ينقل الكثير عن تاريخ البحرين بعراقته وامتداده في التاريخ، ومن بين الذين هاجروا إلى البحرين لكثرة ما سمعوا عنها وأحبوها في القرن السادس عشر الميلادي كان أحد كبار علماء لبنان وهو «حسين بن عبدالصمد الهمداني»، وهو والد الشيخ البهائي الذي كان مقرباً في أصفهان آنذاك. وقد انتقل والد الشيخ البهائي إلى البحرين وتوفي فيها في العام 1576م ودفن في مقبرة «أبوعنبرة» بالقرب من مسجد الخميس. وينقل عن والد الشيخ البهائي الكثير مما قاله عن البحرين وأهلها... وعندما هاجر إلى البحرين ذهب إلى أحد مجالس العلماء في جدحفص، وخرج من ذلك المجلس متأثراً، وقال ابياتاً من الشعر المشهورة «أناس في أوال قد تصدوا لمحو العلم واشتغلوا بلم لم... إذا جادلتهم لم تلق منهم سوى حرفين لم لم لا نسلم». وقد كان مستغرباً من كثرة الأسئلة التي يطرحها الناس «لم هذا ولم ذاك»، إلى الدرجة التي قد ينسون السلام لانشغالهم بالأسئلة الكثيرة. ليس معلوماً إن كان والد الشيخ البهائي قد قال شعره متهكماً أو ناقداً أو مازحاً، لأنه أيضاً كتب إلى ابنه (الذي كان يعيش في عز في أصفهان) ينصحه بالهجرة إلى البحرين «إذا اردت الدنيا فاذهب الى الهند، وإذا اردت الآخرة فأتِ إلينا (البحرين)». مهما كانت التفسيرات، وهي تخصص المحققين في التاريخ، فإنه بلاشك في أن شخصاً رفيعاً في العلم ترك بلده الأصلية (لبنان)، وانتقل إلى البحرين وعاش فيها ومات، وقبل موته نصح ابنه (رفيع الدرجات لدى حكام أصفهان) بأن يهاجر أيضاً إلى البحرين. ولكن شعره الذي أطلقه عند وصوله إلى البحرين يكشف عن خاصية قد تكون حسنة وقد تكون سيئة، وهي كثرة السؤال التي قد تصل إلى مستوى الجدال وتضييع المعرفة (محو العلم). لقد كثرت الأسئلة في الساحة البحرينية، والأسئلة ربما هي ذاتها لا تتكرر، بل إنها قد أشبعت كثيراً وأصبح الخطاب السياسي جامداً على قوالب محددة وصارمة. وهذه القوالب الجامدة تجدها في جانبي المعادلة السياسية، في الجانب الرسمي وفي جانب المعارضة... وهذا ما قد يؤدي إلى تضييع الموضوعات والانشغال «بلم لم»، على حد تعبير والد الشيخ البهائي. إن من حق المعارضة أن تطرح مطالبها المشروعة وأن تدافع عن آرائها، ومن حق الجهات الرسمية أن تطرح وجهة نظرها، ولكن ينبغي علينا ألا نجمد على قوالب معينة بحيث تختفي كل الايجابيات ويتم تكبير السلبيات فقط. وقد انتبهت القوى السياسية المخلصة إلى هذه النقطة في الآونة الأخيرة، وهي منشغلة هذه الأيام بترتيب أوضاعها الداخلية والاستعداد إلى مرحلة أخرى في العام ،2006 ربما تقود إلى مشاركة الجمعيات المقاطعة. وفي حال شارك المقاطعون، وعلى رأسهم «الوفاق»، فإن البحرين ستشهد حراكاً جديداً وستتحول عدد من الملفات الجامدة الى قضايا متحركة، تتحرك بأدوات الواقع لتبحث عن وسائل أفضل تلبي طموحات أوسع. ربما أننا انشغلنا كثيراً بالأسئلة (لم لم) خلال السنوات الأربع الماضية، وربما أن ذلك من حقنا جميعاً، ولكن على أن لا يشغلنا التساؤل المستمر عن العمل بما هو متوافر بين ايدينا، وعلى أن لا يؤدي تكرار الأسئلة إلى «محو العلم»، بمعنى القضاء على أصل الموضوع الذي طرحت الأسئلة حوله. إن لدى المعارضة جمهوراً واسعاً يبحث عن فرص لتلبية جزء من تطلعاته، وهذه بحاجة إلى جد واجتهاد، وتخطيط لمرحلة أخرى من العمل السياسي الهادف إلى تعزيز الحريات العامة وتطويرها إلى المستوى الذي تتطلع اليه أكثرية شعب البحرين.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1201 - الإثنين 19 ديسمبر 2005م الموافق 18 ذي القعدة 1426هـ