بعض الإعلاميين والساسة يجدون جمعية الوفاق الوطني الإسلامية أسهل النماذج التي من الممكن نقدها، وتشريحها، وتقطيعها، وأخيراً، لا ضرر من الشماتة بها. ولهم في الاتجاه مع هذه المسلمة الكثير من الأسباب، بعض منها ظاهر للعيان، والآخر مرتبط «بالنوايا»، ولا شأن لنا في هذا المقال بأي من الأسباب الظاهرة أو المستترة. من المفاهيم السياسية الرائجة، أنك حينما تمر بظروف سياسية سيئة، فعليك أن تهتم وتتأكد من أن جميع الأطراف الأخرى في الجسم السياسي الذي تشتغل فيه ليست بأفضل حالاً منك، وهذا بالتحديد ما يجعل الأمور متساوية. فإن لم تكن متساوية فإن الإجراء السياسي الأعقل والأكثر رزانة هو أن تحاول تعديل الكفة. «الوفاق» تمر في واقعها اليوم بأسوأ مراحلها، استقالات ثقيلة من بعض رموزها، التي تحاول فرض نفسها كمؤثر جديد من الجسم السياسي البحريني، مرحلة حسم تاريخية المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة إذ يحتاج الوفاقيون إلى تخريجة شعبية مقنعة، وأخيراً، عجز واضح في السيطرة أو في تحديد مدى القدرة على امتلاك حركية الشارع السياسي، وخصوصاً بعد أن اتضح بما لا يدعو للشك أن الوفاق إذا ما بقيت على استراتيجيتها السياسية الحالية من دون تغيير فإنها ببساطة في مرحلة من «الانتحار السياسي». وبما أن الكثيرين يصدرون خطابات «الشتيمة» المهذّبة لـ «الوفاق»، فلابد أن يتنبه الوفاقيون إلى فحوى هذا النقد وحيثياته، ثمة فئة من هؤلاء تمثل «الوفاق» لهم «العدو التاريخي»، وهؤلاء يجب عليها أن تتجاهلهم، فهم في الغالب يكتبون من التفاهات ما لا يقبله العقل. وثمة فئات تختلف مرئياتها ومرجعياتها النقدية، بينهم «الطامحون» الباحثون عن دور داخلها، وبينهم المراقبون السياسيون والإعلاميون، الذين قد يتصفون بالحياد ولو على المستوى الأقل من المقبول في أبجديات النقد السياسي. وإذا كان لي أن اقترح على «الوفاق» حواراً داخلياً، فإن مجموع الأسئلة «المفاتيح» لهذا الحوار الداخلي هي في سياق الأسئلة الآتية: هل تمتلك «الوفاق» رؤية سياسية استراتيجية في حراكها الاجتماعي؟ وما هي هذه الاستراتيجية؟ وما هي جدولتها الزمنية؟ وهل تمتلك الوفاق رؤية سياسية محددة على صعيد العمل السياسي الوطني، أم أن منظومة الجمعيات الأربع هي المحرك الحقيقي لخياراتها السياسية على مستوى قضاياها المحورية؟ وهل تمتلك كامل السيطرة على أعضائها الرسميين أو على القواعد الشعبية الموالية لها؟ وإن كان ثمة إجابة سريعة بالإيجاب، فلماذا «عصى» الشارع الوفاقي رموزه السياسية والدينية في أكثر من محفل خلال الشهور الماضية؟ ما صحة الزعم بأن «الوفاق» جمعية سياسية واحدية التطلع، بمعنى أنها جمعية تهمل بتعمد القضايا الوطنية كافة خلاف قضية التعديلات الدستورية والتجنيس، وهذا ما جرّ الجسم الشعبي المفترض ولاؤه لـ «الوفاق» إلى تأسيس حالات خارجة عن الدائرة الوفاقية كلجنة العاطلين عن العمل؟ ما حقيقة أن «الوفاق» لا تمتلك أي برنامج اقتصادي متكامل، وأنها تدير الملفات الوطنية في (الصحة والإسكان والتعليم والبطالة وموازنة الدولة) تارة بالتنبؤ أو الخيال، وغالباً عبر المواقف الارتجالية؟، أخيراً، ثمة سؤالان: الأول أكثر مركزية، ولها أن تهمل السؤال الثاني، وأن تعتبره مجرد خطأ طباعي، السؤال الأول: ما معنى أن «الوفاق» أصبحت مشروعاً سياسياً مملاً، أي أنها لا تمتلك إجابات واضحة على أسئلة المنتمين لها فيما يخص طموحاتهم الحياتية المؤجلة لما بعد الانتهاء من الملف الدستوري؟ والسؤال الثاني: لماذا لا تستقيل إدارة الوفاق إن هي أدركت أنها لا تمتلك أي إجابة على أي من الأسئلة أعلاه؟
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1193 - الأحد 11 ديسمبر 2005م الموافق 10 ذي القعدة 1426هـ