العدد 1193 - الأحد 11 ديسمبر 2005م الموافق 10 ذي القعدة 1426هـ

المجتمع السعودي... أزمته سلوكية أم عقدية؟

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

هل غاية طموحنا في هذه الحياة أن نعيش الأخلاق من دون دين أم نلتزم بالدين من دون أخلاق؟ أم أن الطموح الذي رسمه الله سبحانه وتعالى لنا أن نعيش الاثنين معاً، وذلك بأن نلتزم دينه عقيدةً تصلح آخرتنا وأخلاقه تصلح دنيانا، لنكون مصداقا لقول القرآن الكريم: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة» (البقرة: 201)، ومصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: «ولا تنس نصيبك من الدنيا» (القصص: 77). لمع السؤال بذهني وأنا أقرأ مقال الكاتبة بدرية العبدالرحمن، وقد كوتني كلماتها، وحركت مدفوني، وأثارت وجداني. فلقد خطت أناملها كلمات تحتاج إلى المزيد من التأمل والإصغاء الحسن، إذ تقول الكاتبة: «هل ندرك أن نسب الايدز في بلدنا الذي تلتزم نساؤه بالحجاب، وتقفل فيه المحلات أوقات الصلاة تتزايد بشكل مثير للتساؤل؟ ففي الوقت الذي يفترض أن ينعدم فيه وجود الايدز بسبب انعدام أماكن اللهو والمحاربة القاسية للمخدرات (أمنياً وإعلامياً) نجد الايدز يزحف وينتعش ويبدأ في التكون هنا كجنين وقح». هذه الكلمات جعلتني أتساءل مع نفسي: هل أزمة المجتمع السعودي سلوكية أم عقدية؟ طبعاً، لهذا التساؤل ما يبرره، لكن قبل الإجابة نحن بحاجة إلى وأد الكبرياء التي تمنعنا من صدق الجواب، وطرد العجب من أنفسنا، والتنبه إلى حال الاسترسال التي صبغت حياتنا وتطبعت بها مشاعرنا وأحاسيسنا. أما مبرر تساؤلي عن أزمة المجتمع السعودي بأكمله، فهو أننا البلد الذي يطبع القرآن بملايين النسخ، ويصدره بمختلف اللغات، وهو بلد الحرمين الشريفين، وبلد التاريخ الإسلامي الحافل، وبلد الحفظة الصغار للقرآن الكريم، وبلد المساجد في أرقى صورها وكمالها وعددها، وبلد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبلد الذي مازال ينتج سنوياً آلاف العلماء وأصحاب الفضيلة من المبلغين والموجهين والمرشدين، فلماذا ينحدر جيل الشباب للرذيلة، ويعكس وجهاً منفراً عن مجتمعنا الطيب؟ الحقيقة أن الإمكانات التي توجهها الدولة حرصاً ورعاية على المظهر الديني لمجتمعنا كثيرة جداً، وضخمة إلى حد كبير، لكن المشكلة تكمن (عندنا وعند الدول الإسلامية الأخرى) في أن المحرك والمستفيد من تلك الإمكانات يوظفها بعيداً عن التحدي الذي يعصف بالشباب وبالجيل الصاعد. لقد اتجهت مجاميع المتدينين إلى استنزاف جهدها الأكبر من أجل حماية العقيدة من الانحراف والزيادة والنقيصة، وغفلت في غمرة ذلك من التنبه للتحديات الحقيقية على أرض الواقع. ويحسن القول إن حراس العقيدة والمنشغلين بالدفاع عنها سواء كان ذلك في صورته الحسنة «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» (النحل: 125)، أم كان في صورته السيئة المنفرة... هؤلاء جميعاً موجودون في مختلف أطياف المجتمع السعودي، كما في غيره من المجتمعات، فالبلوى عامة لا تخص طيفاً معيناً، وليست حكراً على نمط فكري أو عقدي خاص، نعم قد تكون في مكان ما ومجتمع ما أفقع وأوضح بسبب القدرة والإمكانات والحضور الإعلامي، ما يعطيها نسبة مئوية عالية من الحضور، لكن ذلك لا يعني أن المجتمعات الأخرى في راحة تامة من هذه الحال. ولمزيد من الوضوح فمقالتي لا تعني الذين يدافعون عن العقيدة بالحكمة والموعظة الحسنة، لأنني افترض هؤلاء غير غافلين عن توجيه المجتمع للسلوك الحسن والخلق الفاضل ومواكبة حاجات الأجيال، ولو غفلوا عن ذلك لتخلفوا عن الدعوة بالحكمة ولغادرتهم الموعظة الحسنة لأنها ستكون موعظة بعيدة عن احتياج الناس، وحينها سيسقط حسنها بلا ريب. ربما يكون سبب من أسباب هذا التشاغل بالعقيدة الصحيحة وحراستها والتغافل عن العناية بسلوك الشباب والاهتمام بهم على الصعيد الأخلاقي هو عدم القدرة على رسم البرامج الحقيقية لهؤلاء الشباب واحتواء طاقاتهم وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي تنميهم وتجذبهم إلى الصف الديني، وإلاّ فإن العناية بسلوك المجتمع وأخلاقه وإرشاده إلى حل أزماته في هذه الزاوية لا تقل قداسة من الناحية الشرعية والدينية، عن الدعوة إلى توحيد الله والإيمان به، بل يجب أن تكون الدعوتان في عرض واحد، وضمن مسار متلازم لا ينفك بعضه عن بعض. فهذا نبي الله لوط (ع) بعث داعياً إلى الله ومحارباً لسلوك جنسي منحرف، تمثل في انتشار اللواط والاستغناء به عن التزاوج الطبيعي بين الذكر والأنثى، يقول القرآن الكريم على لسان النبي لوط: «إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون» (الأعراف: 81). وهذا نبي الله شعيب (ع) بعث داعياً إلى الله ومحارباً لما هو سائد من الفساد الاقتصادي «وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاء كم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان» (الأعراف: 85). وهكذا غالبية الأنبياء جاءت دعوتهم إلى الله سبحانه مصحوبة بتقويم السلوك الاجتماعي وتصحيحه في بعد ما من أبعاد الحياة. وبحسب اعتقادي الذي أترك الجزم به الآن أن هؤلاء الأنبياء بعثوا إلى أقوام لم تدخل في عبادة الله والإيمان به وتوحيده، لذلك اقتضت دعوتهم أن يوجهوا مجتمعاتهم إلى الإيمان بالله والاعتقاد بوحدانيته، ولو بعث هؤلاء الأنبياء إلى مجتمعات مؤمنة بوحدانية الله لما انشغلوا ولما شغلوا الناس من حولهم بهذا الموضوع. إن التحدي الذي نواجهه ويواجهه شبابنا هو تحد ثقافي قيمي سلوكي، هذا التحدي يخاطبهم في كل مكان وفي كل لحظة عبر وسائل الإعلام والاتصال المتاحة. ومحل الامتحان والاختبار لكل الجهات الدينية في كل وطننا الإسلامي مع اختلافها هو أن تواجه هذا التحدي وتثبت نجاحها فيه، أما أن نتوارى باسم الدفاع عن العقيدة وحمايتها من الانحراف والبدع والضلالات، فهي صيحات لا حقيقة لها في عالمنا الإسلامي إلاّ قلة ذات اليد وغياب التأثير الفعلي أمام التحديات القائمة، وخصوصاً في مجتمع مسلم متدين كمجتمعنا السعودي. فنحن ولله الحمد مجتمع يخلو من المبشرين وأصحاب المعتقدات الأخرى الذين يمكن أن يؤثروا على أجيال الشباب فيحرفوا توجههم الإسلامي إلى أمر آخر بعيد عن دين الله وشرعه

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1193 - الأحد 11 ديسمبر 2005م الموافق 10 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً