العدد 1205 - الجمعة 23 ديسمبر 2005م الموافق 22 ذي القعدة 1426هـ

ملف قرية المقشع... من أزمة «السكن» إلى أزمة «المساكن»!

حق المواطن في السكن الملائم مازال ضائعاً ...

هل يمكن توقع خاتمة «سعيدة» لحكاية مشروع المقشع الإسكاني، والتي طالت فصولها على ما يبدو؟ وهل ستتمكن وزارة الأشغال والإسكان والمحافظة الشمالية وكذلك بلدي الشمالية من الاتفاق على تصور «نهائي» يضع حداً للخلاف المحتدم في القرية بين أهلها ونائبهم وممثلهم البلدي و. .. مع بعضهم البعض، يبدو أن وزارة الأشغال والإسكان، وكذلك مجلس بلدية المنطقة الشمالية والنائب جاسم الموالي وعضو المجلس البلدي جمعة الأسود ومن يمثل الديوان الملكي، لايزالون يواجهون صعوبة تفكيك عقدة توزيع المساكن ضمن مشروع المقشع الإسكاني... والأكثر من ذلك، أن المحافظة الشمالية استقبلت مجموعات من المواطنين، مجتمعين ومنفصلين، يطرحون وجهات النظر والشكاوى والملاحظات فيما يتعلق بنظام توزيع المساكن. ما يحز في النفس فعلاً... أن أزمة السكن في تلك القرية تحولت الى مجرى آخر يمكن أن نسميه «أزمة توزيع المساكن»، زد على ذلك، إشكالية أكثر إيلاماً هي «حال العداء والتنافر والنزاع» التي أصبحت القرية تشهدها بين الفينة والأخرى. ويبلغ مجموع الوحدات السكنية التي يشملها المشروع 91 وحدة، وبحسب الممثل البلدي للدائرة جمعة الأسود، فإن نصف الأهالي تسلموا مفاتيح وحداتهم السكنية، فيما من المفترض ان يتم البدء في هدم القرية القديمة بالمقشع خلال أشهر بعد الانتهاء من عملية اخلاء المنازل القديمة وبعد الانتهاء من الاجراءات التنظيمية والقانونية كافة؟ لكن اجراءات توقيع تسلم مفاتيح الوحدات السكنية الجديدة مقابل تسليم مفاتيح المنازل القديمة والقيام بعملية موازنة واتفاق بعد تثمين البيوت القديمة من أجل البدء في ازالتها خلال الأشهر المقبلة لتكون ضمن مشروع هدم القرية القديمة بالمقشع، شهدت هي الأخرى «أزمة» لعل أكبرها رغبة من استملكت الوزارة أرضه في الحصول على قيمة الاستملاك، وفي الوقت ذاته الحصول على وحدة سكنية مجانية «كمكرمة»، في حين أن بعض المواطنين اعترضوا على تخصيص وحدات صغيرة لعائلة كبيرة.

مشكلة التوزيع... قائمة،

ومن الواضح أن مشكلة التوزيع قائمة، فبحسب الخطة، تستملك الحكومة منطقة القرية القديمة وتهدمها من أجل إعادة تخطيطها وبنائها من جديد لإقامة مشروع اسكاني، ضمن مخططات وزارة الاسكان، ويبقى ذلك المشروع وفق مخططات وزارة الاسكان في خططها المستقبلية. وهذه الأزمة، دفعت الى تحرك الكثير من المسئولين، كما تم تكليف وزير شئون البلديات والزراعة علي صالح الصالح بزيارة القرية قبل عدة أشهر للتنسيق مع الأهالي بخصوص عملية التوزيع...

المعاناة... لها بداية بلا نهاية

لكن المشهد الخفي لأزمة التوزيع تلك، تضرر بعض العوائل المستحقة التي لم تحصل على وحدة سكنية، وهذه الفئة، ننقل صورة عنها الى المسئولين لإعادة النظر في أوضاعها في ظل إشكالية التوزيع القائمة.. ونبدأ بقصة المواطن جاسم عبدالنبي الموالي: في المقشع، كان «جاسم» يحلم مع الجميع، يسامرهم لياليهم ويخطط حلمه مع زوجته التي انتظرت مسكنا يليق بالإنسان طيلة 17 عاما مرت وكأنها مئات الأعوام. بين ليلة وضحاها، تبدد الحلم، فها هو الموالي يخرج من حصة التوزيع وكأن شيئا لم يكن وكأنه لم يحلم يوما ببيت كبقية الأهالي، يقول الموالي: «في منزل والدي، بنيت حجرتين لي، واتفقت مع الوالد على أن أعيش على هيئة المستأجر ووقعنا اتفاقاً أن أدفع له مبلغ 30 دينارا شهريا لقاء بقائي في الشقة. ومرت الأعوام والسنون تترى بعضها بعضا، وها أنا اليوم الوحيد الذي يسكن بين جدران هذا البيت المتهاوي». يتنهد الموالي ويعود «لقد كان البيت عامرا بالأهل، فلدي ثلاثة اخوة متزوجين إضافة إلى والديَّ، وحين جاءت مكرمة البيوت وحصل والدي على منزلين نظرا إلى حجم أسرته، حسبنا أن كل شيء سيكون على مايرام وسنسكن أخيرا في بيت يصلح أن يسمى بيتا فعلا وخصوصا مع الوعود التي حصل عليها الوالد بأنه سيمتلك 3 بيوت (...). وزع والدي السكن على اخوتي الثلاثة وتركني في المنزل لأنني بحسب وجهة نظره كنت مستأجرا وبإمكاني أن أستأجر في أي مكان آخر». يفتح الموالي باب المنزل وهو يقول: «سأدع المنزل يحكي عن حاله بلسان حاله»... يا له من منزل، باب معلق على الجدران، وأرضية يخشى المرء المرور عليها. تكدست الحجر فلم تعد الشمس تعرف للمنزل سبيلا، ولم تعد تدخل إلى جدرانه تيارات الهواء في الطابق السفلي فبات كأنه المقبرة المخيفة. حجر خاوية على عروشها، سلالم مرعبة، تسمع حين تطؤها صوت رمال تقع على الجانبين، ما يدفعك إلى التمسك بالحاجز الذي لا يغني ولا يسمن، وصلنا أخيرا إلى الحجرة، أو لنقل الشقة وظننا أننا سنستنشق هواء الأحياء أخيرا فنحن في شقة، ممر في ممر، حجرة من دون باب، اسرة فوق بعضها البعض وأشياء أخرى... مطبخ في ممر ضيق يضاعف من خطورة الوضع فأي حادث ­ لا سمح الله ­ قد يودي بحياة هذه العائلة لأنه لا مفر لها من المطبخ إلا المطبخ. وفي غرفة النوم حكاية أخرى، حجرة كأن أهلها هجروها منذ مئات السنين، جدرانها بالية، وأرضها تميل إلى أحد الجوانب... الموالي يدخل في الحديث وتطفو على وجهه ابتسامة المهموم الذي لم يعد يفرق بين الحزن والفرح «لا تخف فلن تقع، وعليك أن ترى الحمام قبل أن تغادر، واعذرني فهذه هي الحال»... يا له من حمام، يا له من ملجأ للحشرات بأنواعها. تطوف على وجه الموالي غمامة من الحزن وهو يرانا نتأمل فيما فعل به الزمن المر، وتكاد دمعة خجلى تنحدر على وجنتيه وحينها يقول: «لنذهب إلى غرفة الأولاد ونتحدث أكثر». في الطريق القصير إلى الحجرة التي لا تبعد سوى ست خطوات عن حجرة النوم، سألنا الموالي عن حاله المعيشية فأجاب: «أنا أعمل في وزارة الصحة مزارعا، ولدي من البنين والبنات أربعة، وراتبي 225 دينارا، وأحصل من هذا الراتب على 100 دينار شهريا».


الحلم الذي تحول إلى كابوس

وهذه قصة أسرة أخرى نجد سطورها هنا

أم حمزة كانت بانتظارنا في غرفة الأولاد. في البداية يأخذ الموالي ( أبوحمزة) زمام الحديث «عاشت 5 عوائل في هذا المنزل المتهاوي أو لنقل عاش 23 فردا. وحين جاءت المكرمة استبشرنا خيرا لأننا سنحصل أخيرا على بيت، وكبر الحلم حين قيل إن البيوت ستوزع بحسب الأولوية فطلبنا يعود إلى العام 1989 ومن ثم تحول إلى 1994 حين غيرنا الطلب... ولكن جاء التوزيع الذي حول حلمنا إلى كابوس، إذ أعطوا الوالد بيتين على رغم أننا حصلنا على وعود بأن الوالد سيحصل على ثلاثة بيوت نظرا إلى كبر عائلته، ولكن هذا ما حصل، وقام الوالد بتسليم وثيقة المنزل ونحن مهددون بالإخلاء وإلا سيتم قطع التيار الكهربائي عن المنزل، ولكن أين نذهب؟ فهل توجد شقة بـ 30 دينارا؟ هل ستكفي الـ 100 دينار لتدبير أمور الخروج من المنزل؟ قبل أعوام كان بإمكاني العمل والكد في النخيل وغيرها، ولكني لا أتمكن من القيام بأي عمل إضافي بعد أن أجريت لي عملية ديسك». أم لديها تقول: «المشكلة ليست في توزيع البيوت لوحدها، فالأولاد تأثروا منذ خروج العائلة إلى البيوت الجديدة، فهم متعلقون بجديهما كثيرا. كانوا ينزلون إلى الطابق الأرضي كل يوم ليجدوا جديهما ويجلسون معهما، أما الآن فقد خلا الطابق الأرضي من الأحياء البشر، هاجروا وتركوا البيت خاليا». تستجمع أم حمزة قواها وتعود «حتى أن دراسة الأولاد تأثرت بصورة كبيرة، ولم يعودوا الأطفال المجدين الذين أعرفهم، وكل هذا بسبب الوضع المأسوي الذي نعيشه في هذا المنزل ونحن مهددون بالإخلاء». أبوحمزة الموالي يقطع الحديث على زوجته «كل أب يتمنى أن يحقق طموح أبنائه، يطمح إلى أن يرونه قادرًا على تلبية احتياجاتهم على الدوام، ولكن تصور حين يأتي إليك ابنك ويطلب مئة فلس ولا تتمكن من تلبية طلبه... مئة فلس، أتراك تنام في ذاك اليوم؟ كيف تتصور نفسك في هذا الموقف؟».

حق المسكن... حق كل مواطن بحريني

سكن يلملم في جنباته ويضم في أحضانه عائلة حرمت من السكن طيلة هذه الأعوام... سكن لا تصل إليه رسائل تهدد بالإخلاء وقطع الكهرباء... سكن ينام فيه الوالد والوالدة اللذان عانيا الكثير باطمئنان من دون خوف ولا قلق... سكن يحصل فيه الأولاد الأربعة على حق السكون. حق مشروع هو كل ما تبقى إلى عائلة الموالي التي ترفع صوتها معبرة عن حقها في الحصول على وحدة سكنية. ليس هذا الفصل الأخير في قصة قرية المقشع طبعاً، لكن هاتين الأسرتين، هما من «بعض المستحقين» الذين تسبب اللغط الدائر بسبب آلية التوزيع في حرمانهم من حقهم، ما يدفع الى فتح ملف هاتين الأسرتين... وربما أسر أخرى في القرية الصغيرة التي لم تصل عدد وحداتها إلى 100 وحدة

العدد 1205 - الجمعة 23 ديسمبر 2005م الموافق 22 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً