إن القفزة الاقتصادية التي حققتها ماليزيا في السنوات الثلاث الأخيرة ضمن خطتها المعروفة باسم «فيجن 2020» وذلك عبر منظور جديد ومفهوم آخر للمجتمعات والدول الإسلامية الذي يسميه ويعرفه الماليزيون بـ «الإسلام الحضاري»، هي خطوة لا يمكن أن يغفلها الزائر لماليزيا. وماليزيا اليوم لا يقل تطورها عن دول الغرب المتقدمة إن لم تكن واقعاً تضاهيها وتنافسها إذ إن الساسة الماليزيين جادون في خطتهم وفي تقديمهم انموذجاً «مختلفاً» عن الدولة الإسلامية هذا الأنموذج الذي بدأه منذ سنوات رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد ويكمله رئيس الوزراء الحالي عبدالله بدوي في مشروعات تطمح إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية المتعددة وتحويل العاصمة كوالالمبور إلى نقطة تسوق عالمية ومقصد رئيسي للسياح الأجانب وعلى رأسهم العرب الذين سهلت الحكومة الماليزية عليهم بتوفير خدمات من وضع لافتات بالعربية في المطارات وفي غالبية المجمعات التجارية ومدن الترفيه والمتنزهات إلى تخصيص شارع مسمى بشارع العرب في كوالالمبور يضم المقاهي والمطاعم والأزياء والعطور العربية في لفتة طيبة من الحكومة الماليزية لاستقطاب وجذب السياح من المنطقة العربية. «الإسلام الحضاري» الذي ينادي به الماليزيون حالياً هو أسلوب رائع لنقل صورة متمدنة وحضارية عن المسلمين وخصوصاً في ظل ما هو موجود على الساحة من نماذج متشددة نقلت بعض المجتمعات إلى الوراء بل ونادت بممارسات أساءت إلى صورة الإسلام كدين وقد تفاقمت تلك الصورة بعد حوادث 11 سبتمبر / أيلول التي قلبت الموازين في نظرة العالم إلى الإنسان العربي والمسلم عموماً. الماليزيون يقومون بعمل أكثر من رائع لبلدهم وهذه النقلة النوعية لم تتحقق الا عندما انصهرت طوائف واثنيات المجتمع الماليزي بصورة متناغمة مطبقة روح وتسامح الدين الإسلامي في دفع عجلة التقدم لأفراد مجتمعها جميعاً من دون استثناءات. قال لي وكيل وزارة السياحة الماليزية أحمد زاهد حميدي أمس الأول بعد المؤتمر الصحافي في جلسة عشاء ضمت الإعلاميين «إن روح الإسلام موجودة لدى الماليزيين المسلمين لكن هذه روح متجددة متمدنة تواكب العصر واحتياجاته وخصوصاً إن كان بلد مثل ماليزيا يضم في جعبته 10 اثنيات وطوائف كل منها لها احتياجات وخصوصية نحترمها ونؤمن بوجودها وانصهارها بداخل تركيبة وثقافة مجتمعنا»... هذا الكلام الجميل قلما نسمعه اليوم في البحرين أو في دول الشرق الأوسط التي تنتابها الحروب والمنازعات الطائفية وحتى المناطقية... إن كنا بحق نريد تقليد الماليزيين ونحتذي بتجربتهم سواء في البحرين أو غيرها من دول المنطقة فعلينا أن نعلم أنفسنا حب الطرف الآخر وتقبل الرأي والرأي الآخر وعدم هضم حقوق الآخرين من أجل أن نتقدم وندفع بعجلة التطور داخل مجتمعاتنا العربية. والبحرين بحاجة إلى مثل هذه الروح التي أصبحت شبه معدومة وان كنا نريد للبحرين مثل ماليزيا فمن الضروري أن تزرع مثل هذه العقلية بدءًا من السلطة إلى عموم الشعب وأن نكون أكثر واقعية وأكثر جدية في تحصين أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 1206 - السبت 24 ديسمبر 2005م الموافق 23 ذي القعدة 1426هـ