ليس غريباً أن تقوم إيران ببناء عشرة آلاف وحدة سكنية في فنزويلاييُّنٌٌٌٍٍَََّّّّّ؛؛؛؛، هكذا أُعلن في طهران الأسبوع الماضي، فالبلدان ومنذ وصول هوغو شافيز إلى السلطة في السادس من ديسمبر/ كانون الأول من العام 1998 وهما يسيران نحو تشكيل حلف متعاظم شعاره مناهضة الإمبريالية الأميركية، ثم التشاور والتنسيق في مجال إنتاج النفط كبلدين رئيسيين في منظمة أوبك، وقد لا يخلو شهر واحد من دون أن يقوم مسئول إيراني أو فنزويلي بزيارة لطهران أو كاركارس، على رغم المحيطات والبحار التي تفصل بينهما جغرافياً، قبل عام زار خاتمي فنزويلا وقبله زار شافيز طهران (2001) واحتُفي به كأي زعيم من الطراز الأول، واستقبله المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية مُثنياً على دوره في الوقوف بوجه الاستعمار والغطرسة الأميركية.

شافيز - فنزويلا... سيرة ذاتية

فنزويلا التي استقلت في العام 1811 من الاستعمار الإسباني تقع في الشمال اللاتيني على الأطلسي والبحر الكاريبي بين كولومبيا والبرازيل وغويانا، وتحتل مساحة شاسعة تزيد على 912,050 بسكان يربو عددهم على 24 مليون نسمة، وتعتبر من الدول النشطة في أميركا اللاتينية بعد استعادة قوى اليسار حضورها في النقابات المهنية وبالذات في قطاع الطاقة، وهي خامس منتج للنفط في العالم وسابع أكبر دولة في أميركا اللاتينية، ومنذ وصول ضابط المظلات السابق هوجو رافاييل شافيز فرايس إلى الحكم كأول رئيس فنزويلي يحكم كاراكاس من أصول هندية قام باتباع سياسة قومية ومتشددة تجاه المساعي الأميركية للهيمنة على القارة، كما أنه سعى إلى تكوين حلف استراتيجي مع جيرانه مُستغلاً ما تتمتع به بلاده من قوة نفطية هائلة، فاشترى دين الأرجنتين بأكثر من نصف مليار دولار، وبقيمة معادلة من السندات الاكواتورية، وخلال زياراته في بلدان أميركا اللاتينية، وعد شافيز ببناء مساكن في كوبا، وتمويل تعاونيات زراعية في الأرجنتين، وتقرب من سوق المركوسور التي تضم البرازيل، والأرجنتين، الأوروغواي، والباراغواي، وقد صرّح شافيز حديثاً بأن بلاده ستحصل على العضوية الكاملة في معاهدة مركوسور التجارية لدول أميركا الجنوبية قريباً، وخصوصاً أن الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا مؤيد قوي لتوسيع مركوسور ويدعم أيضاً توقيع اتفاق لإنشاء منطقة تجارة حرة بين مركوسور ودول منطقة الأنديز لتشكيل منطقة تجارة حرة كبيرة بأميركا الجنوبية، كما طرح شافيز مبادرته الخاصة بشأن تحقيق اندماج إقليمي لدول أميركا اللاتينية: البديل البوليفاري للقارة الأميركية، وهو مشروع منافس لمنطقة التجارة الحرة للأميركيتين والتي وعد بدفنها وبناء تكتل إقليمي ليس فقط من أجل نصرة الثورة البوليفارية، وإنما في سبيل خلق قطب موازن للولايات المتحدة الأميركية، بعد إصرار الرئيس بوش على إلغاء الحماية بالنسبة إلى القطاع الزراعي على وجه التحديد، والذي يعتبر حيوياً لدول مثل الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي نظراً إلى اعتماد تلك الدول عليه بشكل رئيسي، كما قام شافيز بضخ النفط إلى دول أميركا اللاتينية بأسعار تفضيلية، حتى عمدت إدارة بوش على فرض عقوبات على دول القارة التي تحصل على النفط الفنزويلي بأسعار تفضيلية رغبة منها في إعاقة الدور الذي تضطلع به فنزويلا بين تلك الدول، وفي يوليو/ تموز 2005 أطلق فضائية تلفزيونية سماها «تيليسور» كمنافس ثقافي وأيديولوجي لفضائية «سي. إن.إن» الأميركية ودعمها بموازنة تناهز العشرة ملايين دولار، وملكية عامة تصل إلى 70 في المئة، وفي المجال النووي سعى شافيز إلى التعاون مع كل من الأرجنتين والبرازيل لنيل التكنولوجيا النووية منهما والاستقواء بها ضد أية عقوبات قد تفرضها واشنطن عليه مستقبلاً، وصرّح ماركو اوريليو غارسيا مستشار السياسة الخارجية للرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا بأن البرازيل تدرس سبل التعاون مع فنزويلا في المجال النووي مثلما نفعل في مجال النفط، وأنه لا يوجد ما يدعو إلى الخوف من التعاون مع فنزويلا في مجال الطاقة النووية.

وعلى رغم أن شافيز ورِثَ اقتصاداً معتمداً على النفط بصورة كبيرة وعدم توازن هيكلي، دفعه لتخفيض النفقات العامة والحفاظ على سياسة سعر صرف قوية، فإنه أبقى على استثمار أجنبي قوي مع صدور قانون الطاقة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 والذي بموجبه تسيطر الحكومة على 51 في المئة من أسهم كل مشروع، كما أنه يرفع الضرائب التي تدفعها الشركات الأجنبية، وقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي العام 2000 مبلغ 120,5 مليار دولار ونصيب الفرد 5794 دولاراً، وبلغ إجمالي الصادرات من السلع والخدمات 29 في المئة.

التعاون الإيراني الفنزويلي

تعتبر علاقات التعاون بين طهران وكاراكاس من أهم العلاقات التي تربط إيران بالعالم الخارجي، وبالذات في عالم ما وراء المحيطات، بل الأكثر في الخاصرة الجنوبية للولايات المتحدة الأميركية، ففي السادس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أعلن المدير التنفيذي لشركة بتروبارس النفطية الإيرانية غلام رضا منوجهري أن إيران ستوقع قريباً عقداً لتطوير حقل خليج رفاآ النفطي الثقيل في فنزويلا، كأول مشروع نفطي إيراني ينفذ خارج البلاد بقيمة ملياري دولار حيث تموِّل إيران نصف كلفة المشروع وفنزويلا النصف الثاني، وقبل نحو شهرين وقع البلدان اتفاقاً لإقامة مصنع للاسمنت باستثمار مشترك بملايين الدولارات في ولاية موناغاس الواقعة في شمال غربي فنزويلا بطاقة إنتاجية سنوية تصل إلى مليون طن من الاسمنت لتطوير البنى التحتية في فنزويلا. وفي قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقفت كاراكاس بجانب طهران في نزاعها مع أوروبا القديمة والولايات المتحدة الساعية إلى رفع ملفها النووي إلى مجلس الأمن الدولي، يُضاف إلى ذلك أن إيران التي تنشط فيها الزراعة بشكل كبير حيث إن 40 في المئة من القوى العاملة هي في مجال الزراعة وتمتلك رصيداً تكنولوجياً متقدماً في هذا المجال سمح لها بأن تعيد التوازن في مجال إنتاج القمح وتصديره بعد أن كانت تستورده من أستراليا، وبالتالي فهي تحاول استثمار جزء كبير من علاقتها الاقتصادية الإقليمية والعالمية وتوظيفها في هذا المجال وخصوصاً تصدير الهندسة الزراعية الحديثة والمعدات الداخلة في إنتاج المحاصيل بشتى أنواعها، وبما أن فنزويلا هي دولة تعتمد بشكل كبير على الزراعة فهي بالتالي قد تصبح سوقاً جيدة للصادرات الإيرانية، بالإضافة إلى ذلك فإن فنزويلا هي خامس منتج للنفط في العالم ومن أقوى أعضاء منظمة أوبك وهي بالتالي تصبح حليفاً استراتيجياً لها في مجال الطاقة، وقد أثمر التعاون الإيراني الفنزويلي بمعية السعودية والمكسيك إلى رفع أسعار النفط في العام 1999 بعد تدهورها ووصول سعر البرميل حينها إلى ستة دولارات فقط، وقد صرح رئيس المعهد الصناعي لأبحاث البترول الأميركـي جون ليشتلو مـرة بأن «خطر تصدير العراق نفطه ليست له أهمية فنزويلا نفسها التي تضخ كميات أكبر بكثير مما يضخه العراق إلى الأسواق الأميركية» وخصوصاً أن الولايات المتحدة تحصل على 15 في المئة من إجمالي وارداتها النفطية من فنزويلا ويصلها منها في غضون ست ساعات، وهو ما يجعلها منتجاً حيوياً إذا ما قورن مع النفط الوارد من منطقة الخليج والذي يصل إلى حدود الولايات الأميركية في مدة 45 يوماً، وفي ذلك فارق كبير.

بطبيعة الحال فإن إيران التي ارتبطت علاقاتها سابقاً بدول أميركا اللاتينية بالصفقات السرية والأجهزة الاستخبارية وخصوصاً في مجال تهريب التكنولوجيا النووية من البرازيل والأرجنتين تودّ تبييض تلك العلاقة مع ذلك القِطر المهم من العالم والذي تُعاني معظم دوله أزمات مالية واقتصادية هيكلية مُرهقة، الأمر الذي يجعلها تستقبل العروض التفضيلية التي تقدمها الدول الأخرى لها بخلاف ما تقوم به واشنطن من تسويات تجارية غير متكافئة.

العلاقة بين البلدين مُقدمة على تطورات دراماتيكية مهمة مع وصول التعميريين إلى الحكم في طهران وطرحهم برامج جديدة في مجال النفط والغاز، وهو ما يعني إيجاد تحالفات وتكتيكات جديدة مع الأصدقاء في الخارج