منذ ثلاثة عقود بدأها، وعلى رغم كل الصعوبات، واصل مسيرته في الدفاع عن حقوق الأقليات في أميركا، ساعياً الى تغيير، وإن أمكن محو بعض الصور النمطية من أذهان الأميركان للآسيويين والأفارقة و. .. العرب خصوصاً. البحث عن العدالة هو ما دفع المستشار السابق في قناة «سي بي اس» الأميركية، والناقد الإعلامي والكاتب المعروف عالميا جاك شاهين، إلى التوجه لدراساته وبحوثه الحالية، والسعي لاثبات حقائق المساعي السيئة التي تقوم بها بعض الجهات في الغرب لتشويه صورة الشخصية العربية والمسلمة عبر وسائل إعلامها. وهو ما دفع بيت القرآن، لتنظيم أسبوع ثقافي لمناقشة دور الإعلام في تعزيز التفاهم بين الشعوب. والبرنامج الذي نظمه مركز «اكتشف الاسلام»، تضمن ورشة عمل عقدها الناقد الاعلامي ومؤلف الكتاب الفائز بعدد من الجوائز «كيف تشوه هوليوود صورة العرب»، في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول الجاري. تحدّث شاهين عن البحرين وعن ذكرياته فيها قبل 20 عاماً، في آخر زيارة له للبحرين التي يعشقها، وأبدى أسفه لعدم التقاطه صوراً للبحرين يومذاك، فيما لايزال يحتفظ بصور كثيرة لأطفال بحرينيين من تلك الزيارة. انطباعات شاهين عن البحرين لم تتغير يوماً، وهي التي تحمل في ذهنه صورة مشرقة على الدوام، فالبحرين حاضرة أيضاً في أذهان كثير من الأميركيين، وخصوصاً ممن هم «على معرفة ودراية بمنطقة الشرق الأوسط»، وهؤلاء كما يوضح شاهين «يحملون نظرة احترام خاصة لشعب البحرين، نظراً إلى تاريخه الطويل مع بعض الدول الغربية»، لتظل صورته في نظرهم «صورة شعب طيب ومحب ومحترم»، وليس أدل على ذلك من صور البحرين «التي تحتوي دائماً وجوهاً مبتسمة». ويسترسل شاهين: «أعرف أن كل دولة فيها مشكلات، لكن التصور الموجود لدينا عن البحرين هو أنها بلد الابتسامة. ويمكنك أن تقول هذا الشيء حين تلتقي بسفراء الدول العربية، إذ يمكن بسهولة تمييز السفير البحريني لأنه دائم الابتسام، ويروي الكثير من القصص، ومنفتح إلى حد كبير (...)، قد تكون هذه صورة تقليدية نمطية للبحريني، لكنني أرى أنها حقيقة فعلاً».
في ذهنية الغرب وأميركا
في مقابل هذه الصورة، ينقل شاهين صورة مغايرة تماماً يحملها كثيرون آخرون تتجاوز أعدادهم نسبة أولئك الذين يتفقون مع شاهين، إذ يقول «في أميركا نتوارث هذه الصور النمطية المتكونة في أذهاننا من البريطانيين والفرنسيين عن طريق كتّابهم وفنانيهم». ويضيف «كان ذلك هو الحال قبل حوادث 11 سبتمبر/ أيلول، إذ كانت تصوراتنا عن العرب سيئة للغاية، أما بعدها فقد ازداد الأمر سوءاً إذ بدأنا ننفر من كل ما هو عربي ومسلم. اليوم علينا أن نعترف أن هذه الأعمال الإرهابية يقوم بها مجموعة من الطائشين لا تمثل سوى أقلية لا تذكر، لعل آخرها ما حدث في الأردن، وقد خسرت فيها صديقاً عزيزاً هو المخرج الهوليوودي مصطفى العقاد وابنته. وربما يمكنني القول إن العقاد كان مهتماً بتصحيح صورة العرب أكثر من أي شخص عربي آخر في هوليوود، والآن... قتله الارهابيون». هذه الصور النمطية السيئة كما يوضح شاهين كانت موجودة في بلاده منذ ما يقارب القرن «فالعرب في نظرنا هم دائماً أشخاص مختلفون، وبدلاً من البحث عن أوجه التشابه بين ثقافة الغرب وثقافة العرب، تم التركيز على الأسس غير المشتركة، ونتيجة لذلك أصبحت المسيحية واليهودية في طرف، والإسلام في الطرف الثاني». أما خطورة هذا الوضع فتكمن في «أن كل الأمور المتصلة بالعرب متصلة بالاسلام، فإذا كنت عربياً فأنت مسلم، وإذا كنت مسلماً فأنت عربي. وبالنسبة إلينا فإن الصورة التاريخية الموجودة لدينا عن الاسلام هو أنه دين يقمع النساء ويسمح بتعدد الزوجات، وبأن إله المسلمين هو إله مختلف عن إله المسيحيين واليهود». هذه الخرافات طبعاً قضت على دور النساء، وقد تأصل هذا المفهوم في أذهان الكثيرين في الغرب. وهكذا ظلت هذه المشكلة الخطيرة قائمة على جميع المستويات في المجتمع، من الطبقة العمالية المتوسطة من الرجال والنساء إلى أولئك الذين يتسلمون زمام السلطة، الى وسائل الإعلام والصحافيين.
اللوم على العرب أولاً،
يقول شاهين «أعتقد أنه خطأ شارك فيه الجميع، فالعرب أنفسهم بكل تأكيد لم يقدموا سوى القليل لتصحيح صورتهم، حتى الدبلوماسيين العرب لا يتطرقون لهذه القضية بأي شكل، فلماذا مثلاً أقوم أنا كأميركي بالبحث في هذه القضية؟ وليس ذلك فحسب بل إنني ألفت كتاباً بعنوان «العرب السيئون جداً زمفٌ فل ءْفقَّ، وٌُّ بٌٌٌٌُُُّّل ًّىٌىنىمَّ ِمٌُِم» يناقش الكيفية التي صوّر بها العرب في أكثر من 1000 فيلم في هوليوود. الغريب أن هذا الكتاب لا يوجد في أي بلد عربي، وهو غير موجود في البحرين طبعاً، بحثت عنه في كل المكتبات ولم أجده، ربما يوجد في بيروت». ويتساءل شاهين: «لماذا هو غير موجود هنا، فهو يتحدث عن العرب، انه أمر غريب، فعلى رغم جهود البحث المضني عن مادة الكتاب خلال 20 عاماً، لتقديم صورة أكثر إنسانية عن العرب، آتي إلى هنا وأبحث عن الكتاب، فلا أجده. هذا الكتاب يجب أن يترجم إلى العربية، بل وتدريسه لطلبة الجامعات ليستوعبوا المشكلة ويتمكنوا من التعامل معها. وسبق أن أعطيته لشخص مصري لترجمته إلى العربية منذ أربعة أعوام، ولكنه لم يفعل شيئاً حتى الآن».
البراءة من العرب،
ويضيف «أنا ألوم العرب لأنهم لا يفعلون شيئاً، وهو أمر غير مفهوم، فهم يملكون كل هذا التراث الغني والتاريخ العريق، وكل هذه الأموال. طبعاً من الخطأ التعميم، لكني أعرف أن أية مجموعة تم تهميشها في أميركا مثل السود والآسيويين، وتكونت حولها صور نمطية، كلها عملت بجد لتغييرها، أما العرب فلم يفعلوا شيئاً، بل إن بعضهم يتنكرون لأصولهم العربية»، أما الجانب الأكبر من اللوم فيلقيه شاهين على مسئولي الإعلام من الجانبين، ففي أميركا يستغل المسئولون هذه الصورة للحصول على أموال أو لأسباب سياسية أو بسبب كرههم للعرب. أما على الجانب الآخر فهناك الكثير من الأفلام التي تشوه سمعة العرب تأتي من العالم العربي، ولا أحد يكترث. لم يكن من المفروض أن أقول مثل هذا الكلام، لكني كنت في فندق بمصر قبل سنوات، فشاهدت فيلما عربياً رديئاً للغاية فاتصلت بوزير الإعلام السابق وعاتبته على هذا الفيلم الذي يسيء إلى صورة العرب. هذا بينما توجد عشرات الأفلام الأميركية تعرض فيما يزيد على 50 دولة والتي تروج الصورة السيئة للعرب. ويختم شاهين بقوله: «هناك كثيرٌ من اللوم يوجه للجميع، فنحن نلام في أميركا بسبب احتفاظنا بهذه الصورة طيلة هذه السنوات، كما أنه ليست هناك أية نية لتناول هذه المشكلة على المستويات العليا. الصور الموجودة في إعلامنا عن الشخصية العربية صور قديمة تعود لماض بعيد، وهي صور سيئة للغاية، فالنساء العربيات مثلاً لا وجود لهن في المجتمع، وإن وجدن يأتين بعد الرجل وحقوقهن منتهكة. المرأة العربية في إعلامنا هي التي تسير 10 خطوات خلف الرجل مطأطئة رأسها، لا هوية لها، دائماً تقف في الظل تنتظر رجلها أو «معذّبها»، وهي المرأة التي تحمل جرار الماء على رأسها، أو هي الإرهابية أو... الراقصة المثيرة».
مسئولية الدبلوماسيين العرب
هي مشكلة هوية إذاً، كما يرى شاهين، ينكر فيها العرب أصولهم فلا يشعرون بحجم الخطر، ولا يتحركون لتصحيح صورتهم المشوهة كما فعلت الأقليات الأخرى التي تعرضت للتشويه. لكن ما يحدث على الجانب الآخر هو أن الغرب، وخصوصاً من خلال هوليوود، يقدم للعرب أسوأ الصور للعرب، فهم إرهابيون وقتلة، يسعون وراء غرائزهم، ولا يليق بهم وصف «الشعوب المتحضرة». من هنا، ألا تبدو المقارنة بالأقليات الأخرى الأقل تعرضاً للتشويه، مجحفة فعلاً؟ يجيب شاهين: «أتفق معك في كل كلامك، لكن هذه الصورة لن تتغير ما لم يمارس العرب نوعاً من الضغط لتغييرها، وإلاّ سيستمر الحال على ما هو عليه، لديكم الجامعة العربية ما الذي تفعله؟ إذا أردتم أن تغيروا النظرة السائدة عنكم تحتاجون إلى تفكير وتخطيط، وإلى عمل دؤوب. على الساسة العرب أن يتحركوا لتغيير تلك النظرة، وان يجعلوا ذلك جزءاً من الأجندة السياسية عند تدريب الدبلوماسيين وتعليمهم. عندما تتحاورون مع السفير الأميركي يجب أن يكون هذا الأمر جزءًا من الحوار. أنا الآن في البحرين وأتحدث عن هذا الموضوع، لكنني سأعود إلى أميركا وستستمر المشكلة حتى يقوم أحد ما في أي مكان في العالم بتجميع المفكرين أو المسئولين الرسميين للتحرك ولمناقشة المشكلة، ووضع آلية لمواجهتها. صحيح أننا شوهنا صورتكم في الإعلام لكن لسنا وحدنا المسئولين عن ذلك. لقد عملت لفترة طويلة ربما أكثر من أي أميركي آخر لتصحيح هذه الصورة، ونذرت حياتي لهذا العمل منذ العام 1975 حتى الآن، مدفوعاً برغبتي لتحقيق العدالة للعرب والمسلمين، غير مدعوم من أي طرف». ويضيف «واجهت صعوبات عدة إذ لم يرغب أحد في طباعة بحوثي لمدة ثلاث سنوات، منذ العام 1975 .,,1978 لم يرغب أحد في الاطلاع على بحوثي أو طباعتها لأسباب مختلفة لكن كان معظمها سياسية. البعض اعتبرها دعاية للعرب، في حين أنني كنت أنقل حقائق وواقعاً. ذهبت الى لوس انجليس وواجهت بعض مسئولي الاعلام. الأسباب التي قدموها هو أن بعضهم كرهوا العرب، ثلثهم تقريباً يكرهون العرب ويناصرون «إسرائيل»، الثلث الآخر لم يكونوا يكترثون عمن يتحدثون وأية صورة يشوهون، لكنهم يريدون الربح المالي. أما الثلث الثالث اهتموا بالأمر لكن لم يفعلوا شيئاً».
سلطة الإعلام لا حدود لها
لكن إلى أي مدى تملك وسائل الإعلام الغربية تلك الحرية في تشويه صورة العرب وتقديمهم بصورة شيطانية؟ بعد حوادث 11 سبتمبر بدأت الصحف بنشر المزيد من التغطيات عن الإسلام، والكثير جداً عن شهر رمضان وأهمية هذا الشهر والصوم وما يحدث فيه من فعاليات. كما نشرت الكثير من السير الذاتية لبعض المفكرين الاسلاميين المعتدلين أو دعاة السلام منهم. في المقابل بدأت بعض الشبكات التلفزيونية مثل شبكة «فوكس» تحديداً بقيادة ح
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 1196 - الأربعاء 14 ديسمبر 2005م الموافق 13 ذي القعدة 1426هـ