تعرضت سفينة شحن ترفع العلم الأميركي هي ميرسك ألاباما صبيحة يوم 8 أبريل/ نيسان الماضي، والتي كانت تحمل معونة غذائية أميركية لإفريقيا، للخطف من قبل القراصنة الصوماليين على بعد 300 ميل من ساحل الصومال.
في نهاية المطاف، انسحبت السفينة وملاحوها إلى السلامة، بينما أُخِذ ربانها ريتشارد فيليبس رهينة من قبل القراصنة الذين هربوا في قارب صغير. بعد نشر قوات بحرية أميركية كبيرة، قُتِل القراصنة وتم إنقاذ الربّان.
هل انتهت القصة؟
ليس في الواقع.
لم تكن تلك أول حالة قرصنة تقع قرب السواحل الصومالية ولن تكون الأخيرة. تم خطف ناقلة نفط سعودية عملاقة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي وهي تحمل نفطا خاما قيمته مئة مليون دولار، وحصل القراصنة في نهاية المطاف على ثلاثة ملايين دولار كفدية.
تصاعدت حدة القرصنة بشكل درامي في السنوات الأخيرة، وجرى الإبلاغ عن أكثر من مئة حادثة قبالة الساحل الصومالي العام 2008. ويُعتقد بأن العالم الجاري سيكون أكثر خطورة، حيث أعلن مكتب الملاحة العالمي عن نحو 70 حادثة خلال الشهور القليلة الأولى من العام 2009، بينما يحتجز القراصنة الصوماليون حاليا نحو مئتي بحار من دول مختلفة رهائن، ومن بينهم آسيويون وعرب وأوروبيون شرقيون.
يسعى القراصنة الصوماليون فعليا «لتبرير» هذه الهجمات في مجتمعهم المحلي. وهم يبررون هجماتهم ضد سفن عالمية على أساس أنها تمثّل تغلغلا أجنبيا في المياه الإقليمية الصومالية للانخراط في عمليات صيد غير مرخصة وإلقاء نفايات سامة.
تتصاعد كلفة القرصنة على الاقتصاد العالمي، وخاصة اقتصادات دول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا. لقد عملت القرصنة قرب الساحل الصومالي على تضخيم كلفة التأمين البحري وزادت من أسعار البضائع المرسلة عبر الخط التجاري الرئيسي هذا.
من المعتاد أن تعبر نحو 20000 سفينة كل سنة هذه المياه وهي تنقل البضائع، إضافة إلى 7 في المئة من نفط العالم. إضافة إلى ذلك قامت العديد من السفن بإعادة توجيه رحلاتها حول إفريقيا لتجنّب القراصنة وأسعار التأمين المرتفعة. ويعاني اقتصاد مصر بالذات من تغيير المسار.
وقد رد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بقوة على القرصنة مقابل الساحل الصومالي بإصدار قراره رقم 1851 في ديسمبر الماضي.
يسمح القرار للدول الأعضاء بملاحقة القراصنة وإلقاء القبض عليهم بإذن من الحكومة الفيدرالية الانتقالية للصومال (كما فعلت البحرية الأميركية لإنقاذ القبطان فيليبس).
إضافة إلى ذلك تم إرسال قوات من حلف الناتو وغيرهم من قوات مكافحة القرصنة إلى المياه الصومالية عبر مساحة تغطي 6.6 ملايين كيلومتر مربع، أي نحو عشرة إضعاف مساحة ولاية تكساس.
ومن الأمور ذات الأهمية الكبرى كذلك أن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة أصدر شريط فيديو في شهر مارس/ آذار الماضي ناشد فيه المجموعات الإرهابية الجانبية التي تعمل في الهوامش المظلمة للمجتمع الصومالي أن تثور ضد الحكومة الجديدة.
ومن المثير للانتباه أنه لم يتم اكتشاف روابط عضوية قوية بين القراصنة الصوماليين ومجموعات الإرهاب الدولي مثل تنظيم القاعدة. إلا أن تواطؤا محتملا بين القراصنة وشبكات الإرهاب في تلك المنطقة سريعة الاشتعال من إفريقيا الشرقية تشكّل مصدر اهتمام أمني محتمل.
تشكّل القرصنة البحرية دائما أعراضا لقضايا مزمنة على الأرض. لذا يتوجب على الرد الدولي على القرصنة مقابل الساحل الصومالي، إضافة إلى مساندة أمن الملاحة البحرية، أن يركز على القضايا الجوهرية للدولة، مثل غياب الحكم الجيد والنمو الاقتصادي. كان الصومالي دائما، حتى في مضمون إفريقيا، واحدا من أفقر الدول وأقلها انضباطا خلال العقدين الماضيين، حيث لا يتجاوز الناتج الوطني الإجمالي للفرد بضعة مئات من الدولارات سنويا (وهو منخفض لدرجة أنه يصعب قياسه)، وحالة تقرب من الفوضى الكاملة لم تنته إلا منذ فترة وجيزة.
سنحت لنا الفرصة في فترة مبكرة من شهر أبريل باللقاء بشكل خاص مع وزير الخارجية الصومالي محمد عبدالله عمر، بعد مؤتمر قمة جامعة الدول العربية في قطر.
ما علمناه منه هو أن المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة والعالم العربي وأوروبا، يملكون الآن فرصة لإصلاح هذا الوباء المتمثل بالقرصنة من خلال المساعدة على إنهاء حالة النزاع المستمرة منذ عقدين تقريبا في الصومال.
المكونات الرئيسية هي: أولا، الدعم السياسي والمالي للحكومة الجديدة في الصومال وعملية السلام الشاملة التي أطلقت في جيبوتي في يناير/ كانون الثاني، بما فيها الدعم لجهاز الأمن الصومالي.
ثانيا، المعونة المتزايدة بشكل مثير للمساعدة على رفع مستوى المعيشة في الصومال وإعطاء الشباب سبيلا للخروج من الفقر والقرصنة إلى الازدهار.
وثالثا، قطع مجالات شرعية القرصنة في المجتمع المدني من خلال ضمان نهاية لصيد الأسماك غير الشرعي وإلقاء النفايات السّامة مقابل الساحل الصومالي. يجب متابعة ذلك إضافة إلى نشر قوات بحرية دولية، وهو أمر يجري حاليا.
لم يحقق الحل العسكري حتى الآن نجاحا ملموسا. هناك حاجة لإطار استراتيجي أكثر شمولية.
لدى الولايات المتحدة والعالم العربي وأوروبا فرصة نادرة للتعاون على هذه الأهداف المشتركة وتطبيق استراتيجية بعيدة المدى تمكّن حكومة الصومال الجديدة وتنهي بشكل فاعل آفة القرصنة، وتوجِد من خلال ذلك نماذج جديدة للتعاون الدولي.
*المدير المؤسس لمركز كارنيغي الدوحة وزميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز. -باحثة مساعدة بمركز بروكنغز الدوحة. والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2433 - الإثنين 04 مايو 2009م الموافق 09 جمادى الأولى 1430هـ