العدد 1191 - الجمعة 09 ديسمبر 2005م الموافق 08 ذي القعدة 1426هـ

أين الحل في الإسلام؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتهت جولة الإعادة الثالثة في الانتخابات المصرية إلى مجزرة ارتكبتها الشرطة ضد المقترعين، ولكن النتائج النهائية جددت ثقة الناخب بتيار الإخوان المسلمين. فهذه الحركة أثبتت وجودها الشعبي على رغم الملاحقات ومحاولات الحصار الظالمة التي ضربتها السلطة حولها لمنعها عن ممارسة حقها المشروع في العمل السياسي. النتائج العامة تثبت مشروعية هذه الحركة التي تعتبر أكثر التنظيمات قرباً من الناس. فهي نجحت من خلال خطابها السياسي وشعارها المبهم (الإسلام هو الحل) في تحشيد نسبة عالية من المقترعين لدعم مرشحيها في وقت فشلت الأحزاب الأخرى في كسب ثقة الناخبين نتيجة ابتعادها عن واقع الناس وثقافتهم الموروثة. هذا الاختلاف يفسر إلى حد كبير نجاح حركة الإخوان في كسب قرابة 25 في المئة من مقاعد مجلس الشعب (88 مقعداً) على رغم محاولات بعض دوائر السلطة اقصاء الحركة عن العمل السياسي ومنع المترشحين من الاتصال بالناخبين. النتيجة إذاً لا بأس بها في ظل ظروف غير صحية وغير مناسبة. كذلك النتيجة تضع أمام حركة الإخوان مسئولية كبيرة منها الاقلاع عن شعارات التحشيد في الشارع والبدء في التفكير بوضع الحلول والبرامج (الإسلامية) لمشكلات مزمنة يعاني منها المجتمع. شعار «الإسلام هو الحل» صحيح في جوهره وهناك شبه اتفاق بين مختلف طبقات الشعب على ضرورته لأنه الرافعة التاريخية لأمة عانت الحصار والحروب والويلات. إلا أن الشعار بحاجة إلى تنضيج ودراسة حتى يؤتي ثماره ويتحول إلى خطة عمل واعية تقرأ تعقيدات الواقع وظروف مصر ومحيطها الإقليمي والفضاء الكوني الذي تمر به الأمة. اكتفتاء حركة الإخوان بمثل هذا الشعار وعدم تطويره سيعطي نتائج معكوسة في المستقبل. كذلك استنكاف قادة الحركة عن تقديم «الحل من الإسلام» سينقلب عليهم وسيفقد الشعار مع تكرار العادة بريقه وجاذبيته. «الإسلام هو الحل» منهج سليم في استقطاب الناخب وتحشيد الشارع، لكنه يعكس في النهاية عقلية اتكالية وذهنية بليدة لا تريد التفكير بالواقع واستنتاج تلك القراءة الواعية المطلوبة لوضع خطة عمل ترتقي بالإخوان من حركة معارضة إلى قوة سياسية تشرّع القوانين وتضع الحلول من موقع المسئولية في الدولة. فمسئولية المعارضة تختلف عن مسئولية رجل الدولة. المعارضة تستطيع أن تقول: «الإسلام هو الحل» بينما رجل الدولة (العضو في البرلمان) مطلوب منه أن يحدد أسس ذاك الحل في الإسلام. وهذه مهمة صعبة. ولابد أن تتحرك كتلة الإخوان الآن للبدء في تعديل زوايا الشعار وتحويله إلى برنامج عمل ينطلق من سؤال: أين الحل في الإسلام؟ أين الحل؟ أو ما العمل؟ أو غيرهما من أسئلة كلها نقاط انطلاق للبحث ترسم خطوط عمل تتجاوز تلك العقلية الاتكالية والذهنية البليدة. وحين تلجأ حركة الإخوان إلى عكس السؤال من «الإسلام هو الحل» إلى «أين الحل في الإسلام» تضطر آنذاك إلى البدء في إعادة التفكير في «الوقائع الجارية» أو «المصالح المرسلة» كما قال الأمام مالك في كتابه «الموطأ». «أين الحل؟» له شروطه البحثية ويتطلب من قادة الإخوان أو رجالها في البرلمان التفكير في وضع خطة عمل واعية تعتمد مناهج العلماء والفقهاء في الجرح والتعديل (الشك والتصحيح) واستقراء الواقع واستنباط الأدلة وربط المبدأ العام بالوقائع الجارية (المصالح المرسلة) للتوصل في النهاية إلى تحديد مقاصد (أهداف) الشريعة في أيامنا. «أين الحل في الإسلام؟» يعيد إنتاج الصورة ويفرض على رجال الدولة وضع حلول وخطوات تحد من مشكلات الأمة على مختلف المستويات والقطاعات (صحة، تربية، مواصلات، اتصالات، كهرباء، زراعة، مياه، صناعة، موازنة، مصادر الثروة وأوجه إنفاقها، تأمين العمل للعاطلين، ضمانات) إضافة إلى غيرها من توجهات سياسية تتصل بالعلاقات الإقليمية والدولية. تحديد «المقاصد» كما قال الأمام الشاطبي من الشريعة في المطلق والنسبي ينقل التفكير السياسي من الاتكالية والبلادة والحشد إلى مستوى أرقى في التعامل مع «المصالح المرسلة» وحاجات الناس ومتطلباتهم. وهذا الأمر يتطلب عقلية رجل دولة يفكر بخطوات عملية للخروج من المأزق وما يتفرع عنه من مشكلات. وربما هذا ما يتوقعه الشارع المصري من الإخوان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1191 - الجمعة 09 ديسمبر 2005م الموافق 08 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً