شاعر خارج البهرجة: أخيراً وبعد بحث طويل وتأنٍ أطول بين حنايا وخبايا الكلمات... خرجت هذه الكلمة أو بالأحرى بزغت حروف تلك الكلمة... التي هي بمثابة الخيط الموصل أو الخيط الذي يجعلك تتيقن بأنك وصلت إلى مكمن دودة القز... ذروة الشعر... ديباجة ربما تكون موفقة وتمتلك حظاً سعيداً... لأنها أبت الا أن تكون الشروق الأول أو نقطة الحبر الاولى في الكتابة والدخول إلى هذا الشاعر النادر في صفاته كشاعر وشحة نوعه كإنسان، هو الشاعر الرائع المتفرع. هنا لستم بحاجة لشرح وإيضاح كلمة متفرع، شاعر خارج البهرجة. عنوان لمقال طويل متسلسل عبارة عن بحث غني بالدلائل المقنعة خارجة من أعماق تجربة هذا الشاعر لم أشأ أن أفصح عنها لولا تشريفي من الزميل المعد بعد أن أخبرته بذلك، فدعوة كهذه كنت أنتظرها بل كنت قد لبيتها قبل أن تصلني كدعوة من أجمل الرائعين! لن تكون هنا الكلمات تطغى عليها صبغة المدح والمجاملة ولكنها واقع من أتت الكتابة من أجله كإنسان وشاعر... تلزمني بذكر ذلك... متواضع... مبدع... متفائل... متأنٍ. صبور هذه بعض المواصفات التي عايشتها عن قرب مع الرائع اسماعي. الحديث معه وإن كان عابراً ينم عن حكمة ودراية وخبرة في مجال معاناته مع الكلمة... دائم التوجس مما يسمى مدحاً وإطراء وكنت دوماً أعاتبه وأناقشه في وعن سر تحفظه المفرط... ولكنها طبيعته كإنسان انعكست تلك الصفة على رحلته مع الحرف... تحسبه ولكثرة صمته بأنه يجهل مجريات ما يطلق عليها ساحة شعر... وما أن تنخرط معه في موضوع يخصها كساحة الا اندفع معك فيه بوعيه وفكره وهدوئه، بل ويضع الحلول والاقتراحات التي من الممكن أن تعدل ميلانها كساحة عرجاء... لو أفسح لآرائه المجال... ثلاثون عاماً من الكتابة كان برفقة القلم والحرف اقتحم جميع دروب وطرقات وأغراض الشعر...
هنا يؤكد صدق كلمة متفرع... تلك الصفة التي لا يتصف بها الا القليل جداً جداً ممن يُحسبون على الشعر... من رفقاء الحرف وممتهني الكتابة وعشاق المفردة.
يذكرني الشاعر الحاضر بغيابه اسماعيل عبدعلي بزميلنا معد صفحة «ريضان» الرائع جعفر الجمري... فثقافة المعد العزيز ملفتة للنظر... يمتلك وعياً مثقلاً بالعمق... فلذلك عندما أتى هنا وأخذ ينثر بعض وروده لم تحتمل مساحتنا أو ساحتنا أثار البعض اليسير مما نثره.. وكان قياس فكره ومخزونه أكثر بكثير من حجم هذه المتهالكة... فكذلك هو الاستاذ إسماعيل عبد علي وبما أن أكثر المنتمين الى هذه الساحة هنا سطحيون فكرياً وفقراء شعرياً فمن الطبيعي أنهم لم يستطيعوا الوصول إلى بعض مسافاته. فلذلك لا يصيبك الاستغراب عندما ترى الشعر الصادق والإبداع مهملاً وصاحبه مجهلاً... والسفاسف المنسوبة إلى الشعر عنوة توضع في دائرة الاهتمام والمتابعة.
لقبه أحدهم بفارس الموال في البحرين في هذه الفترة وكان ذلك رأياً شخصياً أطلقه عليه... ولكن لو تمعنا وبعمق فيما قاله لوجدناه يحوي من الصحيح الكثير... هذه حقيقة لا تغيب عن المتتبع لما يدور في وعلى ما تسمى بساحة شعر فمنذ أكثر من عشرة أعوام وهذا النوع من الشعر شبه مختفٍ أو مهمل وشح متابعوه والمهتمون به منهم الباحث والناقد والقارئ... فكان شاعرنا -على رغم غياب الكل من عشاق الموال- حاضراً وبغرارة إنتاج... وكان دائماً كالشجرة التي لا تتقيد بموسم معين لتأتي بثمارها.
الشاعر اسماعيل عبدعلي علاوة على أنه شاعر ملم بجميع أنواع الشعر يمتلك ايضاً فكرا ناقدا يثبت بأنه صاحب تجربة شاملة بالشعر وكل ما يتعلق به... انني متيقن تماماً بأن الاكثرية لم يعرفوا عن روح شاعرنا النقدية ولم يفتحوا أبواب النقاشات معه فمنه تعلمت الكثير ومازلت... متابعاً للشعر وأخبار الشعراء والصفحات المهتمة به وأخبارها كساحة واهتمامه يفوق حتى بعض معدي تلك الصفحات.
ثلاثون عاماً تكفي لزرع المحبة في كل قلب لا يعرف تلك الصفة. هذه الاحرف التي خرجت في حق تجربة شاعرنا الابداعية شيء قليل جداً لو قارناها بمساحة وغزارة إنتاجة الممّيز
العدد 1191 - الجمعة 09 ديسمبر 2005م الموافق 08 ذي القعدة 1426هـ