لم يضف «التقرير الثاني» الذي رفعه رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي الألماني ديتليف ميليس الكثير من المعلومات على تقريره الأول. فالثاني أعاد إنتاج الأول وبنى عليه ليؤكد وجهة نظره السياسية بالإشارة إلى أن الطرف الفاعل معروف ولكن المعلومات مجهولة أو غير كافية لتوجيه الاتهام النهائي. التقرير الثاني إذاً ناقص في معلوماته واللجنة بحاجة من جديد إلى وقت إضافي لتحليل المخابرات المسجلة وتركيب عناصر الموضوع وقراءة 37 ألف ورقة وغيرها من شواهد ناقصة ومحاضر أحرقت ومعالم أخفيت عن مسرح الجريمة. انتهى التقرير الثاني إلى ما انتهى إليه الأول. فالنسخة الأولى تحدثت أيضاً عن تلك النواقص والحاجة إلى وقت لتأكيد تلك الفرضيات التي تأسست على أجواء سياسية ملبدة سبقت الجريمة أو أعقبتها. لا جديد إذاً في التقرير الثاني سوى إعادة التأكيد على صحة معلومات الأول على رغم انقلاب الشاهد «المقنع» على رواياته. كذلك كرر الثاني وجهة سير الأول من دون تدقيق في الاتجاهات. فالمعلومات صحيحة والوجهة واضحة ولكن لا أدلة دامغة كما قال تثبت صحة المعلومات وسلامة التحقيق ووضوح الوجهة. النسخة الثانية من التقرير لم تضف الكثير من المعلومات ولم توضح تلك النواقص والثغرات التي أشارت إليها الأولى. إلا أن لغة الثانية كانت متواضعة وأقل صدامية وغير واثقة من معلوماتها. فبعد تجربة «الشاهد المقنع» يبدو أن القاضي الألماني تعلم الدرس وبات أكثر حذراً في التعامل مع معلومات غير موثقة أو غير مؤكدة ولا تتقاطع مع معلومات أخرى. كذلك استفاد القاضي من أخطاء تسرعه واستعجاله الذي أوقعه في مطبات وكاد أن يتحول إلى أضحوكة في الغباء أمام أمثاله من القضاة الأقل تجربة وسناً منه. تعمدت لهجة التقرير الثاني أن تتناول النقاط الساخنة بكثير من البرودة مستخدمة مفردات طرية تتحاشى الاتهام المباشر من دون أن يتنازل عن توجيه الأصابع إلى الجهات التي ذكرها بالاسم في تقريره الأول. فالثاني استنسخ الأول ولكنه اختلف معه في اتباع أسلوب أكثر مهنية وحذف الإشارات التي تورط بها. لذلك حذف الثاني الأسماء من النسخة الأولى ولم يذكر الأمكنة بوضوح ولكنه تمسك بحق اللجنة في الاستجواب واختيار المكان والزمان. وهذا الأمر أعطى بعض صدقية لتقرير متسرع في استنتاجاته وناقص في معلوماته يحتاج إليها لرفع معنويات فريق يريد تبرير الاستمرار في تحقيق يتطلب كما ذكر مراجعات ولقاءات وقراءات قد تستلزم عدة شهور. إذاً لا جديد في التقرير الثاني سوى تأكيد معلومات الأول مع الحرص على إبداء الدقة في توجيه الاتهامات من دون أدلة دامغة. وربما لهذا السبب لجأ القاضي الألماني إلى الغموض في التعامل مع معلومات ناقصة. طغى على التقرير الثاني التوصيف والوصف أكثر من التحقيق القضائي. كذلك مال القاضي إلى سرد معلومات صحافية وذكر ما هو معروف من أخبار متداولة عن قصة سير العلاقة المتأزمة بين اللجنة ودمشق. وكل ما ذكره في هذا المجال ليس سراً بل ورد ذكره في مذكرات وبيانات ولقاءات تداولتها الصحف يومياً. فالقاضي تخلى عن مهنته وتحوّل إلى ما يشبه المخبر الصحافي حين اعتمد في سردياته على أرشيف الصحف وأخبار الوكالات التي تداولت تلك «المعلومات» عن أزمة الثقة بين القاضي ودمشق. لا جديد إذاً في تحقيقات «الصحافي» ميليس سوى تكرار ما قاله في تقريره الأول الذي توصل إلى الاستنتاج الذي وصل إليه الثاني وهو اتهام دمشق بالتقصير وعدم التعامل الكامل وغير المشروط، والحاجة إلى وقت اضافي لتوضيح الغامض في رواية الجريمة والنقص في المعلومات التي يحتاجها لتأكيد صحة وجهة السير السياسية في توجيه أصابع الاتهام. الآن على لبنان أن ينتظر وكذلك سورية والمنطقة 6 أشهر إضافية وربما أكثر للتوصل إلى تعيين الحقيقة ورسم معالم الصورة التي حصلت في دائرتها الجريمة. وبانتظار أن تكتمل كل الجوانب هناك الكثير من الأمور يتوقع أن تحصل. وإذا حصلت يكون التقرير الثالث في حال يرثى لها في إطار منطقة مرشحة يومياً للاهتزازات السياسية وغير السياسية. وربما يكون هذا هو الجديد الذي لم يذكره ميليس في تقريره الثاني
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1195 - الثلثاء 13 ديسمبر 2005م الموافق 12 ذي القعدة 1426هـ