المنطقة تهتز سياسياً وأمنياً بفعل السياسة الأميركية المنفتحة على أكثر من موقع للسياسات الغربية، الى جانب السياسة الصهيونية، في خطة الأكاذيب الاستخبارية التي ارتكزت عليها الاحتلالات الأميركية، ولاسيما الاحتلال للعراق الذي اعترف الرئيس الأميركي بأنه ذهب الى العراق بالاستناد إلى «معلومات استخبارية خاطئة»، مدافعاً في الوقت ذاته عن قرار إبقاء الاحتلال قائلاً: «ليس بالإمكان أن نغادر العراق قبل تحقيق النصر». والسؤال الذي نوجهه إلى الرئيس بوش وإلى إدارته: من الذي يحمي الشعوب الواقعة تحت ضغط المصالح الأميركية من «الأخطاء» القادمة للاستخبارات الأميركية، سواء على مستوى ضغط الاحتلال غير القانوني الذي لم يحصل على شرعية الأمم المتحدة، أو الخطط الاقتصادية والسياسية التي تربك مصالح الشعوب في الضغوط الهائلة التي تطبق على مواقع معارضيها أو أصدقائها لإخضاعها لمصالحها الامبريالية؟ حتى أننا قرأنا عن وثائق سرية نشرتها وسائل إعلام أميركية تتحدث عن أن «البنتاغون» «يشن حرباً نفسية بكلفة 400 مليون دولار لتحسين صورة واشنطن في كل أنحاء العالم»، بما في ذلك الدول الحليفة، كما أن الأجهزة الأميركية تتجسس في الوقت ذاته على الجماعات الأميركية المناهضة للحرب، وعلى النشاطات السلمية الداعية إلى السلام. والسؤال للدول الأوروبية التي أيدت أميركا في احتلالها، ودافعت عن الأساس الذي ارتكزت عليه، بما في ذلك بريطانيا من خلال رئيس وزرائها مدافعة عن موقفها التحالفي معها: ما هو موقفها الآن من تكذيب الرئيس الأميركي لكل منطقها في الدفاع عن الاحتلال؟ إن أميركا ماضية في الحرب السياسية على المنطقة، وفي التهديد بالعقوبات الاقتصادية وغيرها ولاسيما على سورية من أجل ترويضها وإخضاعها لتأييد احتلالها للعراق، ولإبعادها عن دعمها للشعب الفلسطيني بحجة اتهامها بدعم ما تسميه الإرهاب، مستغلة موقعها في مجلس الأمن الذي تتحرك فيه مع الحليفين الفرنسي والبريطاني. أما لبنان الذي يعيش الاهتزاز الأمني على مستوى الاعتداء على حرية الصحافة والمعارضة، فإنه يواجه الخطر الكبير من خلال الأوضاع القلقة في إسقاط الثقة بالقضاء اللبناني، وإعلان الكثيرين من السياسيين إسقاط صدقيته وفقدانه لصلاحية إعطاء الأحكام للجرائم الواقعة في ساحاته، وإسقاط الثقة بالأمن اللبناني الذي لا يملك القدرة على اكتشاف وضبط الخلل الأمني الذي يتمثل في التفجيرات المتحركة والاغتيالات الوحشية، بحسب أكثر من تصريح أو تحليل لتبرير المطالبة بمحكمة ذات طابع دولي. وربما تصل الأمور بالواقع اللبناني بفعل إيحاءات الوصاية الدولية البارزة إلى المطالبة بقوات الحماية الدولية، تحت تأثير مقولة العجز عن حماية لبنان نفسه في الداخل والخارج. إننا نخشى من وصول المشكلة الى هذا المستوى، ونريد للذين تأخذهم الغيرة على هذا البلد الصغير أن يعملوا على تقوية قواته الأمنية والعسكرية بالتدريب القوي الذي تملك فيه الدفاع عن البلد، وبتقديم الوسائل والآليات التي تمكنه من القيام بذلك، ولاسيما من الدول العربية الغنية التي تتحدث عن الاهتمام بلبنان الأمن والسياسة والاقتصاد. إننا نؤكد على النادي السياسي اللبناني أن يتوازن في طروحاته وفي تحليلاته، بالطريقة التي ينفتح فيها على الحوار العقلاني الموضوعي الذي لا يتحرك في نطاق تسجيل النقاط ضد هذا الفريق أو ذاك، ويبتعد عن أساليب التشنج التي تثير الانفعال وتحرك الغرائز، ولاسيما الطائفية التي قد يتحول فيها الاختلاف السياسي على مستوى المعارضة أو الموالاة إلى هزات طائفية من هنا ومذهبية من هناك، في ظروف قاسية قد تحول البلد ولاسيما في شبابه إلى حريق هائل لا يواجه المستقبل بالقضايا الحيوية والمصيرية التي تنطلق في إطار التحديات في حاجات الشعب المحروم ومشكلاته، وفي الأخطار المحيطة بلبنان كله. ليكن الشعار الموحد هو شعار الوحدة الوطنية في نطاق التنوع السياسي والثقافي والديني الذي يمثل الغنى الحضاري للبلد، إذا أحسنا رعايته وحمايته والتخطيط لـه. إن على اللبنانيين أن يطلقوا الكلمة الحاسمة: لن نخضع لأية قوة أخرى لتعبث بالبلد أمنياً وسياسياً، وإن هناك فرقاً بين الصداقة مع الآخرين وبين الخضوع لهم، ولنحرك العلاقات مع الأشقاء العرب ومع الأصدقاء في العالم على أساس المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل والتعاون على أساس الحرية والقوة للمنطقة كلها، وليكن دور لبنان أن يكون الساحة التي تنفتح على المنطقة كلها بالتخطيط لما فيه صلاح المنطقة ولاسيما فلسطين، ولما فيه صلاح العالم كله، ليبقى لبنان رسالة في ميزان القيم الروحية والإنسانية التي يحملها. ولنؤكد للجميع أننا، في معارضتنا لكثير من السياسات الداخلية والخارجية، ننفتح على الإيجابيات ولا نقتصر على السلبيات. وتبقى قضية الحرية في فلسطين للشعب الفلسطيني ورفض العدوان الإسرائيلي في احتلاله المتنوع في وحشيته ودماره، بالإضافة الى قضية الحرية للعراق في الموقف من الاحتلال الأميركي البريطاني بالمطالبة بانسحابه من أجل انتصار العراق لا انتصار الإدارة الأميركية الذي يريده الرئيس بوش. في الوقت الذي نبارك فيه للشعب العراقي حركته الانتخابية، وكلنا رجاء أن يقف مع وحدته الإسلامية والوطنية محافظاً على هويته العربية، وليكون عنصر تعاون للمنطقة كلها، وحركة حضارية تستعيد للعراق موقعه الحضاري الإنساني والإسلامي في المستقبل كله. وفي الختام، نريد للبنان أن يرتفع الى أن يكون لبنان الوطن للإنسان كله، ويبتعد عن لبنان النظام الطائفي، وتبقى الطوائف في بعدها الإنساني لا العنصري مصدر غنى لـه وللمنطقة كلها
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1199 - السبت 17 ديسمبر 2005م الموافق 16 ذي القعدة 1426هـ