قبل أسبوع، تفاجأ رئيس القسم الخارجي، الزميل إبراهيم خالد بوصول «صور فظيعة من مصر على الوكالات»، وكانت الصور «فضيحة» بمعنى الكلمة، للديمقراطية العربية المباركة. قوات الأمن تقيم حواجز صد لمنع المواطنين من التوجّه إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في البرلمان، قبل الانتخابات، استبقت الحكومة المصرية الأمور، على لسان أحد وزرائها، بأنها لن تسمح للمنظمات غير الرسمية بمراقبة الانتخابات، فكل انتخابات الدنيا تقبل «التدقيق» والرقابة من الخارج، إلاّ ديمقراطياتنا «المقدسة»... فهي فوق الشبهات والتزويرات والتلاعبات والبلطجات، على أن الصور التي وصلت لاحقاً كانت أكثر فضائحيةً: عمليات بلطجة وضرب بالهراوات والسكاكين، و«بلطجية محترمون» يحملون سيوفاً وسكاكين... وإلقاء القنابل المسيلة للدموع على الناخبين، يعزّزهم «رجالٌ يرتدون الملابس المدنية» ويحملون السكاكين في شاحنات صغيرة بالقرب من بعض المراكز الانتخابية. فيما شكا عددٌ من الصحافيين من تعرّضهم لاعتداءات من قبل مسلحين تابعين إلى الحزب الحاكم خلال تغطيتهم. حتى طاقم «الجزيرة» لم يسلم من الرجال المحترمين، إذ اعترضوا طريقه وداهموا محطة الإرسال وقطعوا الأسلاك للحيلولة دون نقل الصورة الحقيقية للتجاوزات والتضييقات التي يواجهها الناخبون. جماعات حقوقية اتهمت السلطات بارتكاب مخالفات من قبيل شراء الأصوات وتزوير النتائج، فضلاً عن منع الناخبين من دخول مراكز الاقتراع. ولم تكتفِ السلطات بذلك، وانما أكملت «معروفها» باعتقال أكثر من 1500 «ناخب» مصري في ليلة واحدة، وكانت قمة الإثارة ما جرى في دورة الإعادة للجولة الثالثة من الانتخابات التي شهدت نهايةً داميةً بمقتل ثمانية أشخاص وإصابة 600 آخرين بينهم 20 إصاباتهم خطيرة. وهو ما وصفته الصحافية مونيا دولافيني بأنه «انتفاضة حجارة مصرية»، ذكّرها بمشاهد الانتفاضة الفلسطينية، إذ أخذ الشباب المؤيدون للإخوان بإلقاء الحجارة على رجال الشرطة الذين منعوهم من الإدلاء بأصواتهم، وكان هؤلاء يردون «بإطلاق مسيلات الدموع والرصاص المطاطي وأحياناً الرصاص الحي» كما قالت. دولافيني نقلت صوراً حيّة من «ساحة المعركة»، بينها إصابة أحد الناخبين بقنبلة في عينه، فسال الدم ليغطّي وجهه، فأخذ يصرخ في رعب. وبعد ساعة من الصدام، فتح المركز الانتخابي، فتمكن عدد قليل جداً من الدخول، ما اضطر شباب «الانتفاضة» على حد تعبيرها إلى التحوّل إلى مدرسة للبنات على الجانب الآخر من الترعة، إذ لاحقتهم قنابل الغاز، التي قابلتها الحجارة المتطايرة في كل مكان. أطرف وربما أوجع ما نقلته دولافيني صورة امرأتين جلستا بلا اكتراث على شط الترعة، بينما كانت المعركة حامية الوطيس، وواصلتا غسل ملابس عائلتيهما... إلى أن طالتهما قنبلة مسيلة للدموع، لقطةٌ أخرى نقلتها دولافيني للشباب الذين انتقلوا بحجارتهم إلى مدرسة أخرى، إذ توجد مكاتب اقتراع مخصّصة للسيدات. وصاح أحدهم «هيا نفتح لجان السيدات». وبعد نصف ساعة «تفضّلت» الشرطة بالسماح بدخول بعض الناخبات، وخرجت إحداهن فرحة بعد إدلائها بصوتها، ولكن قنبلة طائشة سقطت على المجموعة لتسيل مدامعهن مرة أخرى، فأخذن يتشاركن في حبات البصل. الحليف الأميركي الذي غضّ الطرف كثيراً عن مهازل «الأصدقاء»، خرج عن صمته أخيراً، بالإعراب عن «قلقه البالغ بشأن سير الانتخابات»، على رغم أن نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية آدم إيرلي رفض توجيه انتقادات لمنع الناخبين من الوصول إلى لجان الاقتراع، معتبراً الانتخابات «خطوة نحو مزيد من الديمقراطية»، فالشعوب العربية أميركياً مازالت لا تستحق أكثر من هذه «الجرعة» من الديمقراطية لئلا تفقد صوابها، بعض المحللين وهم يراقبون المشهد، وصفوا هذه الديمقراطية بـ «الديمقراطية الفرعونية»، وقالوا إن الحزب الوطني الحاكم بزعامة الرئيس حسني مبارك سعى من وراء كل ذلك، إلى الاستحواذ على غالبية مقاعد البرلمان، لئلا يفكّر أحدٌ في تغيير الدستور، لضمان البقاء ألف عام في حكم «أم الدنيا»،
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1190 - الخميس 08 ديسمبر 2005م الموافق 07 ذي القعدة 1426هـ