يقول بن خلدون في الفصل السادس والعشرين من مقدمته واصفاً العرب عامة «فَطَبيعَتُهم إنتهَابُ ما في أيدي النَاس، وأن رزقهُم في ظِلالِ رِماحِهم، وليسَ عندهم في أخذِ أموالِ الناسِ حدٌ ينتهون إليه، بل كلما امتَدت أعُينهُم إلى مال أو متاع أو ماعون إنتهبوه، فإذا تم اقتدارهُم على ذلك بالتغلبِ والمُلك بطُلتِ السياسةُ في حفظِ أموالِ الناس وخرُبَ العُمرَان». أستشف من «بن خلدون» ومن «أدبياته» على واقع الحال البحرينية وعلى أكثر من صعيد دون إبداء أية مقاومة من نصوص بن خلدون لتكون وصفاً تاريخياً بحرينياً بإمتياز، فالعرب هم العرب لا يتَغيَرون ولا يُغَيـَـرُون. نستطيع أن نتمثل الكثير من «الخلدونيات» على أحلامنا، وطموحاتنا، وواقعنا بانسيابية رشيقة البيان، على أن تختار كل فئة من فئاتنا السياسية المتناحرة ما يلائمها من النصوص دون تحرج أو خجل. يقول بن خلدون في الفصل نفسه: «فهُم مُتَنَافِسُونَ في الرِئَاسَةِ وقَلَ أَنْ يُسَلمَ أَحدٌ مِنهُم الأَمرَ لغيرهِ وَلو كانَ أباهُ أو أخَاهُ أو كبيرَ عَشيرتهِ إلاّ في الأقلِ وعَلىَ كُرْه مِنْ أجَلِ الحَيَاءِ فَيَتَعَددُ الحُكَامُ مِنْهُم والأمَرَاء وَتَختلفُ الأيدي عَلى الرَعيةِ في الجِبَاية والأَحكَامِ فَيَفسُدُ العُمْرَانُ ويَنتَقَض». ولنا في مفهوم تداول السلطة، وتجديد وجوهها المثال الأفضل بحرينياً، فالوجوهُ السياسيةُ البحرينيةُ هي نفسُها لا تَتَغير، حكومية كانت هذه الوجوه، أم مُعَارِضَة، وإذا كانت كل سلطة سياسية بحرينية منشقة على نفسها من الداخل قبل الخارج، وبها من التناحر ما يزيد على التوافق، فإن هذا الأمر له مبرره التاريخي الذي ينفي معه أي إحساس بالتوتر أو المفاجأة. ويشرح بن خلدون في الفصل السابع والعشرين هذه الإشكالية ويعرض سببية الإختلاف لدى العرب وانشغالهم عن الحضارة والتمدن بالتنافس على الرئاسة والتسلط، فيقول: «والسببُ في ذلك أنَهُم لخلقِ التَوحشِ الذي فيهم أصعَبُ الأُمَمِ اِنقيَاداً بعَضُهم لبَعض، للغلظةِ والأنفةِ وبُعدِ الهمةِ والمُننافسةِ في الرئاسَة، فَقَلَمَا تَجتَمِعُ أَهواؤهُم، فِإذَا كانَ الدينُ بالنُبؤةِ أو الولاية كانَ الوَازعُ لهُم من أَنفُسِهم وذَهَبَ خُلقُ الكِبرِ والمُنَافَسَةِ مِنْهُم فَسَهُلَ انقيَادُهُم واجتِمَاعُهُم». ويقول بن خلدون في الفصل الثامن والعشرين: «فإذا مَلَكُوا أمَةً منَ الأُمَمِ جَعَلوا غَايةَ مُلكِهمُ الانتفاعَ بأخذِ مَا في أيدِيهِم وَتَرَكُوا ما سِوى ذَلكَ مِنَ الأَحكامِ بَيْنَهُم، جَعَلوا العُقُوباتِ عَلى المَفَاسِد في الأَموالِ حِرصَاً عَلى تَكثيرِ الجِبَايَاتِ وتَحصيلِ الفَوائدِ فَلا يكونُ ذلكَ وازِعاً ورُبَمَا يَكُونُ بَاعِثاً بحَسَبِ الأغراضِ الباعثةِ عَلى المَفَاسدِ وإِستهانةَ ما يعطي من مالهِ في جانبِ غرضهِ، فَتَنمُو المَفَاسِدُ بذلك، ويقَعُ تَخْريبُ العُمرَان، فَتَبْقَى تلكَ الأمَةُ كَأَنها فَوضَى مُستَطيلة، أيدي بَعْضِهَا عَلى بَعْض فَلا يَسْتَقيمُ لهَا عُمْرَان». وهذه السطور توضح لنا تبرير ما فكرت به الحكومة مثلاً في علاج «قضية الإفلاس الإكتواري»، إذ تم إقتراح زيادة الاشتراكات «الجباية»، وكانت بالفعل التمثيل الأفضل لعبارة بن خلدون «ورُبَمَا جَعَلوا العُقُوباتِ عَلى المَفَاسِد في الأَموالِ حِرصَاً عَلى تَكثيرِ الجِبَايَاتِ وتَحصيلِ الفَوَائِد». وهكذا نحن في كل أزمة من الأزمات، نكون على مقربة من «المربع الأول»، وهو التشبيه المجازي لما سماه بن خلدون بـ «فَتَبْقَى تلكَ الأمَةُ كَأَنها فَوضَى مُستَطيلة»
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1195 - الثلثاء 13 ديسمبر 2005م الموافق 12 ذي القعدة 1426هـ