التاسع من ديسمبر/ كانون الأول هو «اليوم العالمي لمكافحة الفساد» بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة العام الماضي، والعاشر من ديسمبر هو اليوم الذي اتفقت فيه الأمم المتحدة على «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» وذلك في العام . 1948 اليومان مترابطان مع بعضهما بعضاً، وقد توصلت الآراء في مختلف بقاع العالم إلى أنه لا ديمقراطية ولا حقوق مع انتشار الفساد الإداري والمالي والسياسي. وفي اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في مايو/ أيار الماضي في البحر الميت (الأردن) صوّت الذين حضروا المنتدى لصالح ثلاث أولويات لإصلاح الشرق الأوسط، أولاها تتعلق بمكافحة الفساد والالتزام بمبادئ الشفافية، والثانية بإصلاح مناهج التعليم، والثالثة بتعزيز المشاركة الشعبية (الديمقراطية السياسية). ولعل ترتيب الأولويات لم يأتِ اعتباطاً، لأن الفساد الإداري يستطيع القضاء على كل مبادرات الإصلاح السياسي والاقتصادي، مهما كانت النيات صادقة بشأن تلك المبادرات. الفساد الإداري هو، باختصار، سرقة المال العام أو سوء استعمال إمكانات الدولة لتحقيق مصالح شخصية. وعلى المرء أن يتصور إذا كانت المشتريات التي تتطلبها مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع العام تضاف إليها نسبة 10 أو 20 أو 30 في المئة كعمولات تذهب في جيوب المسئولين عن تخليص أوراق المعاملات... فهذه أموال طائلة جداً تنتهب نهباً مباشراً من المال العام وترسل إلى الحسابات الخاصة لبعض الأفراد والمجموعات. الفساد أصبح ظاهرة دولية وليس محلية فقط، وهو ما حدا بالأمم المتحدة إعلان يوم لمكافحته، وستكون هناك تشريعات دولية لمكافحة الفساد وفرض العقوبات على الشركات والمسئولين الذين يقبلون تمرير معاملة فاسدة. وحتى وقت قريب، كانت الشركات الأوروبية تخصص جزءاً من موازناتها لدفع عمولات لبعض الفئات من أجل الفوز بالمناقصات المدنية والعسكرية، وهذه الممارسات أصبحت الآن تحت المجهر، ومن يقوم بها يخاطر بفضح نفسه وربما معاقبة الطرف المشترك معه والذي يعيش في الدول التي تجرم الفساد وتنفذ القانون من دون تردد. الفساد الإداري يعشش في البيروقراطية وفي كثرة التوقيعات المطلوبة لتخليص كل معاملة، لأن كل توقيع يحتاج إلى جزء من «العمولة» أو حصة من «الرشوة»... ولذلك، فإن البلدان التي تحارب الفساد تقضي على الإجراءات البيروقراطية التي تخنق العملية التنموية فيها. والبحرين تعتبر من الدول المثقلة جداً بالإجراءات البيروقراطية، وهذه الإجراءات لا يمكن التخلص منها إلا عبر الوسائل الفاسدة. أما في حال الالتزام بها فإن المشروعات والبرامج التنموية تتعطل وربما تلغى من الأساس. نقاط التفتيش الجمركي، والاستيراد والتصدير، والمناقصات وظروفها المحيطة بها، واعتماد المشروعات أو عدم اعتمادها، وإعطاء الرخص أو سحبها، وغيرها من الإجراءات تعتبر أرضاً خصبة للفساد الإداري... ولكي نقضي على جذور الفساد، فإن هناك وسائل عدة تدعو إليها منظمة «الشفافية الدولية» والبنك الدولي، والأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات، وهي إرادة سياسية وثقافة وطنية وتطبيق حكم القانون، وفرض ضوابط العقاب والثواب... على أن يبدأ التطبيق من الأعلى إلى الأسفل، وليس العكس. إن تنفيذ مبادئ المحاسبة يحتاج إلى جرأة ووضوح رؤية وسرعة في تنفيذ حكم القانون، وهذه معطيات مازالت بعيدة عن أجوائنا التي اعتادت المحاباة والمجاملات، حتى لو كان ذلك يؤدي إلى ضياع ثروات الوطن
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1191 - الجمعة 09 ديسمبر 2005م الموافق 08 ذي القعدة 1426هـ