في ساحة شديدة التعقيد كالعراق الذي انتقل الحكم فيها من النظام الدكتاتوري ذي الحزب الأوحد إلى نظام ديمقراطي شارك فيه الشعب بجميع فئاته وأطيافه، بدأ الجميع يتساءل عن المستقبل العراقي الذي يشهد إنجازات واستحقاقات سياسية كبرى لم يحلم بها العراقيون يوماً، فأي القوائم الانتخابية العراقية ستفوز بأكثر الأصوات وتقود عراق المستقبل؟ تعتبر الانتخابات التشريعية الأخيرة مرحلة مهمة من مراحل العملية السياسية العراقية، إذ سبقتها انتخابات لتشكيل الجمعية الوطنية، ومرحلة كتابة الدستور والاستفتاء حوله، فيما ينتظر العراقيون الآن ما ستفرزه الانتخابات الأخيرة لتشكيل برلمان عراقي وحكومة دائمة تنتظرها ملفات في غاية الصعوبة والتعقيد. ولأول مرة في التاريخ، منذ سقوط نظام صدام حسين أبدت جميع القوى السياسية بمختلف انتماءاتها العرقية والسياسية والطائفية مشاركتها في الانتخابات التشريعية للتنافس على مقاعد مجلس النواب الـ ،275 إذ ستوزع 230 مقعداً على المحافظات، في حين ستخصص 45 مقعداً للأحزاب التي لم تفز بأي مقعد على مستوى المحافظة 18: اربيل، الأنبار، بابل، بغداد، البصرة، دهوك، ديالى، ذي قار، السليمانية، صلاح الدين، القادسية، كربلاء، كركوك، المثنى، ميسان، النجف، نينوى، واسط. ويتنافس على هذه المقاعد 7655 مرشحاً ممثلين عن 307 كيانات سياسية و19 ائتلافاً في شكل قوائم انتخابية، لكن هناك قوائم رئيسية تشرئب لها الأعناق، ومن المؤمل أن تلعب دوراً في العراق الجديد، نستعرضها في هذا المقال. قائمة الائتلاف العراقي الموحد تعتبر قائمة 555 أكثر القوائم حظاً في العراق، فهي قائمة المرجعية السيستانية والتي تمثل أكثر من 60 في المئة من السكان، وهي عبارة عن تحالف وائتلاف القوى الـ 5 الرئيسة: حـزب الدعوة الإسلامية بشقيه، والمجلس الأعلى، والتيار الصدري، وحزب الفضيلة، والقائمة المستقّلة بالإضافة إلى الكيانات الأخرى المتمثلة في حزب تجمع الوسط، منظمة بدر، تجمع العدل والمساواة، حركة الديمقراطيين العراقيين، حركة الوفاء التركمانية، حركة حزب الله، حركة سيد الشهداء، ملتقى الإصلاح والبناء، حزب أحرار العراق، جمعية العدالة والاتحاد الإسلامي لتركمان العراق. ولذلك جاءت هذه القائمة خليطاً من أحزاب عدة، وعلى أساسها تم ملء قوائم المحافظات. فمثلاً في محافظة بغداد جاء الأوائل الـ 6 المرشحون من ائتلافات متعددة كما هو مدرج في الجدول: المرشح/ الحزب السيد عبد العزيز محسن مهدي الحكيم، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، إبراهيم عبدالكريم الجعفري، حزب الدعوة، منى نور زلزلة منظمة بدر، نديم عيسى الجابري حزب الفضيلة، حسن طعمت الربيعي، التيار الصدري، عامرة محمد البلداوي مستقلون. ومن الملاحظ ان القائمة التي سبق أن اكتسح تيارها مقاعد الجمعية الوطنية التي أقرت الدستور، اعتمدت على المرجعية الشيعية في العراق مؤسسة بذلك ما يعرف بـ «تسييس الدين» و«تديّن السياسة»، إذ ان المرجعية الدينية في العراق كانت مغيبة عن المشهد السياسي طيلة 70 سنة الماضية، بسبب الحجر والتضييق الذي مورس ضدها من قبل حكومات العراق المتعاقبة بعد ثورة العشرين، فلجأت إلى العمل السري باتخاذ التقية وسيلة لحفظ كيانها، ولم تظهر برامجها إلى العلن. ولما جاءت الفرصة بعد سقوط نظام البعث لم تتردد في المساهمة بشكل فعال وفريد من نوعه على مستوى الوطن العربي، في أن تسير العراق نحو ديمقراطية حقيقية في ظل الاحتلال، وهذا ما تراءى للعيان في البون الشاسع بين ما جرى في الانتخابات التشريعية في مصر وفي العراق بفعل المرجعية التي لم تنزلق إلى مفاتن الطائفية. ما يميّز هذه القائمة انها مبنية على الكوادر الشيعية المتدينة التي استطاعت باقتدار، احتضان التيار الصدري على رغم خروج أحمد الجلبي من الائتلاف، والذي عزاه السيدعبدالعزيز الحكيم ليس لاختلاف في البرنامج، إنما هو نتيجة لقضية فنية تتعلق بحصته داخل القائمة، ما جعل الجميع يطلق عليها قائمة «المتديّنين الشيعية»، وخصوصاً أن مسماها قائمة 555 انطلق من السورة الخامسة، الآية 55 من القرآن الكريم «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا»، فرموز هذه القائمة يرون ان الدخول في الانتخاب قائم على التكليف الديني وليس التشريف، إذ إن الرهان قائم على بناء وطن جديد للجميع من دون استثناء، ويتخذ من الشريعة الإسلامية نهجاً له، وفقاً لرسالتهم «العمل على ضمان حقوق الشعب العراقي بجميع أديانه وقومياته ومذاهبه وتياراته، واعتبار ان الدفاع عن الإسلام والمسلمين هو المرتكز الأساس لتحقيق ذلك». برنامج هذه القائمة مبني على عدة محاور، أهمها المواطنة واعتماد الكفاءة وعدم التمييز «تحريم التمييز الطائفي والعنصري وبث روح الكراهية والحقد»، والتركيز على استبعاد حزب البعث من أجهزة الحكم وتضييع الفرصة على أية محاولة لاستعادته، لأنه العدو التاريخي الذي سحق الطائفة الشيعية «الإسراع في عزل المجرمين من البعثيين وأعوان النظام السابق والإهاربيين وتقديمهم إلى المحاكمة العادلة»، وتعزيز النظام اللامركزي منعاً لعودة الدكتاتورية «السعي إلى تشكيل الأقاليم وفق الدستور وبما يحفظ وحدة العراق ودعم اللامركزية للمحافظات»، والعمل على خروج المحتل «إنهاء الوجود الأجنبي العسكري وكل مخلفات الاحتلال». وعلى الصعيد الاجتماعي جاء ملف عوائل الشهداء وضحايا التعذيب ابان حكم صدام من أهم أولياتها، إذ ستعمل بجد على سن قانون مؤسسة الشهيد. القائمة العراقية الوطنية تسمى اصطلاحاً بقائمة علاوي، رجل العراق القوي، الذي ولد في مدينة الأعظمية ببغداد، لأب عراقي وأم لبنانية. درس في مدارس وجامعات بغداد، وتخرج في كلية الطب بجامعة بغداد، وحاز عدة شهادات عليا في مجال الطب من جامعة لندن. علاوي كان أحد أبرز قادة الاضطراب السياسي الطلابي العام ،1962 الذي قاده حزب البعث، وتصادم علاوي حينها مع الشرطة وكسرت ساقه، كما شارك في انقلاب تموز ،1968 الذي أوصل البعثيين إلى سدة الحكم، ولما لمع نجمه في صفوف الحزب أثار مخاوف صدام حسين، فسارع الأخير إلى إرساله إلى لندن لإكمال دراسته، وفي الوقت ذاته تكليفه مسئولية الإشراف على التنظيمات الطلابية، ومراقبة المعارضين للنظام، وهناك تعامل علاوي مع المخابرات البريطانية، ومع اختلافه مع صدام حسين ارتبط علاوي بالمخابرات الأميركية. استطاع علاوي أن يقنع 14 حزباً من مختلف الأطياف للانضمام إلى حزبه المعروف بحركة الوفاق الوطني تحت ائتلاف القائمة العراقية الوطنية، ومن أبرز هذه الأحزاب: «التجمع الجمهوري العراقي» بقيادة سعد عاصم الجنابي، «الحزب الشيوعي» بقيادة حميد مجيد موسى، «حزب الديمقراطيين المستقلين» بقيادة عدنان الباججي، «الحزب القاسمي الديمقراطي» بقيادة قاسم أمين الجنابي، «عراقيون» بقيادة غازي عجيل الياور، «الهيئة العراقية المستقلة» بقيادة فلاح النقيب، «حركة الوفاء للعراق» بقيادة الشيخ حسين الشعلان، «شيوخ التركمان الأحرار» بقيادة إياد جمال الدين، و«تجمع الفرات الأوسط» بقيادة حاكم خزعل خشان. هذه القائمة تطرح في برنامجها السياسي بناء مؤسسات أمنية قوية، واعتماد اقتصاد السوق، وتشجيع الاستثمار وخصوصاً في مجال الخدمات العامة. ويعتبر إياد علاوي الشخص الأنسب لقيادة الحكومة العراقية لدى القيادات الأميركية والحكومات العربية المتخوفة مما يسمى «الهلال الشيعي»، إذ إنه شيعي علماني محسوب على الخط البعثي، وفي الوقت ذاته بعيد عن خط المرجعية الشيعية، فلذلك جاءت قائمته (من كل زيجة ركعة)، من أجل كسب رضا الجميع بهدف تشكيل حكومة وطنية تساندها بعض الحكومات العربية، والتي شحذت همة قنواتها الفضائية لبث دعائيات انتخابية لصالح قائمة علاوي (731). وفي حال فوز هذه القائمة، يتحتم على علاوي تقليص دور الأحزاب الشيعية القائمة على المرجعية، وإبعاد الأخيرة عن التدخل في السياسة، وتنشيط حزب البعث وإعادة كوادره إلى أجهزة الحكومة والجيش، والتعاون مع «هيئة علماء المسلمين» السنة. ولايزال سيناريو علاوي في التعامل مع الأكراد غير واضح، إذ أظهر نفسه بطلاً قومياً يسعى إلى تشكيل حكومة وطنية لا فيدرالية، فهل سيصبح الأكراد ملفاً يستغله منافسو علاوي لإقلاقه في منامه؟ قائمة التوافق العراقية ما يميز الانتخابات العراقية الجارية هو مشاركة السنة العرب فيها، وخصوصاً بعد مقاطعتهم انتخابات الجمعية الوطنية والاستفتاء على الدستور، ويبدو ذلك واضحاً في حجم الإقبال الكبير على هذه الانتخابات، إذ قدر المسئولون العراقيون عدد المشاركين في الانتخابات بما بين 10 و11 مليوناً من أصل 15 مليون ناخب في أنحاء العراق، وهو ما يعني إذا تأكدت صحة الأرقام أن نسبة الإقبال تتراوح بين 67 و73 في المئة. وتعكس هذه الأرقام الفارق الكبير مقارنة بـ 58 في المئة شاركوا في انتخابات الجمعية الوطنية المؤقتة في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، و63 في المئة صوتوا في الاستفتاء على الدستور يوم 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. اللافت للنظر ان غالبية الجماعات والأحزاب السنية تراجعت عن موقفها الرافض للتعامل مع حكومة في ظل الاحتلال، إذ إن تلك الأحزاب، وعلى رأسها الحزب الإسلامي، ترى في المشاركة فرصة لحصول الطائفة السنية على دور في العملية السياسية، والدخول في أجهزة الحكومة وإدارة موارد الدولة، وعلى رغم هذه الدعوات، مازالت هيئة علماء المسلمين، على موقفها الرافض للمشاركة في الانتخابات، بل في العملية السياسية كلها، لأنها ترى انها منبثقة عن الاحتلال، وان المشاركة تعني إضفاء الشرعية عليها وعلى المؤسسات الناتجة عنها. وتحالفت 3 قوى هي: «مؤتمر أهل العراق»، «مجلس الحوار الوطني»، و«الحزب الإسلامي»، لتشكل قائمة التوافق العراقية للدخول في الانتخابات، وحاربت كل ما يعوق دخول السنة في المعترك السياسي، إذ قال الأمين العام للحزب الإسلامي طارق الهاشمي في مؤتمر صحافي عقده زعماء الكتل الثلاث: ان «المشاركة الانتخابية أصبحت ضرورة وطنية وضرورة شرعية
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1204 - الخميس 22 ديسمبر 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1426هـ