إن جملة التحديات المحلية والعالمية التي تواجه البحرين تخلق ضغوطاً على جملة أنشطتها التجارية والاقتصادية لإجراء تغييرات أساسية في هياكلها وتركيباتها وبرامجها المستقبلية. ولا شك ان احد ابرز هذه التغييرات هو تطوير الطابع التجاري والعائلي للكثير من انشطة الاعمال لتبنى انشطة اكثر قدرة على المنافسة سواء من حيث طبيعة المنتج والتقنية المستخدمة او طبيعة الملكية والتحالفات التي تقوم هذه الانشطة على اساسها. فالبحرين عرفت تقليديا بأنشطتها التجارية. كما ان الرعيل الاول من عوائل رجال الاعمال قد شقوا طريقهم لبناء تقاليد تجارية راسخة استطاعوا من خلالها المساهمة في التطور الاقتصادي والاجتماعي. ولعل الرأس مال التجاري اكتسب قوة دفع جديدة خلال السبعينات بعد طفرة اسعار النفط الاولى، إذ شهدت الانشطة الاستيرادية وتيرة متسارعة من النمو والتوسع الافقي والعمودي، صاحب ذلك اتساع نفوذ ومصالح اصحاب الوكالات التجارية الرئيسية ما عزز الحاجة لدى هؤلاء ببقاء الدور المهيمن للنشاط التجاري والتوسع من خلاله الى انشطة خدمية وعقارية ومالية مكملة ومساعدة. ومع بروز وتنوع الانشطة الصناعية بهدف الاحلال محل الواردات للكثير من السلع والمنتجات خلال الثمانينات تولد شعور لدى الكثير من اصحاب الانشطة التجارية بأن هذه الانشطة الوليدة والتي تحظى بدعم وحماية حكوميين قد تؤثر بشكل او بآخر على انشطتهم التجارية وخصوصاً الاستيرادية، وخصوصاً انه تم اتخاذ بعض الاجراءات لحماية بعض السلع لفترة زمنية محددة لإعطاء المجال امام المنتج المحلي المماثل لتثبيت مكانة في الاسواق. ولعل هذا الخوف هو ما جعل بعض الفعاليات التجارية ان تظهر عدم التحمس للتوجهات الصناعية المبذولة، والامتناع عن المشاركة فيها. الا انه ومع تبلور واشتداد التحديات التى تواجه نماذج التطور الاقتصادي وخصوصاً بعد تزايد التوجهات نحو التحرير الاقتصادي والعولمة، فإن جهود تنويع مصادر الدخل أخذت الاولوية وباتت الحاجة اليها مسلمة ما يستدعي وجود تنسيق اكبر واقوى بين انشطة القطاعات الاقتصادية المختلفة، وفي مقدمة هذه القطاعات قطاعا الصناعة والتجارة نظرا إلى الترابط الوشيج بين مستلزمات نجاح كليهما وبالتالي نجاح جهود تنويع مصادر الدخل نفسها. فمن الجانب الاقتصادي المحلي نجد ان الازدهار التجاري لا يمكن ان ينمو ويستمر اذا ما اقتصرت التجارة على النشاط الاستيرادي، وبالتالي على جانب واحد من انشطتها ، او انها اكتفت لتصدير المواد الخام. فكلا الاحتمالين يضعان البلد في موقع ضعيف، وتجعله اكثر ارتباطا بالتطورات الخارجية والدولية ويصبح معه متعذرا اتخاذ القرارات الاقتصادية بمعزل عن تلك التطورات. لذلك، فإن التكامل والتنسيق بين القطاعين الصناعي والتجاري يعتبران من الضرورات الثابتة لبلوغ مرحلة من النمو الاقتصادي المتوازن والمستديم فالقطاع الصناعي الذي يسعى لتسويق منتجاته محليا وخارجيا بحاجة الى قطاع تجاري نشط بجانبه يساعده على تحقيق هذه المهمة، ويعمل على تحسينها وملاءمتها للمتطلبات المتغيرة كونه اكثر اطلاعا وارتباطا بأموال الاسواق المحلية والخارجية والانماط الاستهلاكية للمتعاملين فيها. وتزداد اهمية هذا الموضوع اذا ما أخذنا في الاعتبار ان فتح الاسواق المحلية سيخلق المزيد من المنافسة الاجنبية، ما يستدعي وجود تعاون وتكامل اقتصادي اكبر بين قطاعات التنمية وليس الظهور بمظهر العمل منفردة باهداف منفصلة.
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1195 - الثلثاء 13 ديسمبر 2005م الموافق 12 ذي القعدة 1426هـ