احتفل العالم أمس (الثالث من مايو) باليوم العالمي لحرية الصحافة، بالتزامن مع إطلاق منظمة بيت الحرية «فريدوم هاوس»، تقريرها عن حرية الصحافة في دول العالم للعام 2009.
ومن الطبيعي أن نهتم نحن بما ورد في التقرير عن البحرين، فقضية حرية الصحافة اليوم ليست ترفا للشعوب، ولا ديكورا لتكملة لوازم الدول المتسلطة، ولا مكياجا للديمقراطية المقيّدة، وإنما هي ضرورةُ حياة.
حرية الصحافة أصبحت اليوم أحد المؤشرات المهمة لوضع البلد ومستواه الثقافي وطموحه السياسي، وما يتطلع إليه من موقع حضاري تحت الشمس. من هنا فإن من الطبيعي القلق لما ذكره التقرير من تراجع مستوى الحريات في البحرين، وتصنيفها ضمن الدول «غير الحرة» صحافيا.
منظمة «بيت الحرية» منحت البحرين المرتبة 156، من بين 195 دولة، بمعنى أننا نقع في الربع الأخير من القاطرة الدولية. إذا أردنا أن نكابر يمكننا أن نكتب عشرات المقالات للردّ على هذه المنظمة وتفنيد ما جاءت به، والتشكيك في صدقيتها ومعاييرها، كما حدث في تقارير دولية أخرى. أما إذا أردنا أن نقرأ واقعنا كما يرانا الآخرون، وليس كما نحب أن نرى أنفسنا، فعلينا أن نراجع أنفسنا من جديد.
إن زيادة أعداد الصحف خلال ثمانية أعوام من صحيفتين إلى ثماني صحف يومية، لأسبابٍ سياسيةٍ أو إعلاميةٍ أو تجارية، لا يصلح دليلا على مدى الحرية «الواسع» الذي نمتلكه بالضرورة. قبل يومين كنت أتحدّث مع إعلاميةٍ من كندا (ثاني أكبر دولةٍ في العالم مساحة)، كانت تسأل عن صحفنا، ولما حدثتها عن مساحة البلد وعدد السكان والصحف وأرقام التوزيع المقدّرة... استغربت وقالت: «نحن 33 مليون نسمة ولدينا أربع صحف يومية، اثنتان منها فقط يوزع على مستوى وطني».
ثم ان حرية الصحافة ليست شعارا جميلا نرفعه ونتغنّى به، بينما نحرم الجمهور من المعلومات، ونمارس التكتيم على القضايا الكبرى التي تهم الناس اقتصاديا وسياسيا كقضايا الفساد والمال العام، ونلجأ إلى خدعةٍ سينمائيةٍ مكشوفةٍ من قبيل: «يُمنع الكتابة في أية قضية مادام ينظر بها القضاء»، لمصادرة حرية الصحافة في مناقشتها، ومنع الرأي العام من معرفة حقيقتها. وهي الخدعة التي تكاد تصبح اليوم عرفا مقدسا لا يمكن الاقتراب منه، وخصوصا بعد ملاحقة عددٍ من الزملاء، والتهديد بـ «تأديبهم» وفق قانون العقوبات. والجميع يعلم أن ملاحقة الصحافيين كانت بسبب آراء نشروها سلميا، وليس لأنهم هدّدوا الأمن القومي أو الوحدة الوطنية.
إن يوم الصحافة الذي يحتفل به العالم لتكريم الصحافة وحماية استقلاليتها، والتذكير بالرجال الذي فقدوا حياتهم وهم يؤدّون واجبهم، أو ثمنا لمواقفهم في الحياة، يجب أن لا يمرّ كأي احتفاليةٍ عابرة، بل لابد من المطالبة بقانون عصري يتناسب مع أزمنة الإصلاح، يحفظ للصحافة كرامتها ويوفّر للعاملين فيها جوا آمنا للعمل والانتاج والقيام بالدور المنشود على أكمل وجه، بعيدا عن إشهار سيف قانون العقوبات.
يجب أن نعترف بحقيقةٍ مهمة، وهي أن صحافة البحرين تمارس اليوم دورا مشهودا في حفظ التوازن بين الطبقات والفئات والمصالح المتناقضة في المجتمع، في ظلّ وضعٍ تستأثر فيه السلطة التنفيذية بالقرار السياسي بصورة شبه مطلقة، ويعاني فيه الجانب المنتَخَب (التجربة البرلمانية والبلدية) من ضعف وتشرذم طائفي. وفي مثل هذا الظرف، تقوم الصحافة بتغطية النقص وسد العجز في المؤسسات السياسية الأخرى، بما فيها مؤسسات المجتمع المدني.
يمكننا المكابرة بأن لدينا أعظم حرية صحافة في العالم، بينما الواقع يفترض منا قليلا من التواضع، فمازلنا ضمن مربع الدول غير الحرة صحافيا.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2432 - الأحد 03 مايو 2009م الموافق 08 جمادى الأولى 1430هـ