العدد 1198 - الجمعة 16 ديسمبر 2005م الموافق 15 ذي القعدة 1426هـ

برلين بدأت تشعر بالحرج مع تفاعل قضية خطف خالد المصري

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بدأ فرانك فالتر شتاينماير العمل السياسي في سن الأربعين حين شغل منصب مدير مكتب رئيس وزراء ولاية سكسونيا السفلى (عاصمتها مدينة هانوفر) وكان رئيس حكومة الولاية المذكورة رجل اسمه غيرهارد شرودر الذي أصبح في أكتوبر/ تشرين الأول 1998 المستشار السابع لألمانيا الاتحادية وعين شتاينماير في منصب وزير المستشارية ومن بين مهماته الإشراف على نشاطات أجهزة المخابرات الألمانية. قبل أن تنتهي ولاية شرودر أصر الأخير على أن يمسك شتاينماير منصب وزير الخارجية كي يواصل نهج السياسة الخارجية الذي عملت به الحكومة السابقة. أول رحلة إلى واشنطن قام بها شتاينماير هيمنت عليها قضية خالد المصري وهذا مواطن ألماني من اصل لبناني يقيم في مدينة أولم البافارية، عاطل عن العمل، اسمه يصنع الأخبار في ألمانيا والولايات المتحدة، لأنه تعرض للخطف في أوروبا من قبل عملاء «السي آي إيه» ونقل إلى سجن في أفغانستان وظل 5 اشهر مختفياً عن الأنظار من دون أن يعرف أحد شيئاً عن مصيره إلى أن ظهر خالد ذات يوم في مكتب محاميه مانفرد جنجيديش وبدأ يقص عليه قصة مرعبة تتناقلها الصحف العالمية منذ أسابيع وتدور بشأنها مناقشات في الولايات المتحدة وأوروبا. وسط هذه المناقشات يقف شتاينماير إلى جانب وزير الداخلية الألماني السابق أوتو شيلي بوصفهما كانا على علم بما تعرض له خالد المصري من تجربة مريرة على أيدي الأميركيين بينما السؤال السياسي المطروح: هل يعقل أن تقف دولة مكتوفة اليدين وأحد مواطنيها محتجز في مكان ما بأيدي عملاء «السي آي إيه» في بلد لا يسوده القانون؟ يتعين على وزير الخارجية الألماني الجديد أن يكشف عما كان يعرفه منذ البداية عن قضية خالد المصري والإجابة على السؤال الثاني المطروح: لماذا تم تجاهل التفكير بمساعدة خالد المصري المولود في الكويت والحاصل على الجنسية الألمانية منذ العام 1995؟ بعد 3 أسابيع على تسلم حكومة أنجيلا ميركل عملها تواجه أول أزمة لا تهدد زيادة توتر العلاقات الألمانية الأميركية فحسب بل تعتبر عملية اختبار للائتلاف الحاكم في ألمانيا. وفقاً لآخر ما توافر من معلومات في هذا الصدد لم تكن الحكومة السابقة فقط على علم بوجود خالد المصري بقبضة «السي آي إيه» في أفغانستان، بل وفقاً لمعلومات نشرتها صحيفة «برلينر تسايتونج» نقلاً عن موظف سابق في المخابرات الألمانية (بي إن دي) فإن أجهزة الأمن الألمانية نفسها قدمت للأميركيين معلومات عن خالد المصري أنه محسوب على الإسلاميين في مدينة أولم وحين وقع بأيدي «السي آي إيه» كان الأميركيون يملكون معلومات عن حياته في ألمانيا. هكذا يشاع لأول مرة أنه عكس القصة التي راجت سابقاً، لم يتعرض للخطف بسبب خطأ وإنما كان اسمه على قوائم «السي آي إيه» لمجرد أنه كان يزور أحد المراكز الإسلامية في مدينة أولم. وفقاً لما نشر في عطلة نهاية الأسبوع فإن حكومة شرودر/فيشر السابقة خرقت ميثاق أوروبا لحقوق الإنسان بالتزامها الصمت على معاناة المواطن الألماني من أصل عربي. حتى اليوم لم تطالب المعارضة الألمانية برأس أحد، لكن حالما ينكشف المزيد من الحقائق سيشتد الخناق على شتاينماير بالذات لأنه الشخص الذي ينوب عن الحكومة السابقة في الحكومة الجديدة. أما المستشارة ميركل فقد ورطت بتصريحاتها الأخيرة واشنطن حين قالت إن وزيرة الخارجية الأميركية اعترفت بوقوع خطأ. وكي تدفع بعيداً كل شبهة عن حكومتها قالت إنها كلفت شتاينماير بوصفه وزير المستشارية السابق لوضع تقرير بشأن ما كانت الحكومة السابقة تعرفه عن مصير خالد المصري. وفقاً لما ذكرته مجلة «دير شبيغل» في عددها الأخير فإن حكومة ميركل ليست مهتمة إطلاقاً بتوسيع المناقشات بشأن قضية خالد المصري والعمل قدر الإمكان لتطويق مسئولية الولايات المتحدة. إنه الموقف الذي دفع خالد المصري ليصرح في مقابلة نشرتها صحيفة «زود دويتشه» السبت الماضي أنه يشعر بخيبة أمل كبيرة لأن الحكومة الاتحادية لا تسانده لهدف معرفة الحقيقة وراء عملية خطفه. قبل أيام سافر خالد المصري إلى الولايات المتحدة ليرفع دعوى أمام القضاء الأميركي، لكن سلطات المطار أعادته فور وصوله على أول طائرة إلى أوروبا. قال خالد إنه فقد الإيمان بالولايات المتحدة. في تصريحاته الأخيرة ورط خالد المصري الجهات الألمانية حين أشار إلى زيارة قام بها العميل «سام» الذي كان يتحدث اللغة الألمانية بلهجة سكان الشمال واطلع خالد على نبأ انتخاب رئيس جديد في ألمانيا هورست كولر وفي إحدى المرات سأله إذا كان يحتاج إلى شيء من ألمانيا وكل ما أجابه خالد كان سؤاله إذا كانت السلطات الألمانية على علم بمكان وجوده وكان رد «سام»: لا استطيع الإجابة على سؤالك. قال خالد إن الأميركيين سألوه عن الأشخاص الإسلاميين النشطين في مدينة أولم ولاسيما رضا زيام وهو مصري يحمل الجنسية الألمانية وجهت إليه اتهامات بالضلوع في تفجيرات بآسيا، لكن الاتهامات لم تثبت ضده. وأبلغ خالد المصري الصحيفة الألمانية أنه لا يعاني من ذكريات لا تفارقه فحسب بل يجد صعوبة في الحصول على وظيفة، إذ من يريد توظيف شخص وقع بأيدي السي آي إيه؟ أكد خالد أنه لا يطمع بمال لكنه يريد أن تعتذر إليه الولايات المتحدة وترد له اعتباره. وكانت قضية خطف خالد المصري ظهرت لأول مرة بعد وقت قصير على سرده فصولها في يونيو/ حزيران 2004 على محاميه الذي قام بعرض التفاصيل في رسالتين بعثهما إلى مقر المستشارية وإلى وزارة الخارجية الألمانية. لم تصدر تصريحات من قبل المسئولين الحكوميين الألمان حتى بعد نشر القصة في الصحف الألمانية. غير أن ما بدا قصة خيالية على وشك التحول إلى قضية سياسية اخلاقية تلقي أضواء على مسئولية الدولة حيال مواطنيها من جهة، والحريات التي سمحت بها لنفسها وكالة الاستخبارات الأميركية التي تستخدم مطارات أوروبا منذ العام 2001 لنقل مواطنين عرب تختطفهم وتنقلهم إلى سجون التعذيب في عدد من الدول المتعاونة مع السي آي إيه. ليست هناك معلومات محددة بشأن عدد الأشخاص الموجودة أسماؤهم على قوائم السي آي إيه، غير أنه من المؤكد أن خالد المصري ليس الألماني الوحيد الذي تعرض للخطف على أيدي عملاء السي آي إيه. في الصيف الماضي حصلت زوجة محمد حيدر زمار وأولاده الستة الذين يعيشون في مدينة هامبورغ، وهو ألماني من أصل سوري، على رسالة قصيرة يقول محمد فيها: صحتي جيدة وأرجوكم أن تسامحوني. إنها أول علامة تشير إلى وجوده على قيد الحياة منذ اختفائه بعد أسابيع قليلة على وقوع هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة. تعتبر أجهزة الأمن الأميركية زمار على صلة قوية بمحمد عطا الطيار المصري الذي قاد الطائرة الأولى لترتطم بمركز التجارة العالمي. وكان زمار سافر سراً بعد الهجوم إلى المغرب، إذ اعتقل وتم تسليمه إلى السي آي إيه الذين نقلوه إلى سجن في سورية. منذ وقت طويل يعرف المحققون الألمان مكان وجود زمار وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 زار وفد من المحققين بمكتب الجنايات الفيدرالي ومكتب حماية الدستور وجهاز بي إن دي ، زمار في سجنه إذ استجوبوه. وتم الكشف أخيراً أن الألمان عقدوا صفقة مع السوريين أن يتم إلغاء النظر في دعوى مرفوعة ضد جاسوسين سوريين مقابل السماح لهم باستجواب زمار، غير أن الحكومة الألمانية لم تطالب بتسليمها مواطنها السوري الأصل. الأمر نفسه ينطبق على الألماني من أصل تركي مراد كورناز، من مدينة بريمن الذي اعتقله الباكستانيون وسلموه للأميركيين بوصفه أحد أتباع تنظيم «القاعدة» ونقل في العام 2002 إلى معتقل غوانتنامو. كان عمره 19 سنة في ذلك الوقت. وفقاً لبيانات محاميه برنهارد دوكي تعرض كورناز للتعذيب في غوانتنامو بواسطة وضع الرأس في الماء حتى يكاد يلفظ أنفاسه وهي إحدى وسائل التعذيب التي تستخدم في الغالب في عمليات استجواب من تصفهم الولايات المتحدة بالإرهابيين. وقال دوكي إن الأميركيين أدركوا أخيراً أن كورناز بريء ليست له علاقة بالقاعدة ولا الطالبان، لكنهم يرفضون الإفراج عنه. والمحير أن الحكومة الألمانية لا تتحرك لمطالبة الأميركيين بالإفراج عن كورناز الذي أصبح عمره اليوم 23 سنة.

العدد 1198 - الجمعة 16 ديسمبر 2005م الموافق 15 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً