لا أعتقد أن أحداً كان يتوقع ان تقف أميركا التي كانت تعد حتى قبل أعوام، بلد الحريات وقبلة ناشطي حقوق الإنسان، طرفاً رئيسياً مدافعاً عن خرق مواثيق التحريم المطلق للتعذيب. هذا التحريم الذي كانت تتمسك به في السابق تمسكاً يصل إلى منحها الحق في محاكمة الآخرين إذا ما اخترقوه. منذ عقود وأمريكا تحارب الأنظمة وتضغط عليها بقرارات حقوق الإنسان، لتتحول هذه الحقوق بعد حوادث سبتمبر/ أيلول، إلى شعار قابل للتغيير مع متطلبات الحرب ضد الإرهاب، التي يبدو أنها لن تقف عند حد معين في تغيير المواثيق الدولية. قد يكون من حق واشنطن ان تدافع عن نفسها بالطريقة الملائمة، لكنها لا تمتلك الحق في تغيير المفاهيم الدولية التي صارت حقوق الإنسان احدى أهم ركائزها الإنسانية. ما يحصل الآن من دفاع أميركي علني، هذه المرة، عن عمليات التعذيب المنتهجة في سجون ومعتقلات العراق وأفغانستان وغوانتنامو، يؤكد أن أميركا بدأت بتغيير المفاهيم القديمة بأخرى تبرر التعذيب، وهي بالنتيجة ستكون سلاحاً تدافع به الكثير من الأنظمة المترددة أو المتخوفة، لقمع شعوبها لاعتبارات احترام حقوق الإنسان، وهي بالنتيجة لن تكون (هذه الأنظمة) باحثة عن وضع إنساني أفضل مما تحاول ان تكون عليه واشنطن. واقع انتهاكات حقوق الإنسان الذي صارت تدافع عنه أميركا، ويكاد أن يكون تصرفاً جمعياً بين أفراد قواتها المسلحة في العراق، منح شخصاً مثل صدام الذي قتل وشرد مئات الآلاف من العراقيين «حقاً» للدفاع عما ارتكبه من جرائم ليقول إن ما يتحدث عنه شهود قضية «الدجيل» من عمليات تعذيب لا يختلف كثيرا عما ترتكبه القوات الأميركية من عمليات تعذيب ضد السجناء في أبوغريب، إن ناشطي حقوق الإنسان عليهم أن يفهموا أن الخيارات الصعبة التي تتحدث عنها رايس خلال اجتماعاتها مع شركاء واشنطن الأوروبيين تحمل خلفها الكثير من الاستفهامات التي تنتظر دول وشعوب العالم وأنظمتها التي قد يدافع بعضها عن سياسات واشنطن التي ستكون مرجعاً نموذجياً لانتهاك حقوق الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ