عاد قادة ورؤساء وفود 57 دولة من قمة مكة الإسلامية التي عقدت في الأسبوع الماضي إلى بلدانهم. والعود أحمد. الآن، ماذا بعد تلك الكلمات والبيانات والمقررات والبلاغات التي صدرت عن "القمة الإسلامية"؟ "ماذا بعد" سؤال لابد منه حتى تنجلي الأمور وتذهب التوصيات الإيجابية إلى مكانها الصحيح. فالقادة فعلا، وضعوا سلسلة خطوط حمر وحددوا نقاط الاتفاق والاختلاف مع تلك الهجمة السياسية والإعلامية ضد الإسلام والمسلمين. فمعظم الكلمات ركزت على أن الإسلام خط أحمر غير مسموح انتهاكه، وكذلك أكدوا أن المسلمين لا يتحملون مسئولية أفعال مجموعات مسلحة لا تعرف عناوينها ومن يقف وراء أنشطتها الإرهابية ومن يمول عملياتها ضد المدنيين والأبرياء. الإسلام خط أحمر كذلك قضية فلسطين. فهي على رغم "القيل والقال" لاتزال تمثل نقطة مركزية في تفكير المسلمين بصفتها قضية حق تتصل مباشرة بمفهوم العدالة الإنسانية. فالقضية الفلسطينية تمثل حجر زاوية في مفاهيم العدل والحرية وحقوق الإنسان، ومن يتجاهلها يعني أنه لا يؤمن بتلك المفاهيم. فالإسلام خط أحمر وقضية فلسطين هي مقياس لكل ما يقال ويشاع عن دعوات للإصلاح والديمقراطية. ومن يتنكر لذاك الدين وتلك القضية فهو كاذب ويخادع مهما رفع شعارات تدعي الدفاع عن الإنسان وكرامته وحقوقه. كل هذا أشير إليه في خطب القمة الإسلامية، مضافا إليه الكثير من الكلام عن رفض العنف والتطرف وتأكيد التنوير والتسامح والتعدد والتعايش. مع ذلك يبقى السؤال "ماذا بعد؟". أو كيف يمكن أن نترجم الكلام إلى فعل؟ وما هي الآليات التي تنظم خطوات التقدم من الفوضى التي تعم الديار الإسلامية، إلى منظومة حضارية تعيد لأصحاب الحق حقهم ولهذا الدين دوره التاريخي في قيادة التحولات العالمية؟ الإجابة متشعبة كتشعب هذا العالم الذي يعتبر الإسلام من مكوناته الأساسية. فالإسلام ليس دولة "الاتحاد السوفياتي مثلا" من السهل محاصرتها ومقاطعتها. والإسلام ليس معسكرا "المنظومة الاشتراكية مثلا" يمكن الاحاطة به وإسقاطه من الخارج من طريق مكبرات الصوت ومحطات الإذاعة الموجهة والضحك على سكانه بوجود "جنة" في المعسكر الرأسمالي. والإسلام ليس ايديولوجية حزبية يتخلى عنها "الرفيق" حين يكتشف أن مصالحه تتضارب مع أفكاره وطموحاته فينتقل من مكان إلى آخر ويتوظف في أجهزة تدفع له بالدولار بدلا من الروبل. هذا التعامل الأميركي مع الإسلام وكأنه مجرد ايديولوجية حزبية أسهم في استفزاز المشاعر وأيقظ الأحاسيس وأعطى نتائج معاكسة لكل توجهات إدارات "البيت الأبيض". لابد إذا، من إعادة قراءة السلوك الأميركي المتوحش والهمجي الذي اتبعته واشنطن في السنوات الأخيرة ضد المسلمين والعالم الإسلامي. فالمشكلة تبدأ من هناك وليس من الإسلام. وأساس المشكلة سوء تقدير أو فهم من قبل الإدارة الأميركية وأعوانها ومن يدور في فلكها، في رؤية الإسلام والتعامل معه. وهذا السوء ولد إساءات وإهانات وأنتج حالات خوف وهلع ورفض، وأسس لاحقا تلك الاحتقانات التي تفجرت إرهابا في كل مكان. تصحيح العلاقة يبدأ من الغرب. فهذا السلوك الفوقي العنجهي الذي يتبع سياسة الاملاءات، زاد من تلك الفجوات بين الدول الإسلامية وشعوبها وشجع المتطرفين على اللعب بالنار. فالتطرف لا يأتي دائما من قراءة خاطئة للدين، بل يتأسس موضوعيا على مجموعة قواعد أبرزها محاولات السلطات اقصاء المجتمع عن لعب وظائفه الطبيعية ومنعه من المشاركة في البناء والتنمية وتعطيل دوره في التفكير وابتكار آليات ووسائل تلبي حاجاته السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. التطرف ليس ايديولوجيا مختلقة من فراغ، وإنما هو نتاج علاقات متأزمة بين هوية مجتمع وسياسة دولة. وهذا التأزم زادت الولايات المتحدة من احتقانه حين لجأت إلى سياسات الخداع في محاولة منها للاستفادة من تلك الهوة بين الدول الإسلامية ومجتمعاتها. من هنا تبدأ المشكلة، ومنها يبدأ مشوار التصحيح. عاد قادة الدول الإسلامية من مكة إلى بلدانهم ومعهم الكثير من المقررات الجيدة. ويبقى السؤال: ماذا بعد
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1192 - السبت 10 ديسمبر 2005م الموافق 09 ذي القعدة 1426هـ