انعقدت القمة الإسلامية التي تضم 75 دولة للمسلمين في مكة المكرمة، وأكد الجميع فيها الوحدة الإسلامية ورفض تكفير أي مذهب إسلامي، والعمل على إدارة الحوار الفكري الفقهي الذي يضع الحقيقة الإسلامية التوحيدية في نصابها الصحيح، على هدى قوله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول" "النساء: 95" . .. وكان هناك تأكيد لمواجهة الإرهاب بكل أشكاله، وتحريم قتل أي مدني أو مسالم سواء كان مسلما أو غير مسلم... إننا مع تأكيدنا أهمية هذا اللقاء والعناوين التي طرحت فيه، كنا نريد من القمة الإشارة أو التصريح إلى إرهاب الدولة المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية في احتلالها لبعض البلدان الإسلامية كأفغانستان والعراق، وممارستها أكثر من لون من ألوان الإرهاب، وفي الدولة الإسرائيلية التي لاتزال تضطهد الشعب الفلسطيني في احتلالها للأرض وللإنسان، وتدميرها للبنية التحتية لـه، وإصرارها على الاستمرار في ذلك إلا بشروط تعجيزية، في الوقت الذي تمارس فيه الإدارة الأميركية الدعم المطلق لهذه الدولة الإرهابية بكل الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتؤيد كل خططها في منع الفلسطينيين من حق العودة إلى وطنهم الذي شرعته الأمم المتحدة في قرارها 491 وفي قرارها 242، لأن أميركا لا تدعم الأمم المتحدة في قراراتها المتعلقة بـ "إسرائيل" لمصلحة الشعب الفلسطيني، هذا إلى جانب الصمت السياسي عن الجدار العنصري الفاصل والمستوطنات الكبرى التي صادرت الكثير من أراضي فلسطين، وحولت المواقع الشعبية الفلسطينية في القدس والضفة الغربية إلى سجن كبير لا يملكون فيه التحرك بحرية... لقد كنا نطمح الى أن تتحدث القمة الإسلامية بطريقة صريحة حاسمة عن هذا الواقع الإسرائيلي الظالم الذي تدعمه الإدارة الأميركية، لتؤكد من خلال هذا الموقف وقوفها الحازم مع الشعب الفلسطيني ولا تقتصر على الكلمات الضبابية الملتبسة التي لا تسمن ولا تغني من جوع... وكنا نود - في هذا المؤتمر - أن تعلن تحررها من الضغط الأميركي الذي يفرض على دولها تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية وسيلة لتطبيعها مع أميركا، وكنا - كشعوب إسلامية حرة - نود أن نجد في هذه القمة قرارا موجها الى العالم كله بألا يقف موقفا سلبيا من الحملة على الإسلام كدين، والإساءة الى قدسة شخصية النبي محمد "ص" بدعوى حرية الفكر أو الإعلام، في الوقت الذي لا يسمح فيه بنقد اليهود في تاريخهم وسلوكهم وسياستهم واحتلالهم لفلسطين بحجة معاداة السامية... إننا نسأل القائمين على القمة الإسلامية: ماذا يمثل الإسلام بالنسبة إلى كل كياناتهم وشعوبهم، وكيف يمكن أن يكونوا صوتا واحدا لحماية الإسلام من كل تشويه وهجوم ومصادرة من دون أن ينال الآخرون عقابا ضاغطا يمنعهم من ذلك؟ ثم إننا نسأل أمام الدور الذي يمثله الإعلام الثقافي والسياسي والاجتماعي في الصراع الإعلامي في هذا العالم المعاصر، حتى أن بعض الدول الكبرى تحاول خوض حروبها السياسية والأمنية بإعلامها المتنوع المتحرك بأحدث الأساليب، نسأل: لماذا لم تخطط منظمة المؤتمر الإسلامي لفضائية إعلامية حديثة باللغات الحية في العالم كالإنجليزية والفرنسية والروسية والهندية وغيرها، لإيصال الصوت الإسلامي إلى شعوب تلك الدول، ولتوضيح الصورة الحضارية التي تتميز بها الثقافة الإسلامية، وللدفاع عن الشخصيات المقدسة في الإسلام، ولتحليل الجوانب الإيجابية في التاريخ الإسلامي وللعناوين الإنسانية لما يلتزمه المسلمون من وحي إسلامهم في علاقتهم بالآخرين، وفي انفتاحهم على مسألة الاعتراف بالآخر من خلال الحوار معه في جميع مواقعه، حتى على مستوى حوار الحضارات الذي نقدر للقمة تأكيده لتتحول العلاقات الدولية إلى عنوان كبير في الحوار الإنساني - الإنساني في تنوعاته؟ لقد كان مؤتمر القمة الإسلامية حدثا كبيرا في عناوينه ومعطياته وقراراته، ونريد له أن يترك تأثيره الإيجابي على الواقع الإسلامي على مستوى العلاقات بين المسلمين، دولا وشعوبا، وعلى طبيعة الأوضاع القلقة السلبية على صعيد الضغوط الهائلة في التحديات الكبرى ضد القضايا الحيوية والمصيرية من قبل الاستكبار العالمي الذي يخطط لاستغلال كل الثروات الإسلامية وللإجهاز على كل المقدرات الاستراتيجية، ليبقى العالم الإسلامي الذي يمثل ربع البشرية على هامش الدول الكبرى التي تتحرك في تحالفاتها للقضاء على كل مواقع القوة الإسلامية بطريقة وبأخرى. وفي فلسطين المحتلة، انطلقت عملية استشهادية جديدة في ناتانيا قام بها شاب مجاهد عاش القهر الإسرائيلي في نفسه وأهله ووطنه، فتحول الى قنبلة إنسانية تجتاح العنجهية الإسرائيلية في عنصريتها التي تتابع قتل الشعب الفلسطيني بدم بارد وحقد بالغ، واجتياح مدنه وقراه ومصادرة أراضيه ومحاصرة حياته بكل مواقعها الحيوية... إن المشكلة هي أن العالم المستكبر، ولا سيما الأميركي والأوروبي، يبادر إلى الاستنكار والشجب واتهام العملية بالإرهاب من دون أن يدرس الخلفيات الكامنة وراء الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وهذا ما لاحظناه في عملية الاغتيال التي قام بها الطيران الإسرائيلي ضد مجاهد فلسطيني وإصابة بعض المدنيين بجروح، من دون أن نجد أي استنكار من تلك الدول التي ليست مستعدة للحديث مع العدو بأن هذا الفعل العدواني لا بد أن يقابل برد فعل آخر، لأن الشعب الفلسطيني ليس مستعدا لتلقي الضربات من المحتل من دون رد جهادي... إننا ندرك الأوضاع الصعبة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في وحشية الاحتلال، ونعرف أنه سيستمر في جهاده حتى التحرير، وأنه ما ضاع حق وراءه مطالب، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. أما المشهد العراقي، فصورته المأسوية هي في الأشلاء التي تسقط يوميا جراء الحقد التكفيري الأسود، الذي لا يوفر طفلا ولا امرأة ولا شيخا ولا عاملا يجاهد من أجل إعالة عائلته، بالإضافة الى قوى الأمن الموكلة بحفظ أمن المواطنين من الجريمة... هذا الى جانب قيام الاحتلال بالتحرك العشوائي الذي يطول المدنيين، وبالتعذيب للسجناء بمختلف الوسائل الوحشية، بالإضافة الى جرائم خطف الغربيين الأبرياء من صحافيين أو خبراء، ما يمثل عملية غير إنسانية، ولا سيما عندما يمارسها بعض الذين يمنحون منظماتهم عناوين إسلامية... إننا في الوقت الذي نطالب فيه برفع الصوت عاليا ضد قوى التكفير والاحتلال، ندعو الى استنكار عمليات الخطف التي قد تتحرك للابتزاز المالي، كما ندعو الى إطلاق سراحهم... وفي هذا الجو، فإننا ندعو العراقيين الى المشاركة في الانتخابات النيابية، واختيار الصادقين الأمناء المخلصين للعراق وأهله وللإسلام والمسلمين، والرافضين للاحتلال وللإرهاب، بعيدا عن كل الذهنية العصبية والشخصانية، لأن نتائج الانتخابات ستقرر مصير المستقبل العراقي الحر السيد المستقل، فليتحمل كل مواطن مسئوليته في ذلك كله. أما لبنان الذي يدور السجال فيه في كل يوم حول قضية للماضي وللحاضر، فإنه يتحرك في المتاهات السحيقة التي تشغله عن القضايا الحيوية، ولاسيما المعيشية في أوضاع الطبقات المحرومة في معاناتها الغذائية والحياتية والتربوية والزراعية والصناعية والعملية، فلا نلاحظ الاهتمام بالخطوط الإنقاذية في الدراسات الدقيقة، ولاسيما في مواقع المديونية التي يتحدث بعض الخبراء أن الدين العام سيزيد مليارين بفعل العجز القادم في الموازنة... إن المطلوب هو تأكيد الاهتمام بالمستقبل الاقتصادي، والتحرير السياسي من أية وصاية خارجية، ولا يكفي الحديث الإعلامي عن نفي الوصاية الجديدة الدولية لأن الواقع يؤكد ارتهان البلد من جديد ولكن بعنوان النصيحة والرعاية وما الى ذلك... إن مشكلة النادي السياسي في البلد أنه يؤكد الاهتمام بكل شيء إلا بقضايا الناس الأساسية التي تنقذهم من الضياع في متاهات الجوع والحرمان، فإلى أين يمضي البلد يا مواطنون؟!
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1192 - السبت 10 ديسمبر 2005م الموافق 09 ذي القعدة 1426هـ