مداخل قوية للتنافس والانتشار وكسب المشاهدين. كذلك ناقش الحاضرون موضوع التأثير الإعلامي على توجهات الشارع واستجابته الإيجابية أو السلبية للمفاهيم المطروحة للمعالجة وخصوصاً إذا ترافقت مع تدفق المعلومات والصور المباشرة من موقع الحدث. وتناول المشاركون مسألة الإعلام في الأنظمة الكلية ودور أجهزة الرقابة في فرض وصايتها على مصادر المعلومات ومواقع الإنترنت وغيرها من وسائل تقنية تستخدمها المعارضة لبث وجهات نظرها ونشر أفكارها أو استخدامها وسيلة لطرح أفكار غيرها من تيارات ومنظمات. فشعور «الأنظمة الكلية» بعجزها عن السيطرة يدفع أحياناً بعض أجهزتها إلى تنظيم صفوفها والبدء في شن هجوم معاكس لمحاربة القطاع الإعلامي الخاص ومصادرته أو التشويش عليه أو التضييق على مصادره المالية لمنعه من الاستمرار في الصمود أو المنافسة. واتجه المشاركون في ندوة دبي إلى معالجة التأثير الإعلامي على العالم العربي، فتحدث الكثير منهم عن الاختراقات التي أحدثها الإعلام من دون أن يحدث تحولات في ذهنية المشاهد. فالمتلقي لايزال حتى الآن يكتفي بممارسة دور المراقب ولم يتحرك إلى الشارع للمطالبة بتحقيق تلك الشعارات التي يسمعها أو يراها على الشاشات. فالتفاعل لايزال حتى الآن يقتصر على السلبيات ولم يتطور إلى موقف ايجابي ينفعل بما يسمعه ويدور حوله وأمامه. إلا أن التأثير الإعلامي فرض حضوره على رغم كل تلك السلبيات. فالمشاهد العربي يتابع الآن مجرى الحوادث في فلسطين والعراق والعالم ويرى أمامه تفصيلات كثيرة كما حصل مثلاً مع النقل المباشر للانتخابات التي جرت في العراق أو مصر أو فلسطين. ولاحظ المشاركون في الندوة أن المشاهد العربي على رغم كل التحولات لايزال يميل إلى متابعة مسلسلات الدراما أكثر من الأخبار، ولايزال أيضاً يميل إلى مشاهدة المحطات المحلية أكثر من الفضائيات والمحطات العربية. فهناك كما يلاحظ الكثير من البرامج المتنوعة المتدرجة من أفلام توثيقية أو برامج للترفيه والتسلية لكنها حتى الآن ليست كافية للقول إن العالم العربي يشهد ثورة إعلامية. فالحديث عن دور إعلامي في صناعة الرأي العام مبالغ فيه. وأعطى المشاركون معلومات قيمة عن شركات التلفزة والفضائيات لتأكيد عدم أهمية تأثير الإعلام في صناعة الرأي العام، فذكروا ان هناك أكثر من 120 محطة في العالم العربي ولكن عدد المحطات التي يتابعها المشاهد ويهتم ببرامجها لا يتجاوز 20 محطة. كذلك تحدث المشاركون عن تفشي الأمية في العالم العربي، فهناك أكثر من 70 مليوناً لا يعرفون القراءة والكتابة كذلك لا يتجاوز عدد الذين يطالعون الصحف يومياً نسبة 1 في المئة من السكان. وعلى رغم هذه السلبيات والفجوات الاجتماعية والثقافية اتفق المشاركون على أهمية الإعلام ودوره في زيادة المعرفة ونشر المعلومات عن المناطق العربية. فالمحطات أسهمت في تقريب الشعوب العربية وفتح المجتمعات على بعضها بعضاً والتعرف على عاداتها وتقاليدها ومشكلاتها وانقساماتها وهي قضايا كانت مجهولة سابقاً أو مغطاة بشعارات عامة تتحدث عن الوحدة والقومية كمفهومين مجردين من العناصر الواقعية. وبشأن متابعة المشاهدين لنشرات الأخبار أشار أحد المشاركين إلى استطلاع أجري في أكتوبر / تشرين الأول الماضي في 6 دول عربية أظهر أن 45 في المئة من المشاهدين يتابعون محطة «الجزيرة» وتأتي بعدها «ام. بي.سي» بنسبة 12 في المئة. ثم «ال.بي.سي» بنسبة 10 في المئة و«العربية» 9 في المئة، أبوظبي 8 في المئة، المنار 4 في المئة، مصر 3 في المئة، وأخيراً محطة «الحرة» 1 في المئة. وتطرق المشاركون إلى بروز أهمية الإعلام العربي في نهاية التسعينات وتحقيق بعض المحطات قفزة عالمية إلى درجة أن الكثير من المنابر الدولية أخذت تستخدم الأشرطة والمعلومات والأنباء التي تبثها تلك الفضائيات. وذكر الحاضرون بعض أمثلة وما صدر عن مسئولين في دول أوروبية والولايات المتحدة من تصريحات سلبية تنتقد الإعلام العربي وتدعو إلى محاصرته أو ضربه عسكرياً كما دعا الرئيس جورج بوش في لقاء جرى مع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير. وركز المشاركون في اليوم الأول من طاولة النقاش على المشكلات السياسية ودورها في تعطيل دور الإعلام. فالمشكلة سياسية وليست في المعلومات، وانتقدوا في هذا الصدد الكيفية التي تتعامل بها الإدارة الأميركية مع القضايا العربية. واعتبروا أن الاستمرار في مثل هذا السلوك الاعطباطي يعزز كثيراً تلك المشاعر السلبية ضد الولايات المتحدة. وذكر المشاركون انه على رغم التقصير الإعلامي لايزال معظم سكان المنطقة العربية يعتمدون في معلوماتهم على أخبار محطات التلفزة والفضائيات ولكن تلك المعلومات لاتزال مراقبة من قبل الدول أو من المصادر الإعلامية نفسها بسبب ضيق هامش الحرية في العالم العربي، وانتقد المشاركون إهمال المحطات العربية طرح المشكلات الحقيقية وهموم الناس. وهناك من يكتفي باستعراض الأخبار الرسمية ويطرح بسطحية الكثير من القضايا المهمة. وشكك بعض المشاركين في صحة الأنباء التي تقول ان المحطات أسهمت في تطويرها أو توضيحها، وتساءل: «هل أصبحنا فعلاً نعرف أكثر عن بعضنا؟». وأشار إلى استمرار نوع من تنميط الشخصيات العربية وتغييب الحياة اليومية للناس والاكتفاء بطرح الموضوعات العامة التي لا تتحدث عن مشكلات سكان المنطقة. وحتى الآن لاتزال الصورة غير واضحة عن الكثير من الدول العربية وموقعها ودورها وما تعانيه شعوبها من مصاعب لا نجد من يتابعها على الشاشات والفضائيات. وعلى خط مواز انتقد المشاركون في ندوة دبي الإعلام الأجنبي ورؤيته للعالم العربي وعدم اكتراث العالم الخارجي بما يحصل في البلدان الأخرى الا حين يتعلق الأمر بمصالح الدول الغربية. فالإعلام العربي برأي بعض المشاركين ليس مختلفاً كثيراً عن الإعلام الغربي. فالأخير أيضاً يتعرض لنقد حكوماته وأحياناً يفرض عليه نوع من الرقابة حين تتعلق المسألة بالمجال الأمني والمصالح المباشرة، فهناك أيضاً ما يشبه الرقابة الذاتية التي تظهر فجأة في لحظات ومحطات معينة. فالانحياز الإعلامي لا نقاش فيه وليس صعباً ملاحظته كما تكرر مراراً في الحرب على العراق والموضوع الفلسطيني، أو في ازدواجية المعايير أو التناقض ما بين المبادئ الأخلاقية التي تنادي بها الولايات المتحدة وتمارس عكسها في التعامل مع قضايا الشعوب والحريات. وأعطى المشاركون أمثلة كثيرة من أفغانستان والعراق وفلسطين ومصر ولبنان. واتجه بعض المشاركين إلى نقد الإعلام العربي متهماً إياه بعدم الابتكار والبحث عن وسائل جديدة. فالكثير من البرامج المعروضة مستنسخة عن شبكات المحطات الغربية. وهناك الكثير من البرامج تترجم ويعاد بثها أو تقليدها كما هي من دون إضافات أو تنويعات. وانتهى المشاركون من مناقشات اليوم الأول من الندوة إلى جملة خلاصات عامة أكدت أن الإعلام لا دور له الآن في صنع الرأي العام الا في حدود نسبية. كذلك اتجه المشاركون إلى عدم الخلط بين الإعلام والديمقراطية. فالإعلام من الديمقراطية وأحد أدواتها وليس كل الأدوات المطلوبة لنهوض ديمقراطية حقيقية. واتفق المشاركون على أن تأسيس المحطات التلفزيونية والفضائيات لم يأت في اطار رؤية عامة وانما ردة فعل على أفعال، ولهذا ابتعدت عن مجتمعاتها. فهي محطات في مجملها خاسرة وتجارية ومن دون هوية وتفتقد لهامش من الاستقلال النسبي المطلوب. وسبب ضعفها يعود أصلاً إلى عدم تحديدها لوظيفتها وماذا تريد أن تقول للناس؟ فهل تريد أن تعطي الناس ما تريده أو تستهدف ايصال رسالة إلى الناس بغية ايقاظهم لوعي مشكلاتهم؟ اختتم اليوم الأول على نوع من الاتفاق على ضرورة إحداث تغييرات جديدة في «الرؤية التلفزيونية» واطلاق مبادرات إعلامية تستثمر الكاميرا في صناعة الصورة وتنبيه الرأي العام إلى مخاطر كثيرة تتهدده
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1206 - السبت 24 ديسمبر 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1426هـ