العدد 1197 - الخميس 15 ديسمبر 2005م الموافق 14 ذي القعدة 1426هـ

صدام... شاعراً موهوباً!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عرفناه علماً من اعلام المقابر الجماعية طوال ثلاثين عاماً، محا من ذاكرة العراقيين اسم الحجاج الثقفي. وعرفناه رئيساً «مؤمناً» على طراز مسيلمة الكذاب، إذ ادعى في آخر سنوات حكمه انه من نسل الرسول (ص). وعرفناه روائياً كتب سلسلة من الروايات: «زبيبة والملك»، «القلعة الحصينة» و«رجال ومدينة»، وتوّج مشواره الأدبي العظيم بالرواية الخالدة: «اخرج منها يا ملعون»، لكنّنا لم نعرف عنه انه شاعرٌ موهوب، أيام العزّ... كان الرئيس النابغة يكتب وينشر من دون توقيع، ليس لدواع أمنية وانما لدوافع أخرى أكثر وجاهة... فظفرٌ واحدٌ من إصبع الرئيس أغلى من كل انتاجات الكتّاب والفلاسفة والمفكرين والروائيين. لكن بعد سقوط بغداد والهروب إلى الحفرة تغيّرت المعادلة، فكُتب على غلاف «اخرج منها يا ملعون» العبارة التالية: «رواية لكاتبها صدّام حسين»، إذ لم يعد فخامته رئيساً... مع إهداء بقلم ابنته البارّة رغد، أشادت فيه بأبيها العظيم وشجاعته وبطولته التي لا تضاهى، هذه المعلومات بطبيعة الحال أصبحت قديمةً يعرفها الجميع، لكن الجديد هو ما نشره أحد محاميه من أخبار تكشف ما خسره العراقيون بسقوط الرئيس الذي تتفتق منه المواهب حتى وهو سجين، وإذا كانت القبائل العربية في الجاهلية تقيم الأفراح عندما تُبَشَّر بشاعر يصدّ عنها سهام الأعداء، ويردّ عنها هجمات الشعراء، فإنه يحق لأمتنا العربية اليوم أن تحتفل بالموهبة الجديدة التي تنبئ عن مشروع ولادة شاعر جديد، كما يحق للكتاب العرب من كتيبة «كوبونات صدام» أن يهلّلوا للنابغة الجديد، الخبر السعيد زفّه إلينا وزير «العدل» القطري السابق نجيب النعيمي، الذي تطوّع للدفاع عن الطاغية. ومن كلامه نستشف كم كان مغرماً بالرئيس المخلوع، إذ قال: «كثيراً ما يأتي كلام صدام في شكل شعر مقفى، وقد أمضينا وقتاً ممتعاً ونحن نقرض الشعر ونرتجله في مختلف الأغراض أثناء الحوار معه». الوزير القطري أطلع مراسل «فرانس برس» على قصيدة كتبها صدام بخط يده، ومهرها بتوقيعه المبارك. ومن سوء حظ الوزير، ومن حسن حظنا، أن صحيفة «الحياة» أتاحت لنا الاطلاع على بيتين من «المعلّقة التكريتية»، لنتعرف على التجربة الحداثية الجديدة، فلنقرأ هذين البيتين المعجزين: تناخى النشامى كل يقول خذها أبطال بشعبنا لفعلهم أهلُ الصدق ديدننا بلا مواربة والكذب ديدنهم وكذا البُطل. كقراء محبّين للشعر العربي منذ نعومة أظافرنا، خابت توقعاتنا، خصوصاً بعد أن أصرّ محرّر الصحيفة على تشكيل الكلمة الأخيرة (البُطل) ليؤكد أن الكلمة مقصودة بنفسها. ولا ندري ما دخل «البُطل» الذي تعرفونه، بـ «أبطال شعبنا»، وما دخل الكذب من جانب آخر بـ «البُطل» اللذيذ، الوزير القطري السابق الذي قرض الشعر ارتجالاً في جلسته مع صدام، وتناول «مختلف الأغراض الشعرية» كما يقول، يجعلنا نشكّ في قدراته الشعرية، فمن التجربة الأولى يبدو واضحاً كم هو ضعيفٌ في مادة الأدب العربي، والدليل انه لم يحسن تقييم هذين البيتين الركيكين، الذين لا يستقيمان والأوزان الشعرية التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي. وظاهرٌ لعشّاق الأدب العربي الصنعة والافتعال، فضلاً عن «التكسير» في الوزن، والتنافر بين الكلمات. الجديد سياسياً ومعنوياً، بالنسبة إلى أخبار الرئيس الأسير، أطلعنا الوزير النعيمي على انه لايزال يرفض عرضاً بتنظيم مقابلة مع عائلته، وان «معنوياته مازالت مرتفعة جداً جداً»، وانه لا يأبه بالإعدام، ونقل عنه القول: «إذا صدر الحكم بإعدامي فأطلب أن يتم ذلك رمياً بالرصاص»، ثقافياً وفكرياً، تم إرسال مجموعة أشعار المتنبي إلى صدّام بحسب طلبه، فالرجل مصمّمٌ على أن يدخل اسمه أيضاً في قاموس الشعر العربي، فمنافسة الحجّاج في صنعته الدموية لا تكفي لضمان الخلود، فيطمح لمنافسة المتنبي في ميدانه الجليل، وأخيراً، وثقافياً وفكرياً أيضاً... طلب صدام «مقدمة ابن خلدون» ليطّلع على فلسفة العمران وإقامة الدول... وهو مشروعٌ عظيمٌ وإن جاء متأخراً. ليته فعلها قبل ثلاثين عاماً، فالرجل تسلّم العراق بلداً مزدهراً، وسلّمه للغزاة بلداً ينعق فيه الخراب. من يدري... لعلنا نكتشف مشروعاً جديداً لمنافسة ابن خلدون في كتابة التاريخ...فانتظروا مقدمة القرن العشرين: «كيف تهدم الدول وتخرب العمران»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1197 - الخميس 15 ديسمبر 2005م الموافق 14 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً