يحكى فيما يحكى، أن شعباً عربياً كتب بيديه «دستوره» بعد أن عاش نيفاً وثلاثين سنة من القهر، واختار بإرادته أعضاء سلطته التشريعية بالكامل، وقد كانت تتلاعب به رؤوس الثعابين وتمتص دمه، وهو اليوم سعيد بخياره، سعيد بحريته. يعاني هذا الشعب من بعض «المشكلات» التي تنشأ في أي مكان عربي تصدمه الحرية إذ أتته بين ليلة وضحاها، ولذلك «اشتعل» الغوغائيون الطامعون في التحكّم برقاب الناس، فلم تستطع مصبّاتهم التاريخية أن تحمل حقيقة أن يحتكم الناس إلى «صناديق الإقتراع»، وقد كان هؤلاء يسوقونهم كـ «الرعاع». العراقيون، بعد أن أسسوا بنيتهم السياسية الفيدرالية بخياراتهم الذاتية وعبر الاقتراع السري، وبعد أن اختار أبناء العراق شتى سلطاتهم الحاكمة، هم اليوم ثاني الديمقراطيات المتكاملة في الشرق الأوسط. العراقيون اليوم «إخوة»، لا فضل لأحدهم على الآخر إلاّ بما تريد أكثرية الناس، وليست الديمقراطية إلاّ «ديكتاتورية الأكثرية»، شاءت عقولنا ذلك أم أبت... لا فرق، «الإنسان عدو ما يجهله»، وذلك تحديداً هو التوصيف والتحليل الأدق للمرضى من الإعلاميين الخليجيين، سواء من كانت حساباته الشخصية مليئة من كوبونات النفط، أو من تعبث به «لوثة» البعث وتاريخيتها المهزومة في 7 أيام من الحرية والتحرير، فهو كالرجل المسروق في أولى أيامه، تقتله الحسرة والإحساس بالهزيمة والنكسة، ولا نخفي هنا شيئاً من الشماتة. الأميركيون يسرقون النفط، أو هم يضمنون أمن «إسرائيل» باحتلالهم العراق، هذا ديدن خطابات الموجوعين من تحرير العراق. لا مشكلة، العراقيون راضون، فسرقةٌ مع حرية، خيرٌ من سرقة يتبعها «القتل»، وأمن «إسرائيل» «رقم ثابت» لا يتغير، عاش صدام رئيساً للعراق، أو استخرج من حفرة كالجرذ... لا فرق. العراقيون اليوم «أحرار»، عراق اليوم مفتوح لأبنائه جميعاً، وإن كان البعض يعتبر العراق «محرقة» فهو واهم، فليست الأمور من منظور سيسيولوجي سوى دورة عنف تأتي وتشتد وتنتهي، هم «يائسون» لا يجدون لأنفسهم من خيار مجد سوى الموت قهراً وغيظاً، وقريباً تسقط آخر أوراقهم في مزابل التاريخ. العراقيون متفقون على ضرورة جدولة انسحاب للقوات متعددة الجنسيات من أراضيهم، وشتى الأقطاب السياسية لا تريد لهذه القوات أن تبقى بعد أن يستكمل العراق بناء مؤسساته الأمنية، وهذه الجدولة أمست قريبة، بعدها سيحاول «اليائسون» المتبقون أن يعيدوا الكرّة ، وسيلعبون بالنار، لكنها «تمت»، ولن يعود العراق إلى سابق عهده «الدموي»، مهما حدث. عن أية حرية تتحدث بقايا البعث هنا أو هناك، إذا لم تكن الحرية والديمقراطية اختيار سلطة الحكم وممثلي الشعب عبر صناديق الاقتراع من دون نسب «التسعينات» العربية، وإذا لم تكن الحرية أن يعيش الناس تحت ظل دستور اختاروه بأنفسهم، فأين هي الحرية والديمقراطية؟، إلاّ أن فصل الحديث في العقليات محسوم، وقد قالوا قديماً «حدّث العاقل بما لا يليق، فان صدّق فلا عقل له»، والناس تعرف أن عراق اليوم هو «حر ديمقراطي» وفي واقع الحال، لا أحد يكترث اليوم بما يكتب المجانين، والشعوب العربية التي لم تنتصر للقدس وهي مظلومة، فهي لن تسمع لهؤلاء الحمقى والعراق «منتصر»!
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1202 - الثلثاء 20 ديسمبر 2005م الموافق 19 ذي القعدة 1426هـ