أجلس احيانا مع بعض شبابنا البحريني فأجد بعضهم مثقلا بأفكار انشطارية متشنجة تجاه الآخر، أيا يكن الآخر. وفي البيت الواحد الاسلامي وغيره يوجد اكثر من اختلاف واختلاف. فلنختلف لكن يجب ان نتقن أدب الاختلاف. كيف نتقن حضارة الاختلاف. نحن بحاجة الى معرفة أدب الحوار، أدب النقاش. كيف نقدم فكرتنا بعيدا عن التخوين والتجريح وآليات الفرز؟ يجب ان نعلم شبابنا التسامح وتحمل كل آخر. حين كنت أناقش بعضهم فقهيا كنت اقول لهم دلوني على فقيهين سنيين أو شيعيين يلتقيان في كل فتاواهما ويتطابقان في كل الآراء والفتاوى؟ لا يوجد. إذاً لماذا نحن نتشنج ضد بعضنا بعضا، ونكرس في وعي ابنائنا هذه الخلافات الوهمية. بقيت ساعتين أتحدث لهم عن فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي (الفتاوى المعاصرة) دار القلم، وعن اختلافه عن بقية الفقهاء من أهل السنة والجماعة. ثم انتقلنا الى الفقهاء الشيعة وبين أيديكم الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والسيد المرتضى (علم الهدى) والشهيد الثاني وصاحب الحدائق والجواهر الخ كل واحد منهم يختص بفتاوى تختلف عن الآخر. هل تعلمون ان الشهيد الثاني يرى حلية ذبائح أهل الكتاب؟ راجع «شرح اللمعة»، وبعضهم يشترط التسمية. وصاحب الحدائق في ج13ص79 يرى جواز بلع ما تبقى من الطعام بين الاسنان في الصيام، ويرى ايضا عدم مفطرية الغبار الغليظ ج.13 ص.72 ويرى عدم وجوب تقليد الأعلم وجواز التبعيض. يا اخواني، لا يوجد فقيه إلا وله آراء فقهية تختلف عن الآخرين من الفقهاء، فلماذا نتشنج ضد بعضنا بعضا. كل فقهائنا على خير إن شاء الله سنة وشيعة. ثم تحدثت معهم عن بعض الآراء التي خالف فيها السيد الخميني رأي المشهور، فهو فقيه وهذا ما وصل له اجتهاده. منها جواز اللعب بالشطرنج من دون قمار وهو يرى الواجب دفع الخمس كله الى الفقيه باعتبار ان حق السادة مصرف وليس سهما. والسيد الخوئي يرى عدم اشتراط حضور الإمام في الجهاد الابتدائي بخلاف السيد الامام وهكذا. عدا عن عشرات الفتاوى التي يختلفون فيها. وهناك من الفقهاء من يحرم سماع الموسيقى مطلقا وهناك من لا يحرم الموسيقى الكلاسيكية التصويرية كالسيد الخوئي. هناك من يرى احتياطا وجوبيا ستر المرأة للوجه وهناك من لا يرى ذلك كالسيد الامام. السيد فضل الله مثلا يرى طهارة الانسان مطلقا حتى الكافر. هناك فتاوى مختلفة ومتباينة سأقوم بطرحها في بعض المقالات للفقهاء المعاصرين والمتقدمين معتمداً في ذلك على المصادر ذاتها، وسترون ان الاختلاف هو اثراء للأمة ويدل على العلم وقيمة الاجتهاد. ما أريد ان اثبته لشبابنا إن الاسلام عظيم وأكبر من ان يحصرنا في قضايا جزئية. يجب ان نتعاون ونتوحد وندخل مساجد بعضنا بعضا وندخل كل مآتمنا بلا استثناء متحابين. يجب ان نبعد الساحة عن أية تشنجات ونقرب قلوب الناس الى بعضها وهذا ما يدعو اليه الفقهاء والاسلام. ما كان التقليد يوما أزمة فلماذا نخلق منه أزمة؟ تجمعنا العشرات من القواسم المشتركة فلنفعلها ولننظر اليها بعين واعية تتفهم الاختلاف ووجهات النظر. في القرية الواحدة يجب ان تتوحد الصفوف لصالح مطالب الناس من الخدمات وغيرها وفي البيت الواحد كذلك، فكما يقول الرسول (ص): في تفرق الاخوان عرس الشيطان. نحن بحاجة الى بعضنا بعضاً كبشر كمسلمين ومسلمين ومسيحيين وحتى غير المسيحيين فنحن عندما نذهب الى الخارج للعلاج ولاجراء العمليات لا نسأل عن خلفية الطبيب الثقافية. نعم لحوار الحضارات وللتلاقح الانساني. نحتاج الى عقل تواصلي بين البشر متفهم لتطور العصر من دون ان يلغي ثوابت الدين والعقيدة. ونحتاج إلى تعميق الفقه المقاصدي الذي يراعي تغير الزمان والمكان عند التعاطي مع الحياة. سأطرح في المقالات القادمة الآراء الفقهية إذا ما اقتضى الحال لكل من الشيخ القرضاوي والسيد فضل الله والشيخ محمد الغزالي والسيد محمد باقر الصدر وبقية الفقهاء
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1202 - الثلثاء 20 ديسمبر 2005م الموافق 19 ذي القعدة 1426هـ