في حكمها ببراءة الزميل رضي الموسوي، أعلنت المحكمة ان «الكاتب مارس حقا من حقوقه الصحافية في النقد». ومضت للقول «انه لم يقصد في نقده المفتش السياحي بذاته، انما كان ينبه الجهاز الرسمي الذي قام بتشغيله الى ضرورة انقاء أشخاص يفترض فيهم النزاهة لتوظيفهم في المواقع التي تحتاج الى متابعة أمور الضبط... والمفتش هو من رجال الضبط القضائي». واعتبرت المحكمة ان «نقد الموسوي كان الهدف منه الصالح العام». ارجعوا بذاكرتكم سنوات الى الوراء وتذكروا ان كنتم قد قرأتم شيئا مثل هذا في السنوات الماضية؟. يتعلق الأمر دوما بالتقدير المناسب لما يجري حولنا، واذا ما تعلق الأمر بقضية زميلنا رضي الموسوي، فإن استبشارنا بحكم المحكمة يعود الى انه سابقة أولى محمودة. بعبارة أخرى، نحن نلمس علامة على التغيير. لكن هذا الحكم اكثر من علامة أو مؤشر، انه تأكيد عملي من مؤسسة القضاء بان حرية النقد للصحافة والصحافيين ليست لازمة خطابية، بل حقيقة يومية في صميم العمل الصحافي في البلد. واذ يدفعنا هذا الحكم لاستدعاء الذاكرة والمقارنات، فان هذا لن يقودنا سوى الى وضع هذا الحكم في اطاره المناسب: «تغيير». وفي ابريل/ نيسان من العام الماضي ،2004 حكمت المحكمة بالزام وزارة الداخلية بتعويض عائلة المرحوم محمد جمعة الشاخوري الذي توفي بطلقة مطاطية أثناء التظاهرة التي جرت حول السفارة الاميركية في ابريل من العام .2002 لقد استغرقت قضية الشاخوري عامين في أروقة المحاكم اما قضية رضي الموسوي فقد استغرقت ثلاث سنوات ووصلت الى المحكمة الدستورية قبل ان تعود الى محكمة أول درجة. في النهاية ظفرنا بحكمين يمثلان مظهر تغيير واضح. الحكم في قضية المرحوم الشاخوري، ارسى حق المواطنين في مقاضاة موظفي وأجهزة الدولة، وهو ما كان قانون المخالفات المدنية يحرمه طيلة العقود الماضية. لكن هذا تغير مع تعديلات القانون المدني وباتت مقاضاة موظفي واجهزة الدولة حقا متاحا للمواطنين. ان هذا لا يفتح الطريق امامنا لمراقبة اداء موظفي واجهزة الحكومة، بل انه يقول ان هؤلاء لم يعودوا يؤدون عملهم من دون رقابة أو من دون عواقب. ولو مضينا اكثر في احصاء مظاهر التغيير فلن يكون الامر عسيرا، الأصعب هو وضع مظاهر التغيير في إطارها المناسب من دون تهويل أو دعاية ومن دون تهوين ايضا. هل تتذكرون كيف كانت الحكومة تعالج قضية البطالة في السنوات الماضية؟. الآن ثمة مشروع كامل من الحكومة اطلق عليه إصلاح سوق العمل. واذا استدعيتم الشكوى المريرة من مستوى التعليم، فإن التعليم بات الآن الميادين الرئيسية للاصلاح. أما المطالبة القديمة بتفعيل بند التأمين ضد التعطل فقد تحولت الى مشروع تبنته الحكومة للتطبيق مطلع العام المقبل. انتظارنا لتطبيق هذا المشروع والحكم عليه لن يغير في الامر شيئا، فعندما تتعهد الحكومة بتطبيق مشروع كهذا بكل الدعاية التي تصاحبه، لن يكون بالامكان القول ان هذا مجرد وعود. انتظارنا للوعد لن يغير في وضع التقدير المناسب لهذه الخطوة: تغيير. هذا تغيير آخر، عدا ان التباين والخلاف في وجهات النظر سيبقى قائما حول وجهة هذا الاصلاح. كيف سنصلح سوق العمل أو التعليم، هذا امر لا يمكن ان تنفرد به الحكومة أو أي طرف آخر وحده، بل هو موضوع للجدل وسيبقى الجدل قائما وهذا هو الطبيعي في الامر. مع شمس كل يوم ثمة جديد يجري، لكن العبارة السائدة فيما بيننا هي ان «لا جديد تحت الشمس». يتعلق الامر دوما بالتقدير الصحيح لكل ما يجري، فما نراه جيدا قد يكون العكس لدى الآخرين أو خطوة غير مكتملة لدى آخرين غيرهم. لكن من هو المعني بكل هذا؟ من عليه ان يدرك ان هناك تغييرا يجري اكان بطيئا ام سريعا أو مدروسا أو العكس؟. ان كان الجواب ان الجميع معني، فان هذا ليس خطأ مطلقا بل انه الجواب المناسب. المعنيون هم أولئك الذين يعارضون التغيير ويعاندونه وأولئك الذين يطالبون به ايضا، خصوصا عندما تصل الشكوى الى حد تجاهل التغيير وعدم البناء عليه. اعرف تماما ان هناك تغييرا من نوع آخر، مشكلات تتفاقم وسوء اداء وشكاوى مستمرة وأخرى جديدة. وما يجري لا يدع مجالاً للشك في أن مظاهر التغيير ليست مبهجة على الدوام بل ان هناك ما يجعلنا نفقد الاتجاه تماما ويدفعنا للشك في مظاهر التغيير نفسها. لكن لم العناء، اليست مقاومة التغيير هي ما نعني هنا؟ هاقد عدنا الى الثنائية التي تحكمنا دوما: طموح للتغيير وسعي لمنعه ومقاومته. وهذه ليست ثنائية بحرينية خالصة، بل جوهر كل ما يجري في اي مجتمع وأي بلد. ليس لنا في النهاية سوى ان نواصل السير قدما.
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 1191 - الجمعة 09 ديسمبر 2005م الموافق 08 ذي القعدة 1426هـ