لم تكن كتلة الوفاق في البرلمان راضية عن إحجام وزير شئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة عن تزويد نائب رئيس الكتلة النائب خليل المرزوق بجميع البيانات التي ضمنها في سؤاله للوزير حول التوظيف في الجهات الحكومية، حيث اعتبر الوزير أن الكشف عن أسماء الذين وظفوا وأرقامهم الشخصية هو كشف عن بيانات شخصية تخرج السؤال من دائرة الاستفهام (الاستيضاح بنص الدستور) إلى دائرة الاتهام بحدوث خروقات بشأن ملء الوظائف الشاغرة والتلميح بالتقصير، وبهذا يتحول السؤال، بحسب رأي الوزير، إلى استجواب مقنع.
الشق الثاني من سؤال النائب يتعلق بطلبه نسخا من المراسلات الخاصة بالتدقيق حول خروقات الوزارات بما يثبت التزامها بالتدقيق ومراجعة إجراءات التوظيف. وليس واضحا هنا ما يعنيه النائب بالتدقيق أو الجهة المنفذة له.
بخصوص الشق الأول من السؤال يرى الوزير أن الكشف عن بعض المعلومات كالأسماء والأرقام الشخصية يخالف الدستور واللائحة الداخلية، إلا أن المادة (66) من الدستور تنص على مسئولية كل وزير لدى مجلس النواب عن أعمال وزارته، وهذه المسئولية لا تكتمل برفض الجهة الحكومية تقديم البيانات التي تدخل في اختصاص هذه الجهة إلى مجلس النواب الذي منحه الدستور في المادة (91) سلطة توجيه أسئلة مكتوبة إلى الوزراء لاستيضاح الأمور الداخلة في اختصاصاتهم، من هنا تصبح الممانعة في توفير المعلومات للسلطة التشريعية هي المخالفة الحقيقية للدستور، وليس طلب الكشف عن هذه المعلومات.
إن ما يثير الاهتمام هنا هو مضمون السؤال الذي ركز على طلب معلومات كالمسميات الوظيفية والمؤهلات الأكاديمية، وهي بيانات تنشر عادة في إعلانات الوظائف لإطلاع الباحثين عن العمل عليها. وحتى أسماء الذين وظفوا يتم نشرها من قبل المؤسسات الرسمية والخاصة في نشراتها الدورية عملا بمبدأ الشفافية. لذا ومع قناعتنا بأهمية البيانات المطلوبة، إلا أن المشكلة لا تنحصر في معرفة أسماء الذين تم توظيفهم وأرقامهم الشخصية، فالكشف عن الأسماء من عدمه لا يوفر الإجابة ولا يزيل اللبس عن الآلية التي تم اتباعها في التوظيف حين تشغل الوظائف خارج آلية الامتحانات التي نص عليها القانون كما هي موضحة في الفقرة (ح) من المادة رقم (13) من قانون الخدمة المدنية والتي أوكلت لديوان الخدمة مسئولية وضع الاختبارات الوظيفية التي على المتقدم اجتيازها وذلك تفعيلا للمادة رقم (49) من الدستور المتعلقة بتكافؤ الفرص، وكذلك المادة رقم (18) والمادة رقم (16) المتعلقتين بالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وفي تولي الوظائف العامة. فعندما تمنح الوظيفة وفق هذه الآلية يصبح شاغلها مستحقا لها بغض النظر عن اسمه ورقمه الشخصي.
من هنا يصبح الاستيضاح لمعرفة الأسماء جهدا غير ذي جدوى، حيث كان الأجدر بالنائب السؤال لمعرفة مدى تطابق آلية التوظيف مع القانون. في هذه الحالة لن يكون بوسع الجهة الحكومية اعتبار الاستيضاح من الأمور الشخصية.
من جهة أخرى فإن للاختبارات الوظيفية آلياتها المتمثلة في تشكيل لجان محايدة تتولى مسئولية إدارة الاختبارات والإعلان عن نتائجها وفقا لمبدأ الشفافية. وهذا ما يجب على ديوان الخدمة القيام به لتطبيق النص الدستوري والقانوني المتعلق بالمساواة وتكافؤ الفرص، فإن تخلى عن ذلك يكون قد خالف القانون.
إن للاستيضاح أهدافه ومراميه التي أصبحت غائبة في مضمون سؤال النائب مما أخرج الهدف من سياقه، وحوله إلى مجرد سؤال ليس بأمكان اإجابة عليه تحقيق أي هدف ملموس.
الشق الثاني من السؤال، وهو الموضوع الرئيسي لمقالنا، يتعلق بطلب المراسلات الخاصة بالتدقيق على خروقات الوزارات. وليس معلوم من السؤال من هي الجهة المخولة قانونا لإجراء التدقيق، وهذا يقودنا لإثارة تساؤلات عدة حول موقف كتلة الوفاق البرلمانية من مشروع إنشاء ديوان للرقابة الإدارية الذي نص الفصل الثالث من ميثاق العمل الوطني على إنشائه كجهاز مستقل، حيث حددت أهدافه في أحداث تغيير في تفكير الإدارة العامة وتحكيم معايير النزاهة وتكافؤ الفرص، وكشف المخالفات والتجاوزات الإدارية. فكتلة الوفاق التي ترأس اللجنة التشريعية في مجلس النواب هي التي رفضت تمرير مشروع قانون لإنشاء ديوان للرقابة الإدارية بدعوى خفض الكلفة، والتزمت الصمت حيال إلحاق جهاز الرقابة الإدارية بديوان الخدمة المدنية التي ترى الكتلة لزوم مساءلته ومحاسبته بشأن أية تجاوزات لإجراءات التوظيف. فموضوع تخفيض الكلفة لم يعد هنا عاملا مهما، ولم يعد كذلك موضوع الفصل بين السلطات حين أصبحت الرقابة الإدارية حصرا على السلطة التنفيذية بمباركة وفاقية.
إنه لأمر مدعاة للتساؤل في أن تعبر كتلة الوفاق عن استيائها من ممارسات التمييز ومن إغفال مبدأ تكافؤ الفرص، ومن عدم التجاوب مع طلبها توفير المعلومات، ثم تجهض في الوقت ذاته على مشروع إنشاء ديوان مستقل للرقابة الإدارية تكون من مهماته توفير البيانات التي تحتاجها جهة التشريع للاضطلاع بمسئوليتها الرقابية.
لا شك أن كتلة الوفاق البرلمانية مساءلة عن أدائها، فعندما تطالب بأن تكون الكفاءة هي المعيار، فإن ممارسته وتطبيقه على ذاتها له السبق والأولوية لكي يترجم الشعار إلى واقع عملي. فالاحتراف والخبرة أساس للنجاح. ولكي تنجح الوفاق وتتفوق في أدائها بات لزاما عليها ترجمة شعاراتها إلى واقع ملموس، وهكذا تنأى بنفسها عن الإرباك.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 2432 - الأحد 03 مايو 2009م الموافق 08 جمادى الأولى 1430هـ