ما الذي يجب على المعد عمله؟ ما هي مقومات نجاح أية صفحة؟ هل يكفي أن يأتي المعد مشحونا وواثقا من إمكاناته وأدواته؟ هل للشكل الذي تخرج به الصفحة دور فاصل في نجاحها؟ هل اللجوء الى البذاءة، والإثارة، والإساءة، وافتعال الأزمات، وفتح الجبهات وافتعالها، محفز كبير لتحقيق - أية صفحة - انتشار، ولو كان على حساب القيم والأخلاق؟ هل تكفي ثقافة المعد لأن تكون بطاقة ترشحه للخروج على الناس والقرّاء بما يدهشهم، ويتلمسون من مؤشرات تطوره وتطور صفحته اسبوعا تلو أسبوع، وشهراً تلو شهر، وعاماً تلو عام؟ أسئلة ربما تكون حاضرة وملحّة وماثلة لدى القارئ والمتتبّع، أكثر من حضورها وإلحاحها ومثولها لدى المعدّ نفسه، لأن الإجابة عليها تكشف جانباً من وصفة لا يمكن تعلّمها، لأنها تظل جزءاً مما تربى عليه، وجزءاً من نفسيته، وما روّض نفسه عليها!
ثمة أمر في غاية الأهمية، وهو أن مؤشرات الاختلاف بين البشر أنفسهم، تظل متفاوتة ومتباينة، ولولا ذلك التفاوت والتباين، لما أصبح لهذا التراكم المدهش من الإبداع والفن والجمال، أية قيمة تذكر، تماما كما هو الحال مع تعدد الفصول في حياة البشر، فيه اتساع لحوافز الإقبال على الحياة، واستقبال ايامها بأمزجة ورؤى مختلفة.
يبقى إشكال الانفتاح على بعض النصوص المحلية - بغض النظر عن قيمة ما تقدّمه - قائماً، وخصوصاً إذا ما استطاعت بعض الصحف أن تجتذب اليها أسماء خليجية كبيرة، ولأكثر من سبب، بعضها يعود إلى العلاقات التي تربط المعد بتلك الأسماء، وبعضها اطلاع بعض الأسماء على طبيعة ما يقدم في الصفحات المعنية بالأدب والشعر الشعبي، ما يدفعهم إلى التواصل وبحميمية بالغة. هذا الإشكال تواجهه «ريضان»، من دون الانحياز الى أي نص - سواء كان محلياً أو خليجياً، مادام المقياس والضابط الحقيقي لنشر تلك النصوص يعود أولاً وأخيراً إلى الإضافة التي يمكن أن تقدمها، ومساحة الجمالية التي يمكن لمسها - ربما مع القراءة الأولى لبعض النصوص.
مؤاخذات بعض الإخوة على نشر نصوص من دول شقيقة، خفت حدتها نوعا ما، ولكنها تطل برأسها بين فترة وأخرى، مع إغفال ما لا يمكن إغفاله، أن جل المؤاخذات تلك صادرة من عدد من الأسماء المعنيّة بالساحة الشعرية، والتي لها أكثر من سبب وتبرير وأكثر من شرط للتعاطي والتعامل مع بعض الصفحات المحلية، وهي شروط تبدو مقبولة - ظاهراً - وخصوصاً أن الذين يقدمون ملاحظاتهم ويعربون عن مؤاخذاتهم بشأن توجهات كهذه، يلاحظون أن بعض الصفحات لا علاقات لها مع معظم الشعراء، وانما يلجأ محرروها إما إلى الشبكة العنكبوتية، وإما الى المجلات والصحف التي عفى عليها الزمن، في سبيل ملء مساحات محكومة بزمن ووقت محدد من قبل إدارة التحرير، وفي ذلك ضحك على القراء بالدرجة الأولى، وخصوصاً إذا كانت تلك القصائد تشكل ما نسبته 90 في المئة من مساحة الصفحة! ويتعدى الأمر نشر النصوص «البايتة»، إلى المقالات نفسها، وهي واحدة من التقليعات والصرعات الجديدة التي لم تعرفها صحف المنطقة وباتت حكرا على بعض المحررين عندنا. ولكن ما لا يمكن قبوله من تلك الشروط هو ابتعاد تلك الأسماء عن النشر في الصفحات المحلية، فيما تعطي ملاحظاتها عن بعد، وتعيب تواصل نشر نصوص لشعراء خليجيين قاموا بالتواصل معها، من دون اللجوء الى الأساليب التي أشرت اليها سابقا. تواصل الشعراء من خارج الدائرة المحلية يكشف عن نجاح الصفحة في لفت انتباه ومتابعة تلك الأسماء إلى أن ثمة صفحات لها توجه ربما لم يلحظوه ضمن دائرتهم المحلية، من حيث الإخراج والتقديم وحتى توزيع مواد الصفحة. مع أهمية الإشارة إلى أنه ليست جميع النصوص التي ترد من خارج دائرة الساحة المحلية تستحق النشر أو الاهتمام، فمثلما يوجد وهن وضعف وسطحية وتكرار في النصوص هنا، يوجد الوهن والضعف والسطحية والتكرار نفسه في النصوص من خارج دائرة الساحة المحلية، ويظل المقياس والضابط الحقيقي في التعاطي مع تلك النصوص هو مدى قدرتها على القول والصوغ والرؤية المختلفة البعيدة عن الاجترار.
حصول صفحة «ريضان» على المركز الأول في الاستفتاء الذي أجراه البرنامج الإذاعي «أحلى الكلام»، الذي يقدمه الشاعر محمد خلف، ومن اعداد الشاعرة هنادي الجودر، والذي كان موضوعه، التصويت على أفضل صفحات الشعر الشعبي في الصحف البحرينية، لم يكن له أن يتأتى أو يحصل لولا التواصل الجميل والرائع، الذي نحن ممتنون فيه لعدد من الأسماء والشعراء في مملكة البحرين وخارجها، ويظل الفضل لله أولاً وأخيراً، من دون أن ننسى المؤازرة والدعم اللامحدود الذي تلقته وتتلقاه «ريضان» من هيئة تحرير الصحيفة. يضاف إلى ذلك الرفد المستمر بالملاحظات من قبل الزملاء والإخوة الكتّاب والشعراء، وإن لم يشارك بعضهم بالنشر في «ريضان»، لكنه ظل - ولايزال - حريصا عليها عن قرب، ومتابعاً، وناصحاً أميناً لا يبتغي من وراء ذلك سوى أن يرى المنابر الخاصة بهذا اللون من الأدب والشعر، متطورة، متفاعلة، مع الأسماء التي شكلت وتشكل حراك الساحة الشعرية الشعبية في مملكة البحرين. وكلمة شكر وتنويه بدورهم وحضورهم لن تفيهم حقهم الكبير علينا، ويظل دور المعد في نهاية المطاف، دور الذي يتلقى الأمانة فيسلمها كاملة غير منقوصة، وما نردّه من أمانات تصلنا، سببه الوحيد أننا نتعامل معها كما يتعامل كثيرون مع المواد «الممنوعة» التي وإن جاءت تحت عناوين الأمانة، أو الوديعة، إلا أن رفضها واجب ومنجاة من التهلكة، والأمانات التي نرفض تسلمها أو تسليمها تتمثل في النصوص التي يمكنك أن تشم صنعتها ورائحتها الرديئة من على بعد نصف ميل من مبنى الصحيفة
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1205 - الجمعة 23 ديسمبر 2005م الموافق 22 ذي القعدة 1426هـ